18 ديسمبر، 2024 9:14 م

إما أنْ نَتَغيَّر أو نُغَيَّر؟

إما أنْ نَتَغيَّر أو نُغَيَّر؟

تفاقم الأنكشاف والأنكسار في مجتمعاتنا العربية والأسلامية بشكل مضطرد في الثقافة والعلوم والأقتصاد والتعليم والتنمية والفنون والسيادة الوطنية والقومية.حتى بتْنا عبيداً بعد أن كنّا سادة,فبعد أن كانت مدننا مراكزَ إشعاعٍ حضاري وعلمي.يلجأ لها طالبو العلم لينهلوا منها ويَرِدوا مناهلها الثقافة والعلوم وفلسفتها.أصبحت مدننا مراكزَجهلٍ وتخلفٍ وانكسار. ولكل هذا أسباب وتداعيات.
واهِمٌ من يعتقد إن هذا جاء تلقائياً وعفوياً بل إن للأستبداد والحكام الجهلة والسلاطين ووعاظهم اليد الطولى فيه وهم المحرك الديناميكي للتخلف والأرتداد العلمي والثقافي والهبوط المجتمعي الحضاري.
سهَّلَ لهذا وعاظ السلاطين ممن كانوا يترزقون على أبواب المستبدين فرفدوهم وآزروهم بفتاوى التكفير وتحليل المحرم وتحريم المحلل زوراً وبهتاناً. فأجازوا لهم ما حرمه الله والدين والشرائع و مكارم الأخلاق. فلم يَعدْ المبدعون والمفكرون والمجددون قادرون على العطاء واللحاق بركب المدنية والحضارة والنهوض بالمجتمعات.حتى تفشى الجهل في العامةِ والخاصة. وأصبح الجهلة سادة القوم. وطأطأ العلماء والمصلحون والمنادون بالتجديد رؤوسهم. واختفوا عن الساحة. ولم يعد لهم أثر يذكر.
لم يكن تجهيل الأمة والعودة بالمجتمع للبداوة والترييف أمراً عجيباً, بل هدفاً منشوداً تُنفق عليه الأموال, بدل أن تُنفق على دور العلم والمعرفة والفنون والآداب.وهكذا نجحت مسيرة الأنكشاف والأنكسار, بعد أنْ خَلعَ علماءُ السوءِ عمائمَ الدين السمح و الفكر الصائب والعلم. ولبسوا عمائمَ الجهلِ والتكفير والنفاق. وانطلقت مسيرةُ الأنكشاف والأنكساربخطى متسارعة. فتحقق هدف مهم لِمَنْ يريد الشرَّ بالأمة. وهو انفكاك الروابط الأسلامية والقومية و القطرية الوطنية. فشاع العداء والأقتتال ووصل للقبائل والعشائر, بعد أن حققت الماسونية والصهيونية أهدافها في تفكيك المجتمع.ونشر العداوة والبغضاء والجهل وضعف الأنتماء الأسلامي والقومي فيه.
لم نستغرب أن تعتبربعضُ الدول العربية والأسلامية إيران عدوة لها ,وإسرائيل هي الصديقة.
إسرائيل الدولة الأستعمارية الكولنيالية الوحيدة في هذا العصر في العالم, التي اغتصبت فلسطين. وتمددت على دول عربية أخرى,رغم إن الأستعمار محظوراً وفق قرارت الأمم المتحدة. وتمتعت اسرائيل اليوم بدفء العلاقات والتطبيع مع دول عربية واسلامية بينما أهل اليمن أعداء .
قد لا يعلم بعض الشباب لضعف الأعلام الوطني والقومي إنَّ ثقافة التكفير ليست طبيعية ولا طائفية الجذور .ويتوهم البعض إنها من رحم الفكر الأسلامي.والحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع إن هذه الثقافة ليست من المفاهيم والأخلاق الأسلامية .بل هيأت لها مراكز ومؤسسات ماسونية في الدول الإستعمارية الكولنيالية. فأعدت لها مخططات لأضعاف قوة العرب والمسلمين .وتغذية العداء والفتنة والطائفية بين مكوناتهم ومجتمعاتهم.وزودت هذه الدولُ ومؤسساتُها عملائَها وأدواتِها في المنطقة بكل لوازم و متطلبات تحقيق أهدافها الشريرة .فنهبت ثرواتها بالأستعانة برجال دين مدَّعين منافقين. وينصبون حكاماً قبليين جهلة يأتمرون بأمرهم. ويزيحون حكاماً يقفون بوجه مخططاتهم الخبيثة.
فبعد أن كان السائد مفهوم أمرهم شورى بينهم, انتقلت الحال الى الأحادية والديكتاتورية والشوفينية في الحكم.ولم يكن هذا في العصر الحديث بل منذ أن قُتل الأمام المصلح الثائر الحسين بن علي عليه السلام .وكيف قمع الأمويون والعباسيون كل من يخالفهم ,من المظلومين ,ممن يقولون الحق ويدحضون الفساد في الأرض. .وساهمت دولٌ بإشاعة تسهيل دخول مفاهيم عقائدية تفرق العرب والمسلمين,كالطائفية وإهمال اللغة العربية التي كُتِبتْ بها أمّهات كتب العلوم في الطب والهندسة والتأريخ والفنون والفلسفة .واشاعة اللهجات العامية والمفردات الأعجمية في التخاطب.حدث هذا منذ زمن المماليك والدولة العثمانية حيث كانت الدواوين تكتب باللغة التركية وشاعت تسمية بعض المفردات بالتركية والفارسية .واليوم نمرُّ بالإنهيار والأنكسار والأنكشاف الأكبربعد الغزو الثقافي الغربي الذي أشاع تكريه العرب والمسلمين بثقافاتهم وأصول دينهم وروابطهم القومية والوطنية.وتشجيع الأنا وإعدامِ النحن .فهاجرت العقول العربية والأسلامية للغرب لتبنيه بقدراتها العقلية العلمية.وتحرم أوطانها مما منحهم الله وأمتهم اياها.
فإن لم نتغيَّر ونسعى للأصلاح والتغيير فسَنُغيَّرحتماً. ولكن ليس للأحسن والأفضل ومافيه مصلحتنا ومصلحة الأجيال. بل للأسوء, للأنحطاط والتخلف والجهل والأحتراب .فإن لم نتغيّر ونهجر الصراعات الدينية والمذهبية والركون للماضي والتكفن به,ونلتفت للمستقبل الذي ننشده, ونبني أمة موحدة متماسكة, تهتم بمصالحها وتردع الطامعين بها. فسَنُغيّر حتماً الى تابعين أذلاء لا حق لنا ببلداننا وخيراتها. نقدم الضحايا وتُسفك دماؤنا من أجل من يدفعنا دفعاً لحفرةٍ ملتهبةِ النيران. تلغي وجودنا وثقافتنا وروابطنا الأنسانية.
نحن لسنا مع من يقف بوجه التفاعل مع الحضارات الأنسانية الأخرى. بل نسعى للتفاعل الأيجابي والتبادل الحضاري معها. فنأخذ ما يفيدنا ونبتعد عن السلبيات التي تنسف هويتنا وتلغي مآثرنا الثقافية وجذورنا الأسلامية والعربية.
فلا بدَّ أن تهتم حكومتنا وتأخذ الدروس من احتجاجات شعوبها وتطلعاتها. ولا تقمعها بل تدرس متطلباتها وتحقق المشروع منها.فعلى السلطة الأيرانية أنْ تهتم بالمطالب الشعبية وتلبيها لتدرء الفتنة التي خُططَ لها بليل مظلم. وحيكت في دوائر تبغي إشاعة الأضطرابات, حتى يسهل التدخل في الشأن الداخلي. فلا بدَّ من تحقيق ديمقراطية أكبر, ومشاركة جماهيرية أوسع. وتتخطى منهج التهميش الطائفي والقومي وتحارب الفساد المستشري.وتبتعد عن التشدد الديني والمذهبي . وهكذا تنجو ايران من الهلكة والدمار .وهذا درس بليغُ للنظام السوري والحكومة والكتل السياسية العراقية .فالتفاهم مع الشعبين العراقي والسوري خيرٌ لهم من المناصب والكراسي والتوريث السياسي.وعفة اليد خيرٌ من نهب قوت الشعب وأموال المحرومين. والسلم المجتمعي خيرٌ من الأستبداد وحكم دوائر المخابرات وأقبية الأمن. وإن الإنتصارإنتصارٌ للشعب لا انتصار عليه. فإنْ لم نَتَغَيَّر فسنُغيًّر حتماً. وسيقسم المقسم شيَّعاً وأحزاباً وقبائل وعشائر ومدن .وربما يستدعي الأمر تدخلاً استعمارياً وانتداباً وإدارة دولية كولنيالية جديدة.
إنَّ منطقتنا حساسة وذات أهمية اقتصادية وعسكرية وجغرافية وسياسية قصوىً. فأي اضطربات فيها تتسبب بإضطراب الأمن والأقتصاد الدولي . فهي الخزان النفطي الأكبر في العالم.ومنها تمرُّ السفن التجارية في أهم الممرات البحرية الدولية كقناة السويس ومضيق هرمز والبحر الأحمر. ومن أجوائها تمر أعداد هائلة من الطائرات تختصر الطرق والممرات الجوية .فهل تترك الدول الرأسمالية الكبرى والكارتيلات المالية الضحمة مراهقي السياسية يتلاعبون بمصير المنطقة التي تبيض لهم ذهباً كل ثانية ؟
أما الدول التي اختارت الأصطفاف مع اسرائيل فأمرها بيد شعوبها, وإن طالَ الزمن.فبعد كل ليلٍ نهار.ونسأل الله أن تعود لضميرها ورشدها وتقتفي أثر السلف الصالح.فتنحوا للسلام مع الشعوب العربية والأسلامية وتنفق الأموال على فقرائها ومعوزيها, لا على حروبٍ عبثية.نحن في امتحان حتمي فإما أن نَتَغيَّر أو نُغيَّر.