18 ديسمبر، 2024 9:46 م

إلى هيفاء الأمين بلا تحية

إلى هيفاء الأمين بلا تحية

الوصول إلى قبة البرلمان يعني أن الواصل يمثل طيف معين من هذا الشعب, وبغض النظر عن نوعية هذا الطيف فأن الواصل ملزم بالعمل على تلبية متطلبات طيفه, إضافة إلى متطلبات المواطنين الآخرين, كون الممثل النيابي سيسهم في تشريع القوانين التي تمس حياة الأفراد –المواطنين- جميعهم.
كما أن التمثيل النيابي يلقي بظلاله على الممثل الشعبي فيه, إذ يجب أن يكون في قمة الاحترام لموروثات وأخلاقيات الشعب وهمومه وتطلعاته ورغابته, لا أن يكون الممثل مترفعا عن أبناء جلدته متجاوزا عليهم ومسيء إليهم.
جاءت أحداث ما بعد 2003 مشوشة قليلا, سمحت ببروز شخصيات ما كان لها أن تبرز لولا هذا الصخب الفوضوي في بناء المنظومة الحاكمة, بأضلعها الثلاث (التشريعي والتنفيذي والقضائي), وقد وفر العراق فرصة لبعض الذوات أن تكون أسماءهم براقة في سماء العالمية, رغم أنهم مغمورون ولا يمتلكون أدنى سمعة أو شهرة دولية.
من الأسماء التي برزت على الساحة العراقية هو اسم السيدة هيفاء الأمين, عضو الحزب الشيوعي العراقي والتي تحمل الجنسية السويدية.
دخلت السيدة هيفاء الأمين في عدة انتخابات مرشحة نفسها عن الحزب الشيوعي عن محافظة ذي قار, ودخلت في الائتلاف المدني برئاسة فائق الشيخ, إلا أنها لم تحظى بفرصة الفوز, ثم بعد تظاهرات ساحة التحرير واندماج الحزب الشيوعي مع التيار الصدري فازت الأمين –أخيرا- بمقعد نيابي عن قائمة سائرون بفضل شعبية السيد مقتدى وتياره العريض.
لم نسمع – بصفتي ابن محافظة ذي قار- أي صوت أو انجاز للسيدة الأمين بعد دخولها البرلمان, وكانت سيرتها هامشية خلال سنة من عمر البرلمان, لكن وبشكل مفاجئ ينتشر ذكرها وتتناولها الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي, ليكون ذكرها على كل لسان.
اشتهرت السيدة الأمين من خلال لقاء في لبنان, لا أعرف هل هو ندوة أم ماذا؟ وهل هو رسمي أم شخصي؟ لكن المهم أنها في هذا اللقاء أنها تنكرت لأبناء جلدتها, ووصفتهم بنعوت قاسية, وقالت عنهم أنهم متخلفون وموروثاتهم متخلفة وأن لبنان –البلد المشتت الضائع في الصراعات والمليء بالنفايات- هو أكثر تحضرا من العراق.
كلام السيدة “النائبة” يبدو أنه كان ضمن فورة تشفي لخسارتها الأولى, أو نظرة تعالى على مجتمع قدمها بالانتخابات, ليعطيها مجدا وامتيازات ما كنت لتحلم بها أبدا, ويبدو ان السيد هيفاء نسيت أنها نتاج هذا الشعب الذي وصفته بالمتخلف, ولا أعلم هل تعي أن نتاج المتخلف متخلفا مثله أم لا؟.
ثم أن السيدة امتدحت كردستان كثيرا وصنفتهم في المرتبة الأولى في التحضر, ولا أدري هل هذا مجاملة لزوجها الكوردي أم كلام ينم عن قناعتها؟.
ألم تدري السيد هيفاء أن من الجنوب فطاحل الشعراء, وكبار الفنانين, وخيرة الرجال, وصناديد الحروب, واوائل المثقفين, أنسيت السيد أن الجنوب – المتخلف بنظرها – يمتد عمره لأكثر من خمسة الاف عام, وأن من بقعته خرج أول حرف للكون واول ابجدية, أنسيت السيدة أن في الجنوب قامات قدمت دمها وهو أعز ما تملكه, قدمته قربانا لحفظ الوطن, أنسيت هيفاء الأمين صولات أبناء الانتفاضة وفرسان الهور وسادة الجهاد.
لعلي اعطي الأمين عذرها لو قالت الجنوب يعاني من تردي الخدمات, وأنها تعمل على رفع المظلومية عنه, عندها كنت سأعتبرها رمزا جنوبيا نقيا, كونها تذكر مظلومية ابناء جلدتها, وتعمل على رفع شأنهم, لا أن تصف موروثهم بالمتخلف, وأنهم أناس متخلفون, ولا يعطون للمرأة حقوقها, ويبدو أن الحق الذي تريده الأمين للمرأة هي أن تمشي بلا حجاب تعرض مفاتنا للغادي والرائح.
ما لم تدركه السيدة هيفاء الأمين! إن ابن الجنوب رغم فقره لكنه عزيز النفس, ورغم عوزه لكنه كريم الطبع, ورغم حرمانه لكنه مؤثر على نفسه, ورغم اقصاءه الا أنه مضحيٌ في سبيل وطنه.
ختاما أقول للسيدة هيفاء الأمين إن كانت متحضرة, وإن كانت قد تعلمت تقاليد بلدها السويد, أن تقدم استقالتها من البرلمان كما يفعل ساسة دول الغرب حينما يخطؤون أو يسيئون, رغم أني أشك بأنها تفعل ذلك لأن مغانم العراق مما يسيل له اللعاب.