منذ عام 1990 ونحن نحذر من خطر إيران وعملائها وشراذمها في العراق والمنطقة , ومنذ عام 1991 ونحن نصرخ ونستصرخ العرب من المحيط إلى الخليج بأن لا يقفوا مع العدو الأمريكي وحلفائه الأشرار العلننين والمخفيين وعلى رأسهم إيران الشر , التي أثبتت سنوات الحصار والاحتلال بما لا يدع مجال للشك والتقية بأنها لم تكن فقط ضالعة في جميع المؤامرات الخسيسة بما فيها توريط العراق في الكويت وغيرها من الدلائل والقرائن والشواهد التي لا تعد ولا تحصى , لكن للأسف تآمرت جميع دول الخليج وعلى رأسهم المملكة السعودية على العراق وجيشه وشعبه وقيادته الوطنية , بالرغم من أنهم جميعاً .. أي دول الخليج دعموا العراق خلال الحرب التي شنتها إيران على العراق عام 1980 . فقط لوجستياً وهذا الشيء لا أحد ينكره , وكانوا حينها يرددون مقولتهم الشهيرة ( منا المال ومنكم العيال ) !؟, لكنهم وللأسف بعد انتهاء تلك الحرب المدمرة , أداروا ظهورهم للعراق وتنكروا لكل وعودهم وعهودهم تجاه العراق الذي حماهم ودافع عن عروشهم وكروشهم على مدى ثمان سنوات وضحى بخيرة أبنائه دفاعاً عن كرامة ووحدة الأمة , وبدءوا تآمرهم الأول بشل وتدمير الاقتصاد العراقي من خلال إغراقهم الأسواق العالمية بالبترول الرخيص , وحينها طالبهم العراق بالتريث وخاطبهم مباشرة في قمة بغداد عام 1990 أي بعد أقل من سنتين على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وحذرهم من مغبة التآمر على العراق ونصحهم نصيحة أخوية صادقة بأنه سور وسد منيع لهم وللأمة العربية , وقال لهم بالحرف الواحد ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) , وبدل أن يعودوا لصوابهم ورشدهم ذهبوا إلى أبعد وأخس وأحقر من ذلك حينما حركوا موضوع الديون المترتبة على العراق لدويلة الكويت وطالبوه بدفع 10 مليار دولار فوراً !, وبالرغم من جميع محاولات العراق لحل وتسوية جميع الخلافات والمشاكل العالقة خاصة مع الكويت بالحوار والتفاهم الأخوي لكنهم ركبوا رؤوسهم بالباطل وأخذوا يتمادون في غيهم أكثر فأكثر , بعد أن أخذوا الضوء الأخضر من سيدتهم أمريكا بأنها ستقف معهم بوجه العراق ولن تفرط بهم أبداً , في حين على الجانب الآخر كانت السفيرة الأمريكية في بغداد تقول للقيادة العراقية العكس تماماً , وبأنه لا توجد بين الكويت وأمريكا أي اتفاقيات دفاع موقعة بين الطرفين ؟, والقصة معروفة للقاصي والداني .. ولا داعي أيضاً للدخول في تفاصيلها الآن , حكام الخليج قاطبة لم يتوقفوا عند تلك الحدود من التآمر على العراق من خلال وقوفهم مع أمريكا في ما يسمى عاصفة الصحراء , وفتح حدودهم ومطاراتهم ومياههم وغرف نومهم للغزاة البرابرة الأمريكان المجرمين , بل ساهموا مساهمة فعلية في فرض وتطبيق كافة بنود الحصار الاقتصادي الإجرامي المفروض على كافة أبناء الشعب العراقي بسنتهم وشيعتهم عربهم وكردهم , ولم يتوقفوا عند هذا الحد وتلك الحدود , بل راحت مخابراتهم بالتعاون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية بالبحث عن كل ما هو شاذ وساقط خلقياً ويكره العراق والعرب والإسلام , ليقدموا لهم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي والمساعدة والإيواء في فنادق الخمسة نجوم ورعاية وتمويل مؤتمراتهم التآمرية والخيانية في .. فيننا ولندن وجنيف وواشنطن وأربيل والسليمانية … ألخ ,
وتقديمهم للعالم كمنقذين للعراق , وتلميع صورهم ووجوههم القبيحة والكالحة , وخاصة تلك الكلاب السائبة على أرصفة شوارع قم وطهران ودمشق ولندن وأمريكا وفرنسا والسعودية نفسها , ممن أطلقوا على أنفسهم اسم ( المعارضة العراقية )
بشقيها العميلة والموالية لإيران , والعميلة والموالية لأمريكا وإسرائيل , وهذا ليس سراً نكشفه الآن للعالم , ولسنا بصدد الغوص والخوض في شرح أدق تفاصيله وملابساته .
ثلاثة عشر عاماً من الدعم المتواصل واللا محدود من قبل كافة دول الخليج وعلى رأسهم مملكة آل سعود لما يسمى المعارضة العراقية والترويج لمشاريعها الديمقراطية الكاذبة والمخادعة التي دفع ضريبتها الشعب العراقي منذ عام 2003 أنهاراً من الدماء وملايين من الشهداء ومحو وتدمير ونهب الدولة العراقية بالكامل , ناهيك عن الدعم اللا محدود لسيدتهم أمريكا وحلفائها الجدد كما أشرنا منذ 2آب 1990 وحتى تاريخ إعلان ساعة الصفر لعاصفة الحزم في 26آذار 2015 , تم تدمير وحرق العراق بالكامل واحتلاله وتسليمه لحفنة من شذاذ الآفاق والعملاء والجواسيس الذين تقودهم إيران بصورة رسمية ومباشرة منذ عام 2011 , بعد أن سحبت أمريكا قطعاتها العسكرية وسلمت العراق على طبق من ذهب لإيران حسب مقولة وزير خارجية المملكة الأمير الخرف ” سعود الفيصل ” .. ولكن الغريب العجيب .. قبل هذا التصريح وحينه وبعده وحتى قبل خمسة أيام من انطلاق شرارة ( عاصفة الحزم ) والتي .. كعرب عراقيين أيدناها وباركناها رغم تأخرها أكثر من عقد كامل , من منطلق عروبي وحدوي للمّ الشمل العربي وتوحيد الكلمة وطرد أتباع النفوذ الإيراني بكل أشكاله وألوانه ليس فقط من اليمن بل من كافة دول الخليج وخاصة من الكويت والبحرين ومن الجزر الأماراتية التي تحتلها إيران منذ عقود , بل وحتى خلاياها النائمة في السعودية نفسها , ولكن بالرغم من كل ما تقدم كعراقيين للأسف لم نكن نسمع بهذه التصريحات الهستيرية الغير مسبوقة بهذه الحدة والحماسة التي أطلقها اليوم الشيخ ” عبد الرحمن السُديس ” إمام وخطيب مكة المكرمة , الذي قال حرفياً وبشكل هستيري وجنوني لم بسبق له مثيل … أقتبس جزء يسير مما قاله نصاً :
( حربنا وإيران .. قولوها واملؤها في الملأ هي حرب سنة وشيعة , هي حرب فسطاطين لا ثالث لهما , حرب إيمانٍ وسنة واعتقادٍ وصحابة , وحرب كذب وزوراً وبهتان . حربنا مع إيران هي حرب ديانةِ وسنةً وإيمان وتوحيد , هي طائفية بجدارة , وإن لم تكن طائفية جعلناها طائفية وسعينا جهدنا لتكون طائفية , ماذا تريد إيران منا , وماذا نريد منها , إلا أننا لا نريد أن يطعن بالله وبرسوله وأن يكفر أصحاب رسول الله وأن لا يشرك بالله وأن تتهم عائشة بالزنا , ماذا تريد منا إيران .. الحرب مع إيران حرب شيعة وسنة , والضرب بيننا وبينهم بالبارد والعسكر والجيوش , هو ضرب شيعة وسنة , وإلا .. لماذا تدعم إيران فقط الحوثيين , وتدعم حزب اللات فقط , ومقاومة الرافضة في العراق لمَّ ؟, لماذا تجعل بعض المقاومات السنية التي دانت لها بالولاء ووضعت لها الانتماء وأظهرت لها المحبة والغزل .. لماذا ؟, لأن القضية حرب سنة وشيعة , دعوكم من كلام الإعلاميين .. كلام فاضي لا لون له ولا طعم ولا رائحة , هؤلاء يخافون على مناصبهم ودنياهم ولسنا عندنا شيء نخافه إلا الله , حربنا مع إيران حرب سنة وشيعة , قولوها للملأ وملؤها عبر التواصل دعوكم من كلمة الطائفية المأفونة إنما هم جاءوا لبلادنا .. ), إلى أخر الخطبة المشحونة بالحقد والكراهية والبغضاء وصب الزيت على النار , لإشعال فتيل حرب إقليمية إذا اشتعلت لا قدر الله فإنها سوف لن تبقي ولن تذر وسيذهب ضحيتها هذه المرة الملايين من الأبرياء من المسلمين .
كان الأجدر بإمام وخطيب أطهر بقعة على وجه الأرض كـ “مكة المكرمة ” أن يتحدث بلغة هادئة ومتوازنة ورصينة , وليس بلغة التهديد والوعيد لطائفة بعينها لا ذنب لها سوى أن دول الخليج والدول العربية الأخرى تآمروا عليهم بشكل رسمي منذ عام 1980 , وتركوهم فريسة سهلة ولقمة سائغة لإيران ومشروعها الفارسي التفريسي , وكان على الشيخ السديس أيضاً .. بدل أن يقرع طبول الحرب الطائفية الشيعية السنية …!؟, أن يسأل نفسه وبقية وعاظ السلاطين في بلد الحرمين الشريفين خاصة .. لماذا لم ينصحوا قادتهم بأن ترك العراق والعراقيين وسوريا والسوريين واليمن واليمنيين ولبنان واللبنانيين تعبث بهم إيران كما تشاء ستكون له عواقبه الوخيمة عاجلاً أم آجلاً , ليس على هذه الدول الأربعة فحسب بل على منطقة الشرق الأوسط بالكامل .
ولماذا لا يذكر الشيخ السُديس خلال خطبته النارية الطائفية بإمتياز ولو من بعيد , بمطالبة كافة الدول العربية الخليجية وغير الخليجية بأن يسحبوا اعترافهم بحكومة المنطقة الخضراء العميلة ويسحبوا سفرائهم من بغداد المحتلة فارسياً فوراً , وكذلك لماذا لا يطالب الشيخ بأن تقاطع جميع الشعوب العربية البضائع والسلع التجارية الإيرانية بكل أشكالها وأصنافها , ومقاطعة الشركات الإيرانية وخاصة تلك التي تهيمن على السوق الإماراتية والكويتية , ولماذا لم يطالب الزعماء العرب بقطع أو وقف كافة أشكال العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها مع إيران إلى أن توقف تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية , وأن توقف دعمها للحركات والمليشيات الطائفية بما فيها حزب الله اللبناني والمليشيات الموالية لها في العراق فوراً . أم هو يريد بهذا الخطاب الطائفي بأن يعطي ذريعة وحجة للطائفيين ولسيدتهم إيران بأن يمعنوا بقتل وتعذيب أخواننا في سوريا وغرب وشمال العراق , وينتقموا شر انتقام بعد أن سمعوا للغة التهديد والوعيد هذه .
والسؤال الذي يطرح نفسه .. لماذا الحقد المزمن والطائفية المقية أعمت بصر وبصيرة الشيخ السُديس ولم تجعله يميز بين الشيعة العرب الذين يمقتون إيران ومشاريعها التفريسية .. والشيعة الصفويين الذين زرعتهم في أغلب مفاصل الدول والحكومات العربية , والذين باتوا يعشعشون في كافة دويلات الخليج ولا أحد يستطيع أن يقول لهم على عينكم حاجب !؟؟؟.
ملاحظة : كاتب هذه الأسطر لا ينتمي لأي طائفة ولا يدافع عن أي طائفة على حساب طائفة أخرى .. فقط عربي مسلم موحد من العراق .
وللحديث إن شاء الله بقية .