سَيّدي، أخَرجتَ لتشق عصا المسلمين وتُفرقهم، لأجل الزعامة والخلافة؟ لِمَ لَمْ تبايع ليزيد؟ إن كنت طالبٌ للرئاسة؛ فما ذنب نساءك وأطفالك الصغار؟ لِمَ ظلوا ثلاثة أيام يتذمرون العطش؟ لِمَ يُقتل أهل بيتك وأصحابك، وتسبى عيالك؟
سَيّدي، لِمَ يُقتل ابنك علي الأكبر؛ فتنادي: ((على الدنيا بعدك العفا))؟ ويُقتل أبا الفضل؛ فتنحني عليه، وتنادي: ((الآن انكسر ظهري))؟ ما ذنب طفلك الرضيع؛ ليذبح بين كفيك؟ كيف عُدتَ به لأمه؟ سَيّدي أتبكي على قومٌ، خرجوا ليقتلوا أبن بنت نبيهم؟ وتقول: ((أشتد غضب الله على اليهود؛ إذ جعلوا له ولداً، واشتد غضبه على النصارى؛ إذ جعلوه ثالث ثلاثة، وأشتد غضبه على المجوس؛ إذ عبدوا الشمس والقمر من دونه، وأشتد غضبه على قوم؛ اتفقت كلمتهم على قتل أبن بنت نبيهم)).
سَيّدي، ما ذنب زينب، وهي تُناديك من على التل، يا أبن أمي إن كنت حياً فكلمني؟ ما ذنب أبنك العليل، الذي حاصرته النار في خيمته؟ فحارت زينب ما بينه، وبين أطفالك الصغار المشردين؟ ما ذنب نساءك وأطفالك؛ حين هجوا مرعوبين في البيداء؟ ما ذنب طفلتك لتُناديك فلا تُجيبها؛ حين خرجت من خيمتها، وقد آلمها حَسك السّعدان، وهي تصرخ، يا أبتي هؤلاء القوم هجموا علينا؟ فمابالك لاتجيبها؟ من لها وقد قتل إخوتها وأهلها؟
سَيّدي، أسَمعتَ شمراً وهو يشتم زينب؟! أرأيتها وهي تودع كربلاء؟ من يُصعدها على محملها؛ وأبا الفضل صريع على الرمضاء! وهذا عَليلكَ مقيد بأغلال السلاسل من عنقه؟
سَيّدي، أيُطاف برأسك من العراق للشام، وبناتك يَنظرنّ إليه؟ ما حال زينب وهي تنظر لرأسك مضرجاً بدماءه؟ أُخربكَ سَيّدي، إنها تَمنت المنية من ساعتها ((ليت الموت أعدمني الحياة))، هذه أختك بنت قتال العرب، يَسبها أبن راعية المعزى، وهي تستنجدك فلاتجيبها؛ ما ذنبها؟ أيضربها عدوك؛ وأنت تنظر إليه؟
سَيّدي، هذه رقية، قد اسود جلدها؛ من أثر السياط، أما كان لك، أن تتركها مع أختها العليلة، في مدينة جدها؟ ما ذنب هذه الطفلة، التي عشقتك لِتَموتْ على رأسك؟
سَيّدي، يُهدى رأسك، من الدعي بن الدعي، إلى ابن آكلة الأكباد، فيَضرب يزيد ثناياك وينشد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلوا واستهلوا فرحا *** ثم قالوا يا يزيد لاتشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم *** وعدلنا ميل بدر فأعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
لستُ من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان قد فعل
سَيّدي، إن كنت تُريد السلطة، فلِمَ خَرجت بالأطفال والنساء؟ لِمَ يُقتل ولدك وأهلك، وتُسبى نساءك، ويُيتم أطفالك؟
سَيّدي، أعْلَمُ أن دينٌ حرفته أميةً، وخلافةً تقمصها الأراذل، ومنبر للرسول تنابزته القردة، وقران هجرته الأمة، وقربٌ من نبي الرحمة أنكروه، جَعلكَ تعلنها ثورة لإصلاح أمة جدك: ((إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي؛ فيا سيوف خذيني))، ((ومثلي لايبايع مثله))، ((شاء الله أن يراني قتيلا، ويراهن سبايا)) وبذلك صرت مشعلاً في ليل التائهين، وملهما للثائرين، انتصرت على ظالمك، وانتصر دمك على سيف عدوك، فاستقام دين محمد(ص) بتضحيتك.