23 ديسمبر، 2024 8:25 ص

إلى وزير الكهرباء

إلى وزير الكهرباء

شاهدتك على الشاشة التلفزيونية وأنت جالس على منصةٍ عاليةٍ في البرلمان العراقي، خلال هذا الاسبوع. كان جبينك مقطباً ونظرك مأخوذاً وأنت تحاول اقتناص فرصة لتثقيف النواب ومشاهديكم جميعاً  بكيفية عمل المحطات المختلفة الأنواع لتوليد الطاقة الكهربائية.  شاهدتك ، في أحرج اللحظات في تقديم حكايات سطحية ليس فيها أية معلومات علمية ولا معلومات ادارية عن اسباب تقطيع نسبة كبيرة من خيوط وزارتكم المتهمة بمقص الفساد وخناجره الحمراء.

وجدتكم يا معالي الوزير كبحارٍ غارقٍ يحاول أن يذرع البحر بحثا عن أمواجٍ تنقذه من غرق الاستجواب أو الاستضافة رغم أن أغلب اسئلة النواب كانت سطحية ،أيضاً، ليس فيها غير (الضجر) عن استمرار أزمة انقطاع الكهرباء . كان كل المتكلمين من النواب يغلونَ بارتعاشات مفتعلة من دون ان يستطيع اي واحد منهم تقديم اتهام صريح أو نصيحة او مقترحات لإيجاد حلول مستقبلية لهذه الازمة المتفاقمة  رغم هدر 36 مليار من العملة الخضراء اللامعة من دون أية نتائج لتوليد الطاقة الكهربائية لا بالطرق النمطية ولا بالطرق غير النمطية . في بلادنا سدود وشلالات وبترول وغاز ورياح ذات سرع عالية .. لدينا شمس تصل حرارتها إلى درجة 50 مئوية في الصيف ،لكن الشعب كله – عدا شعب المنطقة الخضراء – يشكو من حرمان الطاقة الكهربائية .

واحسرتاه  ،يا معالي الوزير،  انكم ومن سبقكم من الوزراء الذين تربعوا على نفس الكرسي خلال الــ( 12) سنة الماضية تتشبثون بنفس مقاطع العبارات والكلمات المكررة ،كي تبرروا ، بمشقة بارزة،  فشلكم في تشخيص الاسباب الكامنة في عمق وزارتكم ، لذلك ذهبت عبثا كل الجهود والاموال الطائلة .

اسمحوا لي يا معالي الوزير أن اخبركم عن جوهر شيء واحد من اشياء العمل في دولة شقيقة ، الامارات العربية المتحدة، التي لا تشكو من مشاكل الطعام، ولا من مشاكل الكهرباء، ولا من مشاكل الماء الصالح للشرب،  فكل مؤشرات هذه الأمور المعيشية  وغيرها تحمل أرقاماً عالية من النجاح ، لكنني أود ان اعلمكم انني في زيارتي  مدينة أبو ظبي ودبي والشارقة عام 1960 وجدت فيها 82 نخلة فقط مصنفة من النوع الرديء  ثم  حين زرت دولة الامارات عام 1997 قيل لي ان عدد النخيل فيها يزيد على 25 مليون نخلة  .قيل لي ،أيضاً،  خلال زيارتي عام 2000 أن عدد النخيل قد زاد على 30 مليون. يوم ذاك  برقت حزمة من الاسئلة  وجهتها الى مسئول اماراتي عن السر في هذا التطور او التطوير فأجاب أن الادارة الناجحة، ذات الفعل النزيه، ذات الارادة الخلاقة ،التي تكافح الاهمال المحسوب والتقصير المتعمد وغير المتعمد ،هي التي جعلت دولة الامارات تفتخر انها من بلدان النخيل في العالم المعاصر.

كلكم في وزارة الكهرباء العراقية تتبادلون نظرات مرحة بزيادة رواتبكم ومخصصاتكم وكبار الموظفين عندكم يتقافزون  من مطار الى مطار موفدين في دول اوربية وغير اوربية بحثاً عن مناقصات شراء (المولدات) و(الاجهزة الاعجوبة) لزيادة انتاج الطاقة الكهربائية في بلادنا الظلماء. لكن الشيء الوحيد الناتج في نهاية المطاف هو الفشل في توفير الكهرباء بأدنى المستويات. ثم انكم لا تعترفون بفشلكم الاداري لأنكم لستم كفء لمهماتكم ،بل كنتم وما زلتم، بيادق في مربعات رقعة المحاصصة، تفتشون عن كلمات ملتوية وعن اساليب ليس فيها حقائق وليس  فيها غير تفاهات كلامية ، فيها تحلل من المسئولية الوطنية، فيها تستر على وجه الفساد المالي والاداري، الذي يكفـّن جسد وزارتكم ،كله. حتى صار العراقيون يعتقدون أن في وزارة الكهرباء (نبتة شيطانية) مزروعة في غرفها  .. فيها الفساد المالي والاداري حيوان هائج  لا يقل إرهابا عن تنظيمات داعش.

اسألكم ،يا معالي الوزير، سؤالاً أخيراً : لماذا يشعر الوزير العراقي في هذا الزمان انه رجل عظيم لا يخطأ ..؟  لماذا يتصور كل وزير أنه من عظماء رجال العراق..؟ لماذا يظهر عظمته وشعوره بالكبرياء والفخفخة على الشاشة التلفزيونية بينما يعتبر الفساد المالي في وزارته مضخماً وليس مصخماً..؟ 

أخيرا أذكركم ان الشاعر المعري كان يصف الاشياء بحقيقتها. يأبى ان يحسّن المنطق بالكذب.. يأبى ان يزيّن الفشل بالكلام الحماسي. كان يصر على اجتناب الزور ويلتزم بالصدق والبر. كما ارجو ان تسمحوا لي بتذكيركم بما قاله  الاديب الروسي تولستوي :من الخطأ  تقسيم الناس الى طيبن واشرار والى اغبياء واذكياء، فالإنسان يحمل في اعماقه جميع الامكانيات فقد يتحول الشرير الى طيب وبالعكس وقد يتحول الغبي الى ذكي وبالعكس ، لكن الفاسد هو الوحيد يتحوّل إلى أكثر فساداً.