23 ديسمبر، 2024 12:11 م

لقد مر زمن على حكم القبائل في جزيرة العرب قبل الإسلام عاشته على أنماط بدوية وانعزالية ،تحت سيطرة ونفوذ الامبراطوريات الرومانية والساسانية وبعد ان اضمحلت السلطة الفعلية على البادية فصارت كل قبيلة تشكل ممالك صغيرة او كياناً خاصاً يشبه دولة داخل الدولة، فكانت للقبيلة حدودها التي لا يجتازها أحد إلا بعلمها وباتفاقياتها مع الامبراطويات السائدة في ذلك الوقت والتي تقع تحت سلطتها اونفوذها لتسهيل وحماية طرق التجارة او جباية الضرائب او اتفاقيات عسكرية تشمل الدفاع عن حمايتها وأمنها .
فكانت كل قبيلة لها لهجتها الخاصة نتيجة الانعزال أو كما يسميها البدو ولها ثقافتها ومعتقداتها الدينية وكل ما يدل على هوية الإنسان وتفاخره بنسبه. ومن بين هذه الإقوام والقبائل العربية الإصيلة
إمارة طي القبيلة الأم والتي تسمى جواد العرب بالمروءة والكرم والسخاء والفروسية والشجاعة وتعتبر من قبائل العرب الرئيسية والتي تنحدرالى طيء بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فهي قبيلة كهلانية سبأية قحطانية، أي يمانية الأصل حسب تصنيف علماء التاريخ والأنساب . وقد كانت لها مكانتها الكبيرة وشأنها العظيم عند العرب بل وتعتبر من أقدم اصول القبائل العربية العريقة.
وطي بعد هجرته من جنوب اليمن الى شمال الحجاز (جبال طي الاجا وسلمى ) تفرعت منها الفروع وتشكلت منها الإمارات ففي العراق كانت امارة طي في فرع (بني الهناء ) ومنهم امير العرب اياس بن قبيصة الطائي ملك الحيرة ) واشهرحفيد ملوك وزعماء العرب و شمال الجزيرة حاتم الطائي الذي اعتنق وقومه الديانة النصرانية وقد ضربوا على الأرض نطاقا وتفرقوا فجاجا وحجازا وشاما وعراقا بعد ظهور الإسلام واعتناقهم الدين الإسلامي
بعد وصول وفد سيد طيء في أيام الرسول(ص)، زيد الخيل بن مهلهل الطائي، وهو ممن قدم على الرسول (ص )في وفد طيءو(زيد الخيل) الذي سماه الرسول (زيد الخير)،ويظهر من روايات الإخباريين أن رؤساء طيء وكانوا يلقبون بملك. فقد ذكروا أن عدي بن حاتم الطائي كان رئيس طيء في أيام الرسول، وكان ملكاً عليهم فلما جاءت خيل الرسول إليه بقيادة علي بن أبي طالب(ع)، فر إلى الشام، ثم غادرها وذهب إلى الرسول فأسلم، وأكرمه الرسول
حاربت طي تحت راية المثنى بن حارثة الشيباتي سنة ١٤هجرية وناصرت الامام علي عليه السلام في واقعة صفين وامتدحهم قائلا: “جزاكم الله خيرا اسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووفيتم صدقاتكم المسلمين”
وكان لطي وفروعها شرف المشاركة الفاعلة في طلائع الجيش الاسلامي لنشر راية الاسلام (الفتوح الاسلامية )وتحرير الشام والعراق وطرد الفرس والبيزنطيين والصليبيين فشاركت في كل الفتوحات , فقد كانت كما اسلفنا مع المثنى بن حارثة الشيباني ومع خالد بن الوليد , ومع سعد بن أبي وقاص . وقد اختطت لها خطة في الكوفة في الجانب الشرقي مع قبائل أهل اليمن سنة١٧هـ , وطي هي التي ناصرت الامام علي ع في حوادث سنة ٣٦ه وحاربت معه في واقعة صفين تحت قيادة الأمير عدي بن حاتم الطائي . ولقد اشتهر أمراء آل عيسى في بادية الشام ببطولات مشهورة حيث كانت لهم مواقف وطنية وقومية بوجه الغزاة المارقين ودافعوا بشجاعة عن العروبة والإسلام , من أمثال الأمير مانع ابن حديثة ابن عقبة بن فضل بن ربيعة , اذ كان له دور كبير مع جماعته ( قبيلة طي) في القتال الى جانب الملك الأشرف الايوبي ضد سلاجقة الروم وكذلك ضد صاحب بلاد الروم (كياكاوس) الذي استولى على مدينة حلب فتمكن الأمير مانع من تحريرها وطرد الروم منها وذلك في عام ١٢١٨ م .
وقد قاومت هذه الامارة وفروعها العريقة كل اشكال قوى الاحتلال والنفوذ الخارجي ابان السيطرة العثمانية وخصوصا في مناطق اعالي الفرات وشكلت عائقا كبيرا امام قوة وهيمنة الحكم العثماني ومواجهته بعدة اشكال ومواقف في رفض الهيمنة والاستغلال واشكال الظلم والقسوة التي استخدمتها الدولة العثمانية في بسط نفوذها وسيطرتها . كما ساهمت امارة طي مساهمة كبيرة وفاعلة في الثورة العربية الكبرى ضد القوات البريطانية الغازية وتاسيس الدولة العراقية الحديثة .كما ساهمت ايضا في مقارعة الارهاب ودحر فلول داعش التكفيري من ارض العراق.ومواجهة التنظيمات الارهابية المتطرفة والمشاركة الفعلية في استتباب الأمن والسلم المجتمعي. ولم يكن لإمارة طي وفروعها العريقة دورا محصورا في السيادة والزعامة والدور العسكري والصراعات القبلية المعروفة فحسب بل ان دورها يمتد الى جذورها العريقة القديمة ودورها الفكري والثقافي والحضاري في كل مرحلة من مراحل التاريخ القديم والوسيط والحديث فحجم وثقل هذه الأمة المتفرعة الى قبائل وامارات اخرى عريق جدا وممتد بامتدادات تاريخية قديمة حافلة بالإنجازات والمواقف التاريخية العربية والوطنية على كافة المستويات .