23 ديسمبر، 2024 9:44 ص

كان الامام علي يعرف موقعه من مشروع الخلافة الربانية والسياسية. وكان يعلن هذه المعرفة على الملأ. وقد قال بهذا الصدد:”أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى؛ يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ”.
لكن تحويل الرؤية السياسية والدينية الى واقع عملي معاش في الخارج كان محكوما بوصية رسول الله (ص)، وهي الوصية التي رواها بنفسه عن الرسول حيث قال:”قال لي رسول الله (ص): انْ اجتمعوا عليك فاصنع ما امرتك، والا فالصق كلكلك بالارض؛ فلما تفرقوا عني جررت على المكروه ذيلي واغضيت على القذى جفني، والصقت بالارض كلكلي.”
وقال كلمته التاريخية المعروفة:” أيها الناس ! لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري . أَمَا وقد انتهى الأمر إلى ما ترون فواللـه لأُسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلاّ عليَّ خاصة.”
وكان على مدى 25 سنة مثال الزعيم الذي يحرص على وحدة امته وصلاحها وسلامتها وسلامها واستعداده لخدمتها وتقديم النصح لها كلما تطلب الامر ذلك.
شاوره الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ذات يوم في الخروج إلى غزو الروم، فقال له ناصحا:”وَقَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ لِأَهْلِ هَذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالَّذِي نَصَرَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لَا يَنْتَصِرُونَ وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لَا يَمْتَنِعُونَ حَيٌِ لَا يَمُوتُ؛ إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ، فَتُنْكَبْ، لَا تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلَادِهِمْ؛ لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ. فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِحْرَباً وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ وَالنَّصِيحَةِ فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى كُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ.”
واستشاره  الخليفة عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه،  فقال له:”إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلَا خِذْلَانُهُ بِكَثْرَةٍ وَلَا بِقِلَّةٍ وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ. وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ؛ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً. وَالْعَرَبُ الْيَوْمَ وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإِسْلَامِ عَزِيزُونَ بِالِاجْتِمَاعِ. فَكُنْ قُطْباً وَاسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ وَأَصْلِهِمْ، دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ، فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ. إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَطَمَعِهِمْ فِيكَ. فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيمَا مَضَى بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ.”
وسمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين، فقال لهم:”إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ.”
منذ وفاة الرسول (ص) حتى توليه الخلافة، ضرب الامام علي، الصحابي الجليل وابن عم رسول الله وزوج ابنته، المثل الاعلى في الحرص على وحدة المسلمين وسلامة النظام العام لمجتمعهم ودولتهم، وفي التآخي والتعايش والصبر والمعاونة والتعاون. ما احرانا اليوم ان نستلهم الدرس منه، في وقت يُغلي فيه مرجل مجتمعنا بما ينذر بالانفجار الكبير الذي  لا يبقي و لا يذر.