23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

إلى المقربين المؤيدين للبرلمان و الحكومة!

إلى المقربين المؤيدين للبرلمان و الحكومة!

يعزّ عليّ في كلّ مرّة أن أذكر أسماء الأخوة و الأصدقاء الذين أحياناً يجحفون بحقنا و لا ينصفوننا فيما نكتب أو يعتقدون بخلاف ما نُنّظر و نقدّم لهم بإخلاص و حب و تواضع و على طبق من ذهب ما أفاء علينا الله و رسوله و الصالحين من خير و فكر و حكمة, خصوصا بشأن مصير و مستقبل العراق و العراقيين الذي صار خبزنا اليومي منذ أكثر من نصف قرن تحمّلنا خلالها الغربة و الضيم و كل صنوف الأذى .. و كأنّ سنين الغربة ليس فقط لم تؤثر في إبعادنا و فصلنا عنهم؛ بل كانت تُقرّبنا منهم اكثر فأكثر رغم كلّ ما لاقيناه و نلاقيه حتى الآن, و ذنبنا الوحيد هو أننا لم نتلوّن بلونهم و هواهم و لا بعقائدهم مع جلّ إحترامنا لعموم شعبنا المسكين المهضوم حقّه الذي لا يدري لماذا؛ و كيف؛ و إلى أين يتجه أو يريد, و المصيبة أنهم يدّعون معرفتهم بكلّ شيئ خصوصا الثعابين السّياسية و السّلابيح النتنة في البرلمان و الحكومة و القضاء الفاسدين الذين لم يتقنوا طوال حياتهم السياسية و الدينية سوى الفتن و آلسرقات و آلنهب حتى إنتقدهم أسوء الناس في العالم!
الغرض من هذه المقدمة .. هو أنني قبل سنوات إنتقدتُ خلال عدّة مقالات سياسة الحكومة و بآلخصوص شبكة الأعلام العراقي التي كانت تبث و تنشر ثقافة العشائر و قوانيهم و “محاكمهم” بفخر و أعتزار من خلال برامج يومية و إسبوعية, و كأنها كانت تُمهّد لعودة تلك القوانين الجاهلية و الأساليب العشائرية التي حكمت حياة الناس و بإجحاف و ظلم مبين بحيث وصل الحال لأن يتعدى الأخ على أخيه و الأب على أبنه و الأخت على والدته و الجار على جاره, بمرآى بل و بتأييد الحكومة!
كما آلَمَني هبوط و إنحطاط مستوى الشعب الفكري و الفلسفي و التعليمي عموماً خصوصا طبقة الأكاديميين و مراجعهم العلمية و الدينية, و كأنها كانت تسير بإتجاه واحد مع تنمّر و إرهاب العشائر و  العادات الجاهلية في أوساطهم بعد سقوط الصّنم الجاهلي الكبير صدام!
لكن مع كل هذا, لاحظت و للأسف الشديد أن بعض الأخوة المقرّبين ألذين طالما سمعوا و قرؤا قصصنا و فكرنا و مقالاتنا و نظرياتنا الفكرية في مختلف الشؤون؛ قد إعترضوا و إنبروا بقوّة معترضين على إنتقادنا لتلك الظواهر الجاهلية التي كتبناها وقتها .. مُبرّرين كلّ تلك الأساليب الأرهابيّة العشائرية التي إختلطت بآلسياسة و الدّين القشري الذي آمنوا به .. بكونها عادية و نتيجة طبيعيّة لضعف الحكومة و إنفلات الوضع الأمني و شيوع الأرهاب, و أنّ أعضاء الحكومة و البرلمان لا يُؤيدون ذلك, بل سيقضون على تلك الظواهر بمجرد إنتهاء داعش و أخواتها!
إلاّ أنّ الذي حدث هو ما توقعناه نحن و بكل تفصيل و بآلضبط و بعكس ما توقعه بعض الأخوة و المقرّبين من آلبرلمانيين و الحكوميين و آلقضاة .. و كما قلت لهم وقتها بأنّ ثقافة العراق و الأحزاب الدينية و القومية و العشائرية و السّياسيين الحاكمين منهم خصوصا تُؤشر كلّها بأنّهم آخذين بيد العراق و العراقيين لأعماق الجهل و آلجحيم لأسباب بيّناها مراراً و تكراراً و بوضوح, و هذا ما حدث آلآن و على كلّ صعيد للأسف الشديد, و يبدو أنهم بحاجة إلى خمسة قرون ليفهموا ما كتبنا لهم قبل عقد أو يزيد!
و إذا كانوا قد برّروا فشلهم و فسادهم بوجود (داعش) و أخواتها و حواضنها و المعارضة الكردية و البعثية و السُّنية الوهابيّة؛ فما بال المدن و المحافضات الوسطى و  الجنوبية التي يعيش فيها شعب يؤمنون بإتجاه و بمذهب و عقيدة واحدة هي الشيعة الأثنا عشرية, و بمرجعية تقليدية واحدة لا شريك لها!؟
هكذا و للأسف الشديد؛ و بعد يقيني من فساد قلوب المُتصدين و البرلمانيين و الحكوميين و من معهم من الأذيال الأنتهازية التي إمتلأت بطونها بآلمال الحرام؛ فأنّ نور الحقيقة و فكرنا الأصيل الكونيّ سوف لا و لن تصل العراقيين وتحتاج إلى عقود و قرون متوالية .. و سينتشر بدل ذلك الفقر و الفساد و الأرهاب القانوني بشكل غريب و رهيب في حال رضا الشعب و توافق الفقراء و المعدومين مع هذه السياسة و تلك القوانين الظالمة.
من كان يعتقد بأنّ عراق ما بعد نظام صدّام المجرم , سينحدر إلى هذا المستوى من الدرك و الفساد و الظلم!؟
لم يكن أحداً يتصوّر أنّ عراق الحضارات و المرجعية بجانب تأريخ هذا البلد العريق الذي شرّع فيه أوّل قانون للبشرية رغم مساوئه و إيجابياته؛ أن يتراجع فيه القضاء و المنطق و العدل إلى هذا الحدّ و يعلو فيه العرف العشائري الجاهلي ليكون فوق القانون و بتأييد من الحكومة و القضاء نفسيهما!؟
فهل أبقى المنادون بقانون (مجلس قبائل و عشائر العراق) هيبة للدولة و القانون و حتى الشعب, و كما يتساءل معظم الكُتّاب و المثقفين المخلصين رغم ندرتهم في العراق؟
ثمّ كيف إنّ الحكومة و بدل من أن ترسخ و تُمَهّد لثقافة السلام و المودة و العدالة و القانون؛ قد مهدت لمثل ذلك القانون الجّاهلي, و هي التي تدعي إنتمائها لحزب طالما قدم الشهداء و المجاهدين قرابين للحقّ!؟
هل هناك تفسير سوى كسب أصوات العشائر للبقاء و الأستمرار بآلنّهب و المحاصصة و تبذير ما تبقى من خيرات العراق المنهوبة؟
ثمّ كيف يمكن بعد هذا أن  تحمي الدولة حقوق المواطنين و سلامتهم و أمنهم و وحدتهم و هي تشرعن لهم أساليب التفرقة و الثأر و القتل و السّبي و الهجوم على الجار؟
و كيف يمكن و العالم كله يعيش في الألفية الثالثة أن تحلّ الأحكام الجاهلية و آلقيّم و الأعراف المتخلفة  بديلا عن القانون رغم كل مساؤئه و ثغراته و إشكالاته التي بيّناها سابقاً!؟
كيف يمكن بعد هذا أن  يحفظ سيادة البلد و حقوق المواطنين فيه بلا سيادة أو سطوة أحد على أحد؟
و هل أنّ التطورات الاجتماعية و الأحداث التي مرّ بها المجتمع العراقي خلال الحقب المخلتفة هي التي أفرزت و حتمت على الفاسدين تشريع مثل هذا القانون بدل دولة المؤسسات و القانون؟
و أخيراً ؛ هل تعني عبارة (أن تنهض الدولة بالقبائل و العشائر العراقية) التي وردت في المادة 45 من الدستور العراقي, هي شرعنة و إقرار الأعراف العشائرية و الثقافة البالية كبديل لا مناص منه عن قانون الدولة؟
أ لم يكن من الأوجب النهوض بواقع العشائر العراقية التعليمي و الصحي و الخدمي و الثقافي بدل ترسيخ الجهل و الأمية والظلم في أوسىاطهم و كأن الحكومة و البرلمان و القضاء يريدون إشغال الناس بمشاكل من هذا القبيل فيما بينهم ليخلوا لهم الجو ليفعلوا ما يشاؤون و كما فعلوا لحد الآن؟
والله .. حتى النظام السعودي الوهابي المجرم الذي يعتبر أسوء و أظلم دولة إرهابية في العالم لم تشرعن مثل هذه القوانين؟
أ لم يكن الأولى بمجلس النوّاب العراقي تشريع قانون مجلس الاتحاد الذي نصّ عليه الدستور و الذي يضم ممثلين عن الأقاليم و المحافظات غير المنتظمة بإقليم بدل ترسيخ الجهل و الظلم من خلال قانون العشائر؟
وإذا كانت حماية وحدة العراق وسيادته وثوابته الوطنية من مهام العشائر , فما هو دور الدولة و مؤسساتها المدنية و العسكرية؟
وإذا كانت سلطات الاحتلال البريطاني قد ألغت قبل قرن كامل القوانين العشائرية و أبدلتها بنظام الدولة الحديثة التي تأسست عام1921م؛ فليس من المعقول بعد قرن كامل يشرّع قانون مجلس قبائل وعشائر العراق من جديد!؟
و إذا كانت هنالك ظروف ساعدت على تنامي دور العشيرة بعد 2003 بسبب انهيار الدولة و ضعف الأجهزة الأمنية, فمن المفترض أن تسعى الدولة و المؤسسة التشريعية إلى دعم بناء مؤسسات الدولة المدنية و تقوية القضاء العراقي بما يمّكنه من بسط القانون على الجميع بدل الأرهاب!
إنّ مشروع قانون مجلس قبائل وعشائر المعروض على مجلس النوّاب العراقي بجميع مواده الخمسة عشر, عار أبدي سيلاحق المؤسسة التشريعية و التنفيذية و القضائية , و سيعود بالعراق إلى وضع القرون الوسطى حين كانت الأعراف العشائرية و آللاإنسانية الدينية هما القانون الذي يحكم و ينّظم حياة المجتمع!
فلا وألف لا لدولة العشائر بديلا عن دولة المؤسسات و القانون رغم أجحافاته الكثيرة  و اللاعادلة.
و ما هذه القوانين أو غيرها من القوانين الظالمة التي شرعها مجلس النواب و الحكومة؛ إلا عودة واضحة إلى مجتمع التخلف و البداوة؟
و لا أعتقد بأنّ  هذه اللعبة ستنطلي على الثّلة القليلة من المثقفين و أنصاف المثقفين المظلومين و من معهم من التيار الأنسانيّ المهضوم حقّه في عراق اليوم, و يبقى عتبي الأكبر على تلك المرجعية التقليدية التي لم تنتقد و لا حتى بإشارة صغيرة تلك القوانين الجاهلية العشائرية, و لاحول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.