قد تحتاج الأمم لعدة قرون كي تنجب رجلا عظيما … لكنها تستطيع إنجاب آلاف الضعفاء والجبناء في اليوم الواحد … هذه حقيقة تاريخية أثبتتها التجربة الإنسانية ، وصراع الحق والباطل والخير والشر عبر العصور ، افتقر العراق لرجال دولة من الطراز الحقيقي منذ انقلاب شباط عام 1963 ، وكل ما أفرزته الصراعات السياسية والانقلابات العسكرية التي عصفت به ولغاية الآن ما هي إلا قيادات طارئة ورجالات سلطة أوجدتها الصدفة ، بنت مواقفها السياسية على رغبات وإسقاطات فكرية انية وقد تكون انفعالية في كثير من الأحيان ، ولم تؤسس على قواعد رصينة او ثوابت وطنية ، تأخذ على عاتقها النظر إلى العراق وشعبه ، ولم يكونا من أولوياتها بقدر اهتمامها بمصالحها الشخصية ، وبناء أمجاد زائفة على حسابهما ، منذ سقوط الصنم عام 2003 وهذه المشكلة مستفحلة بشكل كبير ومخيف ، فالساحة السياسية العراقية ، تعاني التخمة من الكم الكبير مما يطلق عليهم بالسياسيين ، لكنها في نفس الوقت تعاني الشحة من الوطنيين منهم والمخلصين لشعبهم وانتماءهم ألصميمي للعراق ، وهذا لم يكن وليد صدفة او نتاج للهزة العنيفة التي عصفت ببلدنا بعد زوال النظام الدكتاتوري الشوفيني الذي جثم على صدورنا لعقود عدة ، بل إن هذا التداعي في المنظومة السياسية يرجع لأسباب تاريخية واجتماعية واثنيه قديمة ، أنتجتها حالة التغييب ألقسري لطيف كبير وواسع من المجتمع العراقي وغياب الثقافة الوطنية ، والعقد التاريخية الملازمة للمشهد العراقي منذ وجوده بعد الفتح الإسلامي .
كل هذه الأسباب جعلت بوصلة المواطن العراقي تعاني التضليل وعدم القدرة على تحديد اتجاهها نحو الصالح أو الطالح عند اقترابها من صندوق الانتخابات ، وأصبح البحث عن السياسي العراقي بالمواصفات الوطنية المتعارف عليها في معظم بلدان العالم كمن يبحث عن إبرة في كومة قش ، العراق الآن يعيش في أزمة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى ، صراعات سياسية بين الكتل والأحزاب على مصالحه الفئوية كثيرا ما تجد طريقها إلى الشارع ليدفع ثمنها المواطن العراقي البسيط دما وحرمانا ،حتى وصل الأمر إلى تهديده بالقتل وعلى رؤوس الاشهاد ، وثروة تقدر بمئات المليارات بددت وأهدرت تحت مسميات وعناوين وهمية لم يلمس منها الشعب أي شيء يذكر ، وأزمة اقتصادية وعجز حاد في ميزانية الدولة لم يجد أصحاب القرار حلا لها سوى سلب الرمق الاخير من المواطن العراقي الفقير عبر سلسلة من إجراءات تقشفية انتقائية تستهدف الطبقة المعدمة من الشعب ، وإرهاب يضرب بإطنابه في جزء كبير من مساحة العراق ، ورجال شجعان وطنيون يقارعون هذا الإرهاب بصدور عارية لم تجد ما تتمترس به غير حبها لبلدها وإيمانها بقضيته بلا حتى مرتبات او حقوق لشهدائهم وجرحاهم ، نحن اليوم بحاجة إلى معجزة كونية لإخراجنا مما نحن فيه وسط هذا السيل الجارف من الأزمات والانتكاسات التي نمر بها ، والعراق بكل ارثه الحضاري وتاريخه الموغل بالقدم مهدد اليوم في وجوده ووحدته ، وكل الحلول المطروحة ما هي إلا رؤى فنتازية طوبائية لا تجد لها طريق على ارض الواقع ، العراق الآن يقف على مفترق طرق وخيارات صعبة أحلاها مر … فنداء إلى من يهمه الأمر … ( نكون او لا نكون تلك هي المشكلة ) .