23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

إلى غالب الشابندر

إلى غالب الشابندر

شاهدتكََ، يا سيدي الكريم، على الشاشة التلفزيونية يوم 27 – 6 – 2015 في حفلٍ عمومي اقامته نقابة الصحفيين العراقيين بمناسبة العيد السادس والأربعين بعد المائة للصحفيين العراقيين. كنتَ نجماً لامعاً وانت تتسلم قلادة من يد رئيس الوزراء حيدر العبادي تعبيراً عن اعتراف الدولة باستشهاد ولدك عمار في يومٍ ما قبل حوالي الشهرين. لا ادري ما هو نوع الشهادة التي تسلمتموها مع القلادة ولا ألوان شُهبها المدونة فيها.  لا ادري مقدار الحكمة، التي تعبر عنها تلك الحروف، في زمان ليس فيه غير كلام غضبٍ جارفٍ  على محيط عدواني احتلته عصابات الدولة الاسلامية (داعش) واعتدت فيه على كل انواع وألوان العقل والفضيلة والقانون والنعم. المهم يا سيدي غالب الشابندر اسمحوا لي أن احييك بهذه المناسبة متمنياً لكم ولنا ولجميع الصحفيين العراقيين نهاية الأحزان وان يكون هذا الشكل الاحتفالي ليس فصلاً من فصول الاحتفالات الشكلية الدعائية ، بل ينبغي ان يكون قائماً على اساس مساهمة الصحفي العراقي بسعادته العميقة باحتفاليات حرية التعبير الحقيقية وجعل الصحافة العراقية معزوفة علانية  لموسيقى الديمقراطية المستقبلية الحقيقية في بلادنا كلها على سطح من الحرية اللازوردية.

لاحظتك، أيها الأب المفجوع بولده، أنك توجعت أكثر حين قدّم لك نقيب الصحفيين  مظروفاً طويلاً مع القلادة.  لا أعرف ما بداخله وربما انك لا تعرف أيضاً ، لكني لاحظتك مستفسراً من السيد النقيب عن محتوى المظروف ثم رفضت استلامه بالرغم من ان جميع المكرمين كانوا قد استلموه متمنين أن يكون المظروف هدية مالية حاذقة يمكنها ان تكون بمثابة (العلاج)  للظروف القاسية التي يعاني منها مئات الالاف من عوائل الشهداء، الذين فقدوا اعز ابنائهم على امتداد الحروب والاعمال الارهابية التي جعلت الشهداء  ضحايا الجهل السياسي السائد في مؤسسات دولتنا منذ عام 2003 .

حسناً فعلت يا غالب الشابندر بــ(رفض)  استلام المظروف، الهدية ، فقد كان موقفاً نبيلاً يقف فوق تاريخ الفساد الاخلاقي في هذه اللحظة التاريخية، حيث صار للشهيد العراقي ثمناً يقدر بألف أو ألفين من الدولارات كما فعل الاسلاف من الحكام في عهد صدام حسين ،إذ صار لضحايا حروبه اللعينة قيمة محدودة تقدر بقطعة ارض او سيارة مسيوبيشي..! أحسنت يا غالب الشابندر برفضك أن يكون لعمار الشابندر ثمنا ً في عصرٍ قال  فيه كارل ماركس : (الإنسان أثمن رأسمال) .

كان رفضك استلام المظروف صرخة حقيقية أمام جميع الذين لا يفكرون إلاّ بتقييم الشهداء ببضع آلاف من الدولارات وهم ينسون او يغمضون عيونهم عن نافورة الفساد المالي المجنونة، وهي تهدر ثروة بلادنا واموالها بملايين ومليارات الدولارات ، يستلبها المارقون من الفاسدين في الدولة او الوسطاء المحيطين بها.

رأيتُ وجهك متوجعاً وانت على منصة التكريم، التي كانت سبباً اضافياً جديداً لكشف اشكالية التحضر في مثل هذه الاحتفالات حيث يتوضح فيها شكل ظاهر من اشكال المؤسسات والشخصيات الانتهازية في بلادنا فقد كان نقيب الصحفيين يشعر بمسئولية تكريم المسئول في الدولة بمصاحبته من مكان قعوده على كرسي الحفلة الى منصة الخطابة حين حل موعد القاء كلمة السيد رئيس الوزراء والسيد رئيس مجلس النواب لإشعار الحاضرين والمشاهدين أن ثمة نسبة عالية اضافية من (تكريم) مسئولي الدولة لدى النقيب والنقابة، بينما لم يمنح السيد النقيب هذه النسبة الاضافية لضيوفه من الخطباء الصحفيين القادمين من القاهرة وفلسطين وأوربا لانهم مصنفين بنظرهِ بمرتبةٍ اقل من مرتبةِ العرق الحكومي في مناصب الدولة العليا.

مع الاسف الشديد ان تاريخ العلاقات الانتهازية ما زال قائما في بلادنا المدعوة بالديمقراطية ،فقد ظهر تماما ان حبكتها متقنة لاختراق زمان الصحفيين الشهداء واحتفالاتهم التكريمية باستشهادهم وتوظيفها سلبياً لصالح التبعية للسلطة الحاكمة ، بينما دورها المفترض أن يكون توظيفها ايجابياً لصالح تخليد الشهداء تخليدا حقيقيا بتسمية شوارع وساحات عامة وقاعات ثقافية وجسور وغيرها بأسماء الشهداء لإدخال أسماء الصحفيين الى نظام الذاكرة الانسانية الفريدة بدلاً من ادخالها الى مظروف صغير لا يحب الكثير من الناس رؤيته لأنه مظروف لا يحمل الكرامة . أن للشهيد حق له ولعائلته على الدولة لكن حقه لا يوضع في مظروف صغير يضم مبلغاً حقير..!

احييك سيدي غالب الشابندر فقد برهنتَ أن (الرفض)  حضارة وكرامة .  موقفك كان دلالة رمزية على رفض دولارات صاحب السلطة لأن أرواح الشهداء لا تقدر بثمن ومن يعتقد ذلك من الحكام أو اتباعهم فهم ليسوا سوى زعماء  سذج..

تقبــّل تحياتي منحنياً امام موقفك الكريم..