23 ديسمبر، 2024 8:36 ص

بفضل من الله العلي القدير عادت ذاكرتي المتعبة بأحوال هذا الزمان إلى أربعة عقود عندما تم اختياري مرافقا يقرأ ويكتب من قبل الأمهات والعمات والخالات حيث تسمى جاراتنا عمتي أو خالتي أم فلان أو فلانة وأنا فخور كثيرا بان أكون مرافقا متعلما مع مجموعة جميلة لطيفة نظيفة هادئة متحمسة للذهاب إلى زيارة أربعة من مدن  العراق والهدف هو زيارة الأئمة الأطهار رضي الله عنهم وخط الرحلة هو السفر من الموصل  إلى بغداد بالقطار والتوجه إلى النجف الأشرف لزيارة أمير المؤمنين زوج البتول فاطمة الزهراء علي بن أبي طالب عليهم السلام والتوجه بعد العصر إلى درة المدن الإسلامية كربلاء المقدسة لزيارة أئمة الهدى والحق الإمام الحسين وأخيه الإمام العباس عليهم صلاة ربي وسلامه . السفر بالقطار متعة في ذلك الزمان من حيث التوقيت والراحة والنظافة . جاء فاحص التذاكر (التيتي) بملابس جميلة نظيفة مهيبة ليقطع التذاكر سألني (وين رايحين) قلت له النجف وكربلاء قال لي مقبولة ان شاء الله  وسلمولي سالت أمي إحنا رايحين إلى أقرباء التيتي ابتسمت وقالت رايحين إلى شفعاء ومصابيح ومخلصي امة محمد وسأشرح لك هذا عندهم .
وصلنا بغداد في صباح جميل واتجهنا إلى النجف الأشرف وكنت في عجلة من أمري كي أرى شفعاء ومخلصي امة محمد وعند الاقتراب من النجف الأشرف تراءت لنا قبة ومآذن الروضة الحيدرية المباركة المذهبة كأنها درر ربانية تهابها النفوس وما أن وصلنا إلى الروضة المشرفة حتى نطقت الحناجر بالصلاة على محمد وآل محمد والدموع تنهار من الأعين من هيبة وجلال الروضة ومثوى ابن عم الرسول زوج البتول وحامل راية الرسول
ولأول مرة أرى واسمع بكاء عيون من فرح وهيبة ووقار وتقديس واقسم إني لم أرى بصدقها وعفويتها وانطلاقها من مهج الإنسان وعند ما ترآى القبر الشريف أصابتني قشعريرة لم أرها في حياتي ليست خوف ولا ألم ولا تعب وانهارت دموعنا بدون بكاء إنها مهابة وقدسية وعظمة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الشريف وهذه الهيبة المميزة لا مثيل لها وستبقى أزل الآزلين. وبعد إتمام مراسم الزيارة جلسنا في الروضة الشريفة وسبحان الله هدئت النفوس والهموم أزيحت من صدور الزائرين. قلت لامي أريد أخذ (سيديه) والسيديه هي قطعة قماش خضراء تبارك بأضرحة أولياء الله ويقوم الناس بالتبرك بها وتعليقها في الدور والسيارات والأماكن المختلفة ومنها معصم اليد اليمنى قالت نعم اذهب إلى ذلك السيد واطلب منه ذهبت اليه قال (شتسوي بها) قلت أشدها على معصمي وأوزعها على المعارف للبركة وحصلت على مرادي. بعد العصر اتجهنا إلى كربلاء المقدسة على ساكنيها أفضل الصلاة وأتم التسليم وفي كربلاء المقدسة تعاد إلى أعيننا مهابة الروضتين الشريفتين لإمام الأمة وسفينة نجاتها الحسين وأخيه العباس ابني علي وفاطمة الزهراء عليهم صلوات ربي وسلامه أثناء مراسم الزيارة ومن الرهبة التي لا توصف سمعت أمي تحاكي ضريح الإمام العباس وتقول ياسيدي ياعباس يا أبو الراس الحار أبلغك سلام فلان وفلانة ويسألونك حاجاتهم كذا وكذا وأشكو إليك صداع رأسي المزمن واطلب بركاتك وهي تهز الشباك الشريف ودموعها بحر،وهنا أخذت دموعي طريقها لتفهمني معنى الرهبة في حضرة أبناء رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام وهنا الرهبة ليست شيء من الخوف وإنما سيكنة تحرك حواس الإنسان وكأنها تريد أن تنطق من حلاوة السكوت والانغماس في الذات الإنسانية الخاشعة في هذا الموقف الروحاني الذي لايمكن وصفه.عند مقام سيدنا الحسين عليه السلام تغير الحال حيث تأتي العبرات تلقائيا للماشي باتجاه المقام الشريف والجالس والمصلي أقول مضلومية سيدنا الحسين عليه السلام تتحول عند زائريه إلى رهبانية تمتزج فيها مأساة لن ولن يكون مثيل لها في التاريخ مع مرارة الحدث وتجرأ الظالم لينال من ابن بنت رسول الله فاطمة الزهراء سيدة النساء في الدنيا والآخرة.
في المساء ونحن في صحن سيدنا الحسين سألت أمي أسئلة كثيرة تبدأ  لماذا ! والجواب ؟ في الليل التحفت
بـ (ملفع ) الوالدة وفتحت عيني في صباح مهيب لا يوصف تحاكيه طيور المقام الشريف الآمنة النظيفة وكأنها تحمل أرواح محبي آل البيت الأطهار صلوات ربي وتسليمه عليهم.
المقارنة بين الأمس واليوم من الخصوصية الروحانية لزيارة الأئمة الأطهار في الماضي دعاء الناس لخصوصياتهم وحوائجهم ورسائل الناس بالسلام إلى العترة الطاهرة واليوم يضاف إليها هموم الأوطان ومناجاة الزائرين لحفظ الإسلام والمسلمين .
هناك حاجة في نفسي أقولها إلا يلاحظ السادة القائمين على هذه الأماكن المقدسة أن نجعلها دائرة مفتوحة الفضاء بقطر 2-4 كم يراها القادم من بعيد تحاكي السماء وتستوعب ملايين المحبين بهذا المحيط المفتوح فأينما يجلس أو يسير الزائر يتوجه إلى الأئمة الأطهار.
اللهم صلي على محمد وآل محمد كما  صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد.