إلى متى ياغزة والصمت الدولي

إلى متى ياغزة والصمت الدولي

الموت جوعاً وعطشاً هو جريمة العصر والصمت العالمي شريك فيها. تُباد غزة ويموت أطفالها جوعاً أمام أنظار العالم، على الهواء مباشرة. أكثر من مليوني إنسان، غالبيتهم من الأطفال والنساء، يُحاصرون بالموت من كل الجهات: قصف لا يتوقف، وجوع لا يُرحم، وعطشٌ يحفر في الأجساد الصغيرة كل يوم خنادق الألم. أطفال يبحثون عن قطرة ماء أو رغيف خبز، فيُلاحقهم الرصاص، وتُقصف أحلامهم تحت ركام البيوت والمخيمات.

 

إن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب، بل تطهير عرقي مبرمج، وتهجير قسري معلن، ومجزرة ترتكبها حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، تحت غطاء دولي مفضوح. لكنّ الجريمة الأكبر من القتل، هي الصمت. الصمت الذي أصبح لغة هذا العصر، والموقف الغالب للعالم “المتحضر”، بينما تُزهق أرواح الأبرياء بأحدث الأسلحة الأمريكية.

وإذا كان العرب والعالم الإسلامي لا يملك الشجاعة للدفاع، فعلى الأقل نملك سلاح التأثير: المقاطعة. فبمقدور الشعوب، حين تتوحد إرادتها، أن توقف عجلة الدعم المالي والتجاري الذي يغذي آلة الحرب الإسرائيلية. ليست المقاطعة شعارًا عابرًا، بل هي فعل مقاومة فعّال، قادر على ليّ ذراع الجلاد.

إن المقاطعة الشعبية للمنتجات الأمريكية والشركات الداعمة للاحتلال يجب أن تتحول من مبادرة فردية إلى حركة جماعية، تشمل كل بيت ومدرسة ومسجد ومؤسسة. ويجب أن تتحرك الحكومات العربية والإسلامية بقرارات واضحة: قطع العلاقات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني، تجميد الاتفاقيات، ووقف الاستثمارات. لا قيمة للخطابات إذا استمرت الأموال بالتدفق إلى اقتصاد الاحتلال.

وعلينا كأفراد ومجتمعات مدنية أن نُطلق حملات توعية شاملة، نفضح فيها الشركات المتورطة، ونبني وعيًا شعبيًا يدرك قوة التأثير الجماعي. فمَن لا يملك السلاح، يملك القرار، ويملك الشراء أو الامتناع عنه. المقاومة ليست فقط بالبندقية، بل أيضًا بالليرة والدينار واليورو.

أما العرب والمسلمون، فسكوتهم المخزي يزيد من عمق الجرح. أكثر من مليار ونصف المليار إنسان لا يحرّكون ساكنًا، وكأن غزة ليست منهم، أو كأن أطفالها ليسوا أطفالهم.

وفي خضم المجزرة، تُطرح قضية الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ويتساءل البعض: هل يتم إطلاق سراحهم؟ والجواب أن نتنياهو لا يحتاج إلى ذريعة ليقتل، بل هو يقتل لأن مشروعه القائم على الدم والتهجير لا يقوم إلا على أنقاضنا. لذا فإن استخدام هؤلاء الأسرى كورقة تفاوض هو فعل مشروع، بل وضروري، لانتزاع مكاسب لغزة، وفرض شروط تضمن كسر الحصار، ووقف المجازر، والإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين.

غزة اليوم تُقاتل لوحدها وسلاحها أجساد اهلها . وما يجري هناك ليس معركة حدود، بل معركة وجود وهوية وعدالة. فإن سكتنا، فقد نخسر آخر ما تبقى من إنسانيتنا، ونُسجل في التاريخ كشهود زور على جريمة لن تتوقف عند حدود غزة، بل ستمتد لتأكل الجميع.

غزة لا تحتاج إلى دموعنا، بل إلى العمل الفاعل.

إلى مقاطعة حقيقية، وموقف حاسم، وإرادة لا تلين.

وإلا فالصمت خيانة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات