19 ديسمبر، 2024 4:03 ص

إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي.. قوانين جائرة.. مسقط الرأس نموذجا!

إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي.. قوانين جائرة.. مسقط الرأس نموذجا!

ما هي أهم وسائل وأدوات ظلم السلطة لمواطنيها؟
بلا شك أن هناك وسائل متعددة يتجلى من خلالها ظلم واضطهاد السلطات ودكتاتوريتها ضد عموم أفراد الشعب، ولكن تبقى أهم تلك الوسائل هي القوانين التعسفية، في أية سلطة دكتاتورية نجد أن القانون هو الصولجان الذي يحمله الحاكم ونظامه، لا توجد سلطة غاشمة بلا قوانين غاشمة وظالمة، و الجميع لا ريب قد عايش ذلك في زمن النظام السابق، وحتى في حال كان القانون ظاهرا يبدو قانونا عادلا ديمقراطيا يوفر حقا أو جملة من الحقوق للشعب إلا أن قيدا مثل ( أن ينسجم ذلك مع متبنيات الثورة و خطها التقدمي) كفيل بسلبه أي محتوى للعدالة، وهذا ما كان يزخر به على سبيل المثال دستور حزب البعث. كما يمكن أن يكون تطبيق القوانين من السوء بحيث تصبح على الضد من مصلحة الشعب، فالقوانين لا تنفذ من تلقاء نفسها بل عبر أدوات ومؤسسات تقوم بتطبيقها وتنفيذها، ولكن نتساءل اليوم هل تغيرت تلك القوانين وهل حل محلها ما هو أكثر اتساقا مع مبدأ العدالة؟ واقع الأمر أن مئات القوانين ما تزال سارية المفعول من ذلك العهد. و تحتكم إليها أغلب مؤسسات الدولة العراقية اليوم. كما أن الكثير من مواد الدستور العراقي الدائم لا تزال حبرا على ورق، فقد وفرت العدالة في صياغتها ومحتواها ولكنها لم توفر ذلك على الواقع لعدم تطبيقها أو لسوء تنفيذها ولأسباب وأغراض شتى.

***

إن الكثير من القوانين التي أصدرها النظام البائد بلا شك كانت مجحفة و لم تكن لتراعي مصالح فئات عديدة من العراقيين، والكثير منها ميز بين أفراد الشعب على أسس غير منطقية، وكان ابرز ملامح ذلك العهد المظلم أن السلطة تتعامل مع القوانين التي تصدرها كواحدة من وسائل التمييز والاضطهاد للحقوق، ولاسيما حين يتم تقسيم شرائح المجتمع إلى فئات ويتم التعامل مع كل فئة بقانون مختلف، وأبشع ما في ذلك السلوك السلطوي القرقوشي هو إصدار قانون ما ثم إلغاؤه ليشمل البعض دون الآخر، من دون وجود فارق حقيقي أو مصلحة تبرر ذلك سوى مشتهيات السلطة.

إن من أشد ملامح الظلم التي يمكن لسلطة ما أن ترتكبها هو أن تتعامل مع فئة أو شريحة محددة بعينها طبقا لقرارات تنفيذية مختلفة دون أن يلحظ في البين أي اختلاف في الشروط والحيثيات! هذا الملمح تجسد مؤخرا مع شريحة الصحفيين في محافظة ذي قار، أو بالأخرى جزء من هذه الشريحة، التي تم تقسيمها إلى قسمين وتم التعامل مع كل قسم على ضوء قرار تنفيذي مختلف، مع أنهما يشتركان في ذات الشروط والمتطلبات وظروف العمل المنصوص عليها قانونيا من قبل رئاسة الوزراء في فترة سابقة، وبناء على ذلك شُمل القسم الأول من الصحفيين كما عوائل الشهداء و الرياضيين وبعض الشخصيات الرائدة بقطع الأراضي استثناء مع شرط مسقط الرأس، ليبقى بحدود (100) صحفي أكملوا معاملاتهم قبل أكثر من ثلاثة أعوام ليزف لهم الخبر (السعيد) مؤخرا وقبيل عيد الأضحى مباشرة وكأنه هدية جزيلة بأنهم غير مشمولين بالقرار السابق حيث تم إلغاء استثنائهم من مسقط الرأس!

ولكي تكتمل المفارقة فلسنا نتردد في القول إن العديد من الذين شملوا بتوزيع قطع الأراضي قبل بضعة سنوات كانوا من الطارئين و فضائيي الصحافة والإعلام فيما بقي الكثير من الإعلاميين المهنيين وأصحاب الخبرة في عملهم بعيدين عن استيفاء ما هو حق لهم. ولسنا نفهم سر هذا الاستهتار الذي مورس ضدهم ومن أعلى المستويات مؤخرا، اللهم إلا استضعافا لقلة عددهم بعد أن تم توزيع آلاف القطع على الآخرين في كل المحافظات العراقية، وهذا من أفدح مظاهر الظلم والتعسف بلا ريب. وينبئ بطبيعة العقلية التي تدير البلاد.

***

هذا التمييز والإجحاف يعد بشكل واضح منافيا للدستور، وفي أكثر من مادة، ومنها:

المادة ( 14): العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز.

في حين أن شريحة من المواطنين قسّمت إلى قسمين و تم التمييز بينهما بصورة فضة و مخجلة وبإصرار غريب من قبل المسؤولين ذوي العلاقة.

المادة( 16): تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.

في حين تفاوتت الفرص بين أفراد شريحة واحدة تشترك في كل الشروط والمتطلبات، فمن كان الأسبق في التقديم حصل على الاستثناء بينما حُرِم من ذلك المتأخرون الذين أنجزوا معاملاتهم بعد أشهر قليلة. وينعكس هذا التفاوت في عدد المستحقين أيضا من الفئتين التي أعطيت قطع الأراضي والتي حُرِمت منها، ففي الأولى تصل الأعداد إلى بضعة آلاف في عموم المحافظات بينما المحرومون هم (100) إعلامي وحسب في محافظة ذي قار وربما عدد مشابه في محافظة النجف. ولنا أن نذكّر بـ (20 ) ألف قطعة أرض سكنية وزعت في فترات سابقة على المسؤولين والوزراء والضباط في بغداد وبعض المحافظات خارج السياقات القانونية!! ولم تحرك إصلاحات السيد حيدر العبادي ساكنا في هذه القضية، بيد أنه سارع لمنع مائة أسرة في ذي قار من حلم عاشوه لثلاثة أعوام ونصف!

المادة (19): ليس للقوانين أثر رجعي.

بما أن معاملات الأخوة الصحفيين من الوجبة الثانية في محافظتي ذي قار  كانوا قد أنجزوها قبل أكثر من ثلاثة أعوام و تم تخصيص مكان توزيع قطع الأراضي واطلق عليه حي الاعلام 2 ولم يعرقل ذلك سوى الإجراءات البيروقراطية وتلكؤ دائرة البلدية، وكل ذلك قبل تعديل رئيس الوزراء للقانون رقم (90) في شهر أبريل نيسان الماضي لهذا فإن المسألة تبدوا كما هو واضح تطبيقا بأثر رجعي عليهم خلافا لنص الدستور العراقي وخلافا لأبسط مبادئ العدالة!!

***

شرط مسقط الرأس من الشروط التي وضعتها القوانين السابقة في عهد النظام البائد، وكانت تهدف لمنع الهجرة من الأرياف إلى مراكز المدن، كما أن لها أهدافا تتعلق بسياسة النظام نفسه تجاه مواطنيه، وقد عادت وزارة البلديات للعمل بهذا القانون رغم أن الاستثناء منه لا يشمل سوى أعداد محدودة من بينهم مائة صحفي كما أشرنا، فطبقا لكتاب رسمي من وزارة البلديات موجه لرئاسة الوزراء تم إلغاء الفقرة (هـ) من البند (8) المعني بضوابط توزيع قطع أراضي الصحفيين لعام 2013. وقصرها على مسقط الرأس فقط بالنسبة للصحفيين (المائة صحفي فقط الذين يبدو أنهم جاءوا من موزنبيق وليسوا مواطنين عراقيين!!). وقد سارع رئيس الوزراء للموافقة، بكتابه ذي العدد 6184 بتاريخ 2642015، وإلغاء قرار تنفيذي سابق بتخصيص قطع الأراضي السكنية في المناطق التي تسكن فيها الشرائح المشمولة ومنهم الصحفيون. وعلى هامش هذه المسألة القانونية نؤكد أن حكومة المحافظة لها صلاحيات نقض هذا القرار، بموجب الدستور و بموجب قانون المحافظات المعدل رقم (21) لعام  2008.. فالأولوية لما يصدره مجلس المحافظة في مثل هذه القضايا وليس للحكومة الاتحادية، ولهذا فكل ما يدعي به أركان الحكومة المحلية قانونيا ليس بصحيح في رأينا، ويعد تهربا من تحمل مسؤولياتهم، أو محاولة ترسيخ عرف غير قانوني يؤكد صلاحيات المركز من باب الهيام بالمركزية وتحبيذها الشديد!

نعود إلى وزارة البلديات، فحجة الوزارة كما علمنا أنها لأجل عدم اختلال التوازن بين مراكز المدن التي تجذب بطبيعتها والأقضية والنواحي التي لا تشجع على البناء والسكن.

لكن هذه النظرة تبدو قاصرة وغير واقعية، وللأسباب التالية:

أولا إن توزيع قطع الأراضي في مراكز المدن تصطحب احتمالية أعلى ببنائها وتحويلها من عرصة إلى دار، ما يوفر فرص عمل وسط حالة الركود السائدة الآن. فيما لا فرصة تذكر لأية عمليات بناء سكني في الأقضية والنواحي البعيدة

ثانيا إن مناطق الأقضية والنواحي في محافظة ذي قار على وجه التحديد قد استنفدت تماما إمكانية فرز قطع داخل حدودها البلدية الداخلية، ولا تتوفر سوى مناطق نائية بعيدة عن المناطق المأهولة ما يعني أن توزيعها وعدمه لا تعني شيئا بالنسبة لأصحابها المفترضين.

ثالثا تحتج الوزارة بأن تخصيص قطع الأراضي داخل المدن سيؤدي إلى عدم السيطرة، و لا نعرف ماذا كانت تقصد الوزارة في عهد وزيرها السابق من عدم السيطرة؟ طالما كان التخصيص لشرائح محددة وفق القانون؟! وهنا نتحدث عن مائة صحفي فقط يقتضي العدل والإنصاف معاملتهم بآلاف الصحفيين من زملائهم الذين شملوا بقانون الاستثناء سابقا، وإذا ما كان المقصود الضمني هو عمليات الفساد المتفشي في كل أروقة المؤسسات الحكومية فكان يجب أن يعلم الوزير المعني أن الشبهات تدور حول دوائر تابعة لوزارته تحديدا، وليس للشرائح المشمولة من المواطنين أية إمكانية لحصول فساد متوقع، اللهم إلا في المجيء بإثباتات مزورة لكي يُحتسب هذا أو ذاك على هذه الفئة أو تلك من الفئات المشمولة، ولكن هذا الأمر سيتحقق حتى في حالة اعتبار شرط مسقط الرأس، فما الذي عالجه إلغاء الاستثناء في هذه الحال؟؟

رابعا إن أغلب المدن العراقية تستند إلى تصاميم قديمة لا تناسب التطورات العمرانية وأنماطها المتبعة في العالم اليوم، وبالنسبة لمحافظة ذي قار فقد جرى توسيع تصميمها الأساس و هذا ما صرّح به محافظها، وبالتالي فإن حجة الوزارة كما قال المحافظ نفسه في هذا الجانب باطلة وغير ذات معنى.

على أية حال تعد حادثة حرمان عدد قليل من صحفي محافظة ذي قار من مساواتهم بزملائهم وشمولهم باستحقاق الاستثناء من قانون جائر ولم يعد له مسوغ كقانون مسقط الرأس، أمرا يعكس لا عدالة الحكومة، وعلى السيد العبادي الذي تم رفع كتاب إليه قبل أيام من قبل وزير البلديات والإسكان- الأستاذ طارق الخيكاني الذي اعتذر متأسفا لهذا الأمر غير المنصف- أن يتخذ قرارا عادلا و يتجنب الوقوع في فخ العزة بالإثم، وأن لا يفرغ دعوى إصلاحاته برؤوس 100 عائلة ذي قارية دون أي مسوغ أو مبرر للعدالة والإنصاف، وليصدر قرارات أكثر عدالة وشجاعة تتعلق بآلاف قطع الأراضي والعقارات السكنية التي استولت عليها جهات حزبية وسياسية ومن حزبه تحديدا، وأن لا يكون سبعا ضاريا على المساكين في حين ينقلب حملا وديعا إزاء حيتان الفساد..!

أحدث المقالات

أحدث المقالات