23 ديسمبر، 2024 6:34 ص

إلى كل من يرى الحقيقة بعين عوراء …

إلى كل من يرى الحقيقة بعين عوراء …

أكثر من سنتين وثلاثة أشهر مرّت على سقوط مدينة الموصل , ولا زال الكثير من السياسيين والإعلاميين من يعتقد أنّ فساد المؤسسة العسكرية العراقية هو السبب المباشر لسقوط الموصل ومحافظات الغرب العراقي السنّي , والذين يقفون وراء هذا الرأي هم تحديدا خصوم وأعداء رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي , وشغل هؤلاء الشاغل هو إلقاء كامل مسؤولية سقوط الموصل ومحافظات الغرب العراقي على رئيس الوزراء المالكي باعتباره رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة والمسؤول عن الملف الأمني في العراق , وكأنّ الفساد في مؤسسات الدولة العراقية مقتصرا فقط على المؤسسة العسكرية من دون المؤسسات الأخرى , وبما أنّ الاستعدادات تجري لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش الإرهابي , فلا بدّ لنا أن نقف عند الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى سقوط الموصل ومحافظات الغرب العراقي السنّي بيد داعش , ولماذا حصل هذا الانهيار في صفوف القوات المسلّحة العراقية والقوّات الأمنية , فبدون معرفة هذه الأسباب والوقوف عندها بتجرّد , لا يمكن تحقيق النصر النهائي على الإرهاب واستئصاله من جذوره وضمان عودة الأمن والاستقرار إلى محافظات الغرب العراقي والعاصمة بغداد وباقي مناطق العراق الأخرى , فالموصل ومحافظات الغرب العراقي السنّي قد سقطت بفعل عاملين هما العامل الخارجي والعامل الداخلي , وقد ساهم كل من العاملين في تحقيق الغاية التي كتبت حروفها الأولى في أنقرة وأربيل , ومحاولة إلقاء اللوم على العامل الداخلي وفساد المؤسسة العسكرية من دون معرفة دور كل من أمريكا وإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر , ستبقى قاصرة وستبقى حبيسة الأحقاد الشخصية المريضة التي مزّقت البلد وسهلّت للأعداء الوصول إلى غاياتهم .

فالعامل الخارجي أو ما نطلق عليه بالمؤامرة يشّكل 90% من أسباب سقوط الموصل ومحافظات الغرب العراقي , فكلّنا نتذّكر أنّ تنظيم القاعدة في العراق والذي يطلق عليه ( الدولة الإسلامية في العراق ) قد تمّ تفكيكه والقضاء عليه بشكل شبه تام ولم يبقى منه إلا بعض الشراذم المختبئة في الجحور , لكن نوري كامل المالكي الذي أخرج القوّات الأمريكية من العراق بالكامل وامتنع عن غلق حدود البلد وأجوائه أمام المساعدات الإيرانية إلى سوريا وحزب الله اللبناني , عليه أن يدفع الثمن غاليا , فتنظيم القاعدة الذي انتهى تماما في العراق ولفظ أنفاسه , لا بدّ من إعادته إلى الحياة بنسخته الجديدة وبما يضمن تحقيق أهداف واشنطن وتل أبيب والرياض وأنقرة في المنطقة , والقرار الأمريكي الإسرائيلي السعودي في إسقاط النظامين العراقي والسوري ومحاصرة حزب الله والقضاء عليه , وراء ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا وسيطرته على أجزاء واسعة من البلدين , ففي سوريا كان الشعار هو تحقيق الديمقراطية للشعب السوري , وخلف هذا الشعار تمّ تدمير سوريا وتشريد شعبها الآمن المستقر , أمّا في العراق الديمقراطي فكان لا بدّ من سبب مقبول لإسقاط النظام الديمقراطي , فكان التهميش هو الكذبة الكبرى التي اجتمع حولها جميع أعداء نوري المالكي , هذه الكذبة التي غذّتها دوائر المخابرات في واشنطن وتل أبيب والرياض وانقرة , وكانت المبرر لتدمير العراق والشعب العراقي , فتنظيم القاعدة الذي لفض أنفاسه عاد بنسخته الجديدة داعش وبشكل قوي إلى مدن الغرب العراقي السنّي من خلال منصات الفتنة الطائفية , حيث انتشر التنظيم في هذه المدن كانتشار النار في الهشيم , وأصبح الجميع يهتف قادمون يا بغداد .

وخلال هذه الفترة كانت معسكرات وتجمعات داعش تنتشر في الصحراء الغربية أمام مرأى ومسمع الحكومة الأمريكية وأجهزتها الاستخبارية , وكانت هذه الأجهزة تعلم بأدّق التفاصيل عن تنظيم داعش ورصدها لتحركات التنظيم وتجمعاته , وحين طلب رئيس الوزراء نوري المالكي من الولايات المتحدّة الأمريكية توجيه ضربات جوّية إلى معسكرات وتجمعات وأرتال داعش قبل أكثر من سنة من أحداث الموصل , رفض الجانب الأمريكي تنفيذ أي ضربة جوّية لمعسكرات وتجمعات داعش , وفي جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي قال وزير الدفاع الأمريكي ( إنّ السبب وراء عدم قيام القوّات الأمريكية بتوجيه ضربات جوّية لمعسكرات وتجمعات داعش في حينه هو الرغبة الأمريكية في إسقاط حكومة المالكي ) , مع العلم أنّ رئيس الوزراء نوري المالكي كان قد أخبر الجانب الأمريكي بمعلومات مؤكدة تفيد بحضور أثنين من كبار الضباط الأمريكان لاجتماعات سرّية تضم قيادات في تنظيم داعش الإرهابي .

فحين نقول أنّ الموصل قد سقطت بمؤامرة دولية وداخلية , لا نريد أن نبرئ ساحة أحد أو نرفع المسؤولية عن أحد , يقدر ما يهمنا أن نقف على الحقائق بعين غير عوراء , حتى لا نفاجئ بتطورات غير محسوبة بعد تحرير الموصل من قبضة داعش , فقد تترتب على ذلك نتائج لا تحمد عقباها , فالقوى الداخلية التي ساهمت بالمؤامرة وعملت على كسر معنويات الجيش العراقي وتأليب الشارع السنّي عليه من خلال شعارات جيش المالكي والجيش الصفوي , لا زالت فاعلة ولا زال صوتها مرتفعا وهذه المرّة ضد الحشد الشعبي , فالاتهامات التي لاحقت الجيش العراقي قبل سقوط الموصل , تلاحق الآن الحشد الشعبي بذات التهم والذرائع , والمؤامرة الدولية التي استهدفت نوري المالكي لا زالت قائمة وتستهدف الحشد الشعبي وقياداته المجاهدة البطلة .