أولاً، نحن الكورد شاكرون وممتنون للدكتور (يوسف زيدان) شكراً لا حد له على تعاطفه الصادق مع الشعب الكوردي الجريح في محاضراته وكتاباته، أن هذا الموقف البطولي وهذه الشهامة النادرة لا نجده عند الشارع العربي، أو حتى عند النخبة العربية في أقسى الظروف التي مر بها الشعب الكوردي المسالم.
دعونا الآن نذهب إلى موضوع الذي أثاره الدكتور يوسف بشكل سلبي عن حياة صلاح الدين الأيوبي.
عزيزي الدكتور يوسف، إن المواطن الكوردستاني في عموم كوردستان ليس كالآخرين؟، لا يهوى الصيد في الماء العكر، لا يبحث عن كلمة ما سقطت من المتحدث سهواً،أو وقع خطأ مطبعي في إحدى كتبه أو مقالاته. لكن للأسف هناك من القراء والمتابعين يتجاوز كل كتابات المفكر المصري الغنية والمثمرة في موضوعاتها، التي تجاوزت عشرات الآلاف من الصفحات، ويلح بطريقة مشمئزة لعدم تلفظ المفكر الكبير لفتحة أو ضمة أو كسرة أو عدم وضع فاصلة أو نقطة في غير موضعها، أو لا يلتزم بقاعدة الأسماء الخمسة ككتابة الواو في حالة الرفع والألف في النصب والياء في الجر الخ. عجبي، إلا يعرف هذا المُلح.. أن أستاذ الفلسفة الإسلامية والمخطوطات له إسهامات كثيرة وكبيرة في حقول عديدة؟ وأنه متمكن من ناصية اللغة العربية نطقاً وكتابة وهو أهل لها، ومثل هذه الهفوات اللغوية قد حصلت وتحصل مع الكثير من الأدباء والمفكرين والشعراء الفطاحل كأبي نواس، والمتنبي، وأبو تمام، الخ كل هؤلاء وغيرهم من نوابغ العرب وقعوا في مطبات الخطأ اللغوي. إذا لا تخونني الذاكرة،هناك حديثاً للإمام الشافعي يقول فيه: لا يجيد العربية إلا نبي. بالمناسبة. أنا من الذين لا أهتم كثيراً في كتاباتي ببعض الأخطاء الطفيفة، كالتي ذكرتها أعلاه عمداً أو بسبب عدم إجادتي التامة لقواعد اللغة العربية، لكن المهم عندي أن يكون الموضوع مفهوماً عند المتلقي بكل تفاصيله ودقائقه. لقد كررت عدت مرارات في كتاباتي السابقة قولاً حكيماً لأحد علماء الكورد: إن وجدت شيء خلاف الأدب (اللغة) فهذا عربي والطبع كوردي.
عزيزي الدكتور يوسف، إن البيت القصيد في موضوعنا لهذا اليوم ليس اللغة، بل هو (يوسف بن أيوب بن شادي) ذلك الكوردي الملقب عربياً بـ(صلاح الدين) الشخص الذي تشترك معه في نفس الاسم (يوسف). لكنك يا دكتور ألصقت به في لقاء تلفزيوني مع الصحفي والمحاور (عمرو أديب) أوصافاً عدة أقل ما يقال عنها، إنها تقشعر الأبدان، لا يمكن أن تمر دون توضيح، ثم ما زاد الطين بِلة ما قلته حضرتك في محاضرتك في معرض أربيل الدولي للكتاب: إن صلاح الدين ليس كوردياً؟؟!!. وبهذا القول الجارح أنكرت عليه كورديته الذي لم يقله 99،9% من المفكرين والمؤرخين والشعراء والمختصين في العالم.
كي لا نطيل في السرد، دعنا نعرف بالشخص الذي عاشر (صلاح الدين) في الشام، وماذا قال عنه بكل صدق وأمانة، وهو قاضي قضاة الشام (محيي الدين محمد بن علي) المعروف بـ(ابن الزكي) أنه من عائلة قضاة هو وآبائه، قالوا عن ابن الزكي: إنه من بيت كبير، صاحب فنون وذكاء، وفقه وآداب وخطب ونظم. وهو أول من قرأ خطبة الجمعة في المسجد الأقصى بعد فتح القدس على يد (صلاح الدين الأيوبي). دعونا نقلب الصفحات حتى نعلم علم اليقين كيف أن القاضي (ابن الزكي) رجل ثقة. إن (ابن الزكي) هذا يتصل نسبه بالخليفة الثالث (عثمان بن عفان) هذا ما ذكره (السبكي). وأشاد العديد من الشعراء بنسبه وبأدبه وبيانه، ومعرفته بالعلوم الشرعية، منهم الشاعر (فتيان الشاغوري) الذي قال عنه شعراً:
من دوحة قرشية أموية في سرة البطحاء ذات عراس.
تأكيداً على أمويته ونزاهته ومناصرته للحق ووقوفه في وجه الباطل ننقل عنه شيئاً من الشعر حتى يعرف القارئ الكريم كم كان (ابن الزكي) ذات خصال إنسانية كريمة. يقول حول خلافة (علي ابن أبي طالب) وغدر بني أمية به:
أدين بما دان الوصي ولا أرى سواه وإن كانت أمية محتدي ولو شهدت صفين خيلي لا عذرت وشاء بني حرب هنالك مشهدي لكنت آسن البيض عنهم تراضيا وأمنعهم نيل الخلافة باليدي.
يقول لو كنت موجود في ذلك الزمن لواجهت بني قومي بالسيف دفاعاً عن حق (علي ابن أبي طالب) في الخلافة. إن شخصاً بهذه الصفات الإنسانية النبيلة لا أعتقد أنه يكذب أو يدلس في كلامه أو في أشعاره. عزيزي الدكتور (يوسف زيدان) أن (ابن الزكي) هذا بعد أن فتح السلطان (صلاح الدين) حلب عام (579هـ) كتب قصيدة يمجد فيها (صلاح الدين) وجيشه الكوردي، يقول في مطلعها:
الحمدُ لله ذَلَّتْ دَوْلَةُ الصَّلبي وَعَزَّ بِالكُرْدِ دينُ المصطفى العربي.
لقد كتبت كل الحركات حتى لا يشك أحد بكلمة في البيت الشعري الذي استشهدت به. وبعد هذا البيت قال (ابن الزكي):
وَفَتحكم حَلَباً بِالسَّيفِ في صَفَر مُبَشّرٌ بِفتوحِ القدسِ في رجب.
يا ترى لو نقارن بين إنكارك لكوردية (صلاح الدين) وما قاله (ابن الزكي) ماذا سنقول..؟. هذا الذي رافق (صلاح الدين) حتى إلى القدس وهو الذي ألقى أول خطبة فيها بعد فتحه من قبل (صلاح الدين) يقول: إن هذا الكوردي عز دين محمد. كما أسلفت، كيف نقارن بين كلاميكما؟ (ابن الزكي) كان معه وأنت تسرد لنا كلاماً بعد أكثر من 800 عام على وفاة (صلاح الدين) ولم تكن معه كما كان (ابن الزكي)؟!. وغير (ابن الزكي)، هذا هو المؤرخ الإسلامي (ابن الأثير الجزري) (1160-1233م) يقول في كتابه الذي ألفه في عهد الدولة الأيوبية بعنوان: (الكامل في التاريخ) ج 9 ص 221: إن أسد الدين (شێركوه) وأخوه نجم الدين أيوب كانا أولاد شادي من دوين في آذربايجان وأصلهم من الأكراد الروادية. هذا أيضاً مؤرخ كبير عاش في ذلك العصر يقول أنهم أكراد (كورد). المشكلة يا دكتور أنكم لا تجيدون اللغة الكوردية حتى يسهل عليكم فهم مضامين الأسماء الكوردية. هناك أشياءً أخرى دونت باللغة الكوردية لا تعرفوا معانيها، كاسم عم (صلاح الدين) الذي هو (شێركو) وهذا اسم كوردي محض ليس له نظير عند الشعوب الأخرى، ويعني أسد الجبال، يا ترى لو لم يكن كورديا لماذا يختار والده لابنه اسماً كوردياً (شێركوه؟). واسم جد (صلاح الدين) (شادي) يعني بالكوردية: فرحان. كان من عادة العرب، إذا لا يعرفوا معنى الاسم الأجنبي يقلبوا داله ذالاً حسب اعتقادهم الديني، يخافوا أن يكون اسماً لصنم ما لذا يغيروا داله إلى ذال حتى لا يقعوا في المحذور الديني، أو حتى يناسب النطق العربي، فلذا قالوا عن شادي، شاذي، وقالوا عن بغداد عاصمة العراق بغداذ، وقالوا عن قباد، قباذ الخ. ومن الأسماء الكوردية في عائلة (صلاح الدين) اسم (توران) أنه اسم إيراني، كوردي، فارسي يطلق على البلاد الواقعة شمال شرق إيران، بلاد ما وراء النهر. وأصل الاسم يعود إلى “تور” ابن (فريدون) ملك إيران الذي قسم ملكه بين أبنائه وكانت هذه المنطقة من حصة ابنه الأكبر “تور” فلذا صار اسم المنطقة توران. بما أن الاسم الذي يستنبط من واقع شعب ما سيبقى يتردد على لسان ذلك الشعب الذي يسمي به أبنائه أو منطقة ما في وطنه، فعليه هناك قرية في شمال كوردستان تابعة لحران تحمل اسم “توران” واليوم هناك العديد من فتيات الكورد يحملن هذا الاسم. إن دائرة المعارف الإيرانية تقول: أن التحقيقات العلمية أظهرت أن التورانيين كانوا من السكائيين الآريين. إما ذلك الكوردي الأيوبي (توران شاه ابن أيوب) أخو (صلاح الدين) الأكبر حكم النوبة ثم أرسل في حملة ناجحة إلى اليمن. وحكم سوريا ثلاث سنوات. وتوفي في الإسكندرية. إما (توران) الآخر، هو (توران شاه بن نجم الدين) ثامن سلاطين الدولة الأيوبية في مصر وآخرهم. قاتل الفرنج واسترد دمياط. دبرت اغتياله زوجة أبيه، شجرة الدر. الاسم الكوردي الآخر في عائلة صلاح الدين بهرام شاه ابن أخ صلاح الدين ولاه صلاح الدين بعلبك وكان شاعراً، اغتيل في دمشق، كان شاعراً وله ديوان. إن بهرام كان اسماً لملاك ما في الأديان الإيرانية القديمة. وحمل الاسم قبل بهرام الأيوبي ملك من السلالة الساسانية الكوردية. وكان أيضاً اسماً لبطل إيراني في قديم الزمان. وكان اسماً لأحد السلاطين الأشكانيين في إيران. واسماً لأحد قواد الملك الساساني خسروبرويز الخ. ثم اسم شاهنشاه بن أيوب ابن نجم الدين أيوب أخو صلاح الدين قتل في إحدى المعارك ضد الفرنج. واسمه باللغة الكوردية والفارسية يعني ملك الملوك الخ.
نستسمح القارئ ونخرج قليلاً من الموضوع، لكن بطريقة وأخرى له علاقة بموضوعنا. في محاضرة للدكتور (يوسف زيدان) عن (شهاب الدين السهروردي) “شيخ الإشراق” لم يتحدث بطريقة دقيقة وتفصيلية عن مدينة سهرورد الكوردية. إن المنجد العربي الذي طبع عام (1973) في “دار المشرق- بيروت” ص 369 يقول عن مدينة سهرورد: سُهْرَوَرْد: مدينة في شمال غربي إيران. سكانها الأكراد في القرن 10 خربها المغول بحملاتهم الحربية في القرون الوسطى. انتهى. بلا شك إنها مدينة كوردية تقع في شرق كوردستان، إلا أن سلطات الإيرانية كالعادة استقطعتها من شرق كوردستان وألحقتها بمحافظة قزوين، أن اسم البلدة باللغة الكوردي هو “سورەبەرد= Sureberd” ويعني “الصخرة الحمراء” تم غيره السلطات الإيرانية إلى سهرورد وهذه هي حال غالبية المدن والبلدات والقرى الكوردية. لقد خرج جمع من العلماء من هذه البلدة الكوردية منهم:1- (شهاب الدين أبو الفتوح يحيى سهروردي) (شيخ الإشراق). 2- (شهاب الدين أبو حفص عمر سهروردي). 3- (أحمد خطاط سهروردي) الملقب بـ(شيخ زادة) واحد من ستة أشخاص أبدعوا في الخط، أن بعضاً من نتاجاته موجودة في متحف إيران القديم في طهران وفي بعض المتاحف الأخرى خارج إيران وكوردستان. 4- العلامة (شاه حسين ولي سهروردي) من عائلة شيخ (شهاب الدين سهروردي).5- العلامة شيخ (زين الدين محمد سهروردي كُردي)، من جملة تأليفاته كتاب بعنوان: (تنويع العلوم).
عزيزي القارئ الكريم، لا زلنا نأتي بنصوص عن الانتماء القومي الكوردي لـ(صلاح الدين). لقد قال العلامة العراقي الدكتور (مصطفى جواد) في كتابه “أصول التاريخ والأدب” الذي يقع في 24 مجلداً عن ثلاث شخصيات كوردية قائلاً:” أن من أهم الشخصيات الإسلامية الكوردية الإمام عبد القادر الگيلاني (الجيلاني) المولود في قرية الگيل بين جلولاء وخانقين، وصلاح الدين الأيوبي المولود شمال تكريت، والإمام ابن تيمية المولود شمال سورية”.
في محاضرة تلفزيونية قال الدكتور (يوسف زيدان) أن الإمام (عبد القادر الگيلاني) ولد في منطقة (گیلان) في قرية (بشكير) التي تقع في شمال إيران. لقد بحثت في المصادر الإيرانية – باللغة الفارسية- منها دائرة المعارف الإيرانية لم أجد قرية باسم الذي ذكره الدكتور يوسف. لكني وضعت نصاً أعلاه كتبه الدكتور العلامة (مصطفى جواد) وهو مواطن عراقي وأشهر من نار على علم يقول: أن الشيخ عبد القادر من “گیل= Gil” التي في العراق، الأصح في كوردستان. وتوجد أيضاً في شرق كوردستان (إيران) على الحدود المصطنعة مع العراق، الصحيح بين شرق وجنوب كوردستان، مدينة كوردية اسمها “گیلان غرب” أي: جيلان الغربية، هي عاصمة قبيلة “كلهر= Kelhur” الكوردية، التي أنتمي لها. أضف أن الموسوعة الحرة تقول: إنه ولد في (گیلان – جيلان) في العراق وهي ما أثبتته الدراسات التاريخية الأكاديمية وتعتمده العائلة الكيلانية (الجيلانية) ببغداد. كما جاء في كتاب: جغرافية الباز الأشهب تحقيق مكان ولادة الشيخ عبد القادر الكيلاني. طبع بيروت عام 2012 ص 14 تأليف: د. جمال الدين فالح الكيلاني.
هذا هو الإمام العلامة المصري (محمد الغزالي) (1917-1996م) عالم ومفكر،اشتهر بلقب أديب الدعوة، له عشرات المؤلفات عن الدين والدنيا. يوجد له تسجيل موجود على النيت بعنوان: تاريخنا العربي مزور. يقول الشيخ الغزالي في هذا التسجيل: كنت أفطر على مائدة دبلوماسية في قطر، قلت والله كثر خير الأكراد بعثوا لنا صلاح الدين الذي استطاع أن يحرر فلسطين ويقدمها للعرب وهو كوردي. كان السفير العراقي حاضراً في تلك المأدبة، قال: إيه. قلت: إيه، الذي قلته، صلاح الدين. قال: مش كوردي. صاحب البيت قال لي: ما تعملي مشكلة، خلي كوردي، خلي عربي، خلي من قريش، يا أخي خلينا نأكل ما تعمل لنا… . ثم قال الشيخ الغزالي: لماذا ننكر الحقائق، صلاح الدين كوردي، وجاء باسم الإسلام وحرر فلسطين، التي خان المسلمون العرب قضيتها، لم يقل العرب شيئاً، لم تتكلم بغداد ولا دمشق ولا المدينة يوم دخل الصليبيون بيت المقدس وذبحوا (70,000) ألف مسلم، ولو أن جيشاً من النسوان قاتل الصليبيين لهزموهم، لأنهم كانوا يأكلون الجيف من الجوع. وقال الشيخ في نهاية حديثه: يا أخي ادرس التاريخ، ويضيف: إن التاريخ عندنا علم ثانوي، وقد تدخل فيه الخرافة، ينقصه التحقيق العلمي. انتهى.
في عام (1934م) ألقى الأكاديمي والشاعر المصري (عبد الغني المنشاوي) في دار العلوم في القاهرة قصيدة في مدح السلطان (صلاح الدين الأيوبي) وشعبه الكوردي جاءت فيها:
بيضت بالكورد وجه الكورد فأتلقوا كواكباً في سماء المجد والحسب ردوا الحياة على الإسلام وابتهجوا بالموت محتسبا في أثر محتسب.
عزيزي دكتور يوسف، بما أنك تستشهد كثيراً بالشاعر (محمود درويش) نقدم لك قصيدته المشهورة عن الكورد كتبها في أواسط الستينات من القرن الماضي وكانت بعنوان كوردستان يقول فيها: معكم، معكم قلوب الناس، لو طارت قذائف في الجبل، معكم عيون الناس، إنها قصيدة طويلة لكن نأتي إلى البيت القصيد فيها حين يقول:
هل خرّ مهرك يا صلاح الدين؟ هل هوت البيارق؟ هل صار سيفك.. صار سيفك مارق؟ من أرض كردستان حيث الرعب يسهر والحرائق الخ.
هذا هو (محمود درويش) يشير إلى (صلاح الدين) ككوردي يدعوه إلى خلاص شعبه الكوردي من براثن الاحتلال.
ذات يوم نشرت مجلة (الحوادث) كلاماً عن لسان الموسيقار المصري الشهير (محمد عبد الوهاب) قال: قمت مع (أحمد شوقي) بزيارة إلى سوريا ومررنا بقبر (صلاح الدين الأيوبي) وبدأ (أحمد شوقي) بالبكاء على القبر قلت له: ما بك، لماذا تبكي، يقول عبد الوهاب: قال شوقي: أنا مثل هذا المدفون في الغربة كوردي وأنا أيضاً كوردي.
وهذا شاعر آخر من ذات قومية (محمود درويش) اسمه (معين بسيسو) يقول في إحدى قصائده:
كم أكره من علمني، الدرس الأول في التاريخ..، كردياً كان صلاح الدين وانتصر.. أصبح عربياً ماذا لو هُزم صلاح الدين؟ لأصبح جاسوساً كردياً!.
إن (معين بسيسو) بهذه الكلمات القليلة يدافع عن كوردية (صلاح الدين) ومن ثم بين من خلال كلمات قليلة مؤثرة أن التاريخ العربي جله حكاوي.
هذه أبيات شعرية من قصيدة عصماء قالها العلامة (عثمان بن السند الوائلي النجدي) وهو يمجد فيها وطن (صلاح الدين) كوردستان، الذي أنجب قادة عظام غيروا وجه التاريخ، وأعطى للعالم علماء وأدباء فطاحل أغنوا المكتبة العربية الإسلامية بعلومهم وأدبهم وشعرهم. يقول العلامة في:
أيا منزل الأكراد بوركت منزلاً لنا فيه أقمار المعارف تشرق سعدت فما أصبحت إلا حديقة بها زهر التحقيق مورق لنا فيك أعلام إذا ما ذكرتهم فطرفي دفاق وقلبي محرق مشايخ أضحى للعلوم معادناً بما حرروا قد زان للدهر مفرق مدارسهم بالعلم أضحى نواظرا بطرف إلى أعلى المنازل يرمق.
في عام (2005) قمت بزيارة إلى سوريا، وزرت مرقد خالد الذكر (صلاح الدين الأيوبي) وجدت الصورة التخيلية أعلاه معلقة على جدران مرقده الشريف ومكتوب تحتها: ” قف باحترام، أنت أمام مرقد بطل الإسلام العظيم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب شادي ولد رحمه الله في قلعة تكريت سنة (532) ونسبه يتصل ببطن عظيم من بطون الأكراد الروادية استتب له المُلك والسلطان على مصر والشام نحو عشرين سنة إلى أن توفى بدمشق سنة (589) ودفن في قلعتها ثم نقل إلى هذه البقعة التي تفتخر بضم تجاليده رحمه الله وأجزل ثوابه”. يا دكتور يوسف، هذا النص عن كوردية صلاح الدين موجود على الصورة التي تباع أيضاً في محل قريب من مرقده واشتريت عدداً منها، لو لم يكن (صلاح الدين) كوردياً بحق وحقيقة كيف يقبل نظام عروبي عنصري حتى النخاع بهذا النص عن انتماء (صلاح الدين) للشعب الكوردي؟؟. عن رقة قلب )صلاح الدين) يقول (ابن كثير) في كتابه المعروف (البداية والنهاية ) ج6 ص 13: إنه – صلاح الدين- رقيق القلب سريع الدمعة عند سماع الحديث، وأنه كان كثير التعظيم لشرائع الدين. أعتقد ما قلناه عن انتماء (صلاح الدين) للشعب الكوردي في الصفحات أعلاه يكفي.
إما عن حقارة صلاح الدين كما وصفه الدكتور يوسف لا نخوض في هذه الجزئية كثيراً، لأن المختصين في مصر ردوا عليه وصححوا له المطبات التي وقع فيها. لقد زعم الدكتور يوسف أن صلاح الدين أحرق مكتبة القصر الكبير. لكن تبين هذا غير صحيح، لم يحرق كتاباً، لقد باع تلك الكتب لأصحاب المكتبات،لأنه خاف أن يكون فيها أفكاراً من عقائد الشيعة. ويقال أن صلاح الدين عقد مجلس الفاتحة على روح الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. كيف يقيم لخليفتهم مجلس عزاء إذا عمل فيهم الأهوال كما قال الدكتور يوسف؟. ثم أن تاريخ حياة (صلاح الدين الأيوبي) الحافل بالأمجاد والانتصارات الكبيرة لا يقرأ فقط من زاوية الفاطميين. يا ترى لماذا لم يقل الدكتور يوسف للمتلقي شيء عن المؤامرات.. التي قادها الفاطميون لقتل صلاح الدين؟.أليس من الحق والعدل أن يعاقب الذي يقوم بمؤامرة لقلب نظام الحكم؟.
وفيما يتعلق بحجز الفاطميين كما زعم الدكتور يوسف، وفصل النساء عن الرجال كي يقطع نسلهم. جاء في كتاب: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان. عدد المجلدات 23 عدد الصفحات 11576 تأليف: شمس الدين أبو المظفر، المعروف بـ”سبط ابن الجوزي”: وأفرد أهل العاضد ناحية عن القصر، وأجرى عليهم ]جمع[ ما يحتاجون إليه، وسلمهم إلى قرقوش، فعزل الرجال عن النساء، واحتاط عليهم.
إما الحقيقة عن عدم وجود فاطميون في مصر يعود إلى هجرتهم من مصر. جاء هذا في كتاب (المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار) عبارة عن 4 أجزاء، عن تاريخ مصر، تأليف: تقي الدين أبي العباس أحمد بن علي بن عبد القادر، المعروف بخِطط المقريزي، جاء في ج4 ص 1-4: فتفرق حينئذ عن المستنصر – أنه الخليفة رقم 5 من سلسلة خلفاء الفاطميين- جميع أقربائه، وأولاده من الجوع فمنهم من سار إلى المغرب، ومنهم من سار إلى الشام والعراق. وتقول المصادر: حدث في أيام المستنصر بمصر الغلاء الذي ما عهد بمثله منذ زمان يوسف (ع) ودام سبع سنين حتى أكل الناس بعضهم بعضا حتى قيل: إنه بيع رغيف واحد بخمسين دينارا الخ. هذه هي المصادر تقول لنا بكل وضوح أن الفاطميين هاجروا من الجوع والقحط ليس كما زعم الدكتور بأن عدم وجودهم اليوم في مصر سببه صلاح الدين وذلك كما زعم تفريقه بين الرجال والنساء!!.
إما الآن دعنا نلقي نظرة على ما قام به صلاح الدين وأبنائه وبناته وشقيقاته من بناء وعمران خارج وطنهم كوردستان، وتحديداً في مصر وسوريا. هناك عشرات التكايا والخوانق والقلاع بناها (صلاح الدين الأيوبي) في سوريا وإحداها شامخة إلى اليوم في دمشق، تسمى “خانقاه الصلاحية” نسبة إلى (صلاح الدين الأيوبي) تستقطب الزوار المحليين و السواح الأجانب كمعلم أثري وتاريخي. نود أن نقف قليلاً حول إنجازات التي قدمتها عائلة صلاح الدين في سوريا، أن هدفنا منها هو أن نبرز الوجه الحضاري والدور الريادي لهذه العائلة التي تنتمي للأمة العظيمة التي تسمى الأمة الكوردية، لقد شاركت المرأة الكوردية الأيوبية جنباٌ إلى جنب مع رجالها إبان حكم السلالة الكوردية الأيوبية و مؤسسها (صلاح الدين يوسف بن أيوب)، وعرفت هذه السلالة في التاريخ باسم (الأيوبيون) حكمت بين سنة (1174- 1252م)، أي أن سني حكمهم دامت ثمانية وسبعون سنة، بسطوا حكمهم على بلاد الشام و مصر والحجاز وجنوب كوردستان و(آمد= ديار بكر( واليمن. ولم يتبع هؤلاء الكورد سياسة تكريد العرب كما يستعرب العرب الكورد اليوم وفق منهاج عنصري مقيت؟، ليس لشيء سوى أن الكورد أنا س أمميون، عابرون للقومية، بالمفهوم الإنساني لا يميزوا أنفسهم عن قومية أخرى، فلذا لم يستغلوا الفرصة التي سنحت لهم بتأسيس دولتهم القومية، بهذا المعنى الجليل، كنظراء لهم في الخلق، خدموا الفرس والعرب والأتراك بإخلاص واستصرخوهم عندما استنجدوا بهم في الشدائد، لكن للأسف، أن الأيام أثبتت للشعب الكوردي أنهم لم يكونوا على الصواب بمساعدتهم للذئاب البشرية المشار إليهم أعلاه.
لنعود إلى موضعنا، وهي ما خلفه الحكم الأيوبي الكوردي. دعونا نلقي الآن نظرة على جزء مما خلفه الكورد الأيوبيون في بلاد الشام، لقد طور (صلاح الدين) مدينة دمشق وجعلها مدينة مزدهرة. وبنى فيها مؤسسات علمية وتربوية، وهذه المؤسسات حسب علمي، قسم منها لا زالت تقدم الخدمات للإنسان السوري، نذكر منها: المدرسة الشامية التي بناها (نجم الدين أيوب) والد (صلاح الدين). المدرسة العادلية فيها قسمين الكبرى والصغرى أنشئها الملك العادل. المكتبة الظاهرية. ثم حمام القيمري. إن تشييد حمام في ذلك العصر، قبل ثمانية قرون يعتبر إنجازاً كبيراً ولا ينظر إليه بمعيار قرن الواحد والعشرون. بناء مسجد ومدرسة الأيوبية. مدرسة العزيزية. قلعة (صلاح الدين) الشامخة في دمشق. في مقال للدكتور (قصي الحسين) عن آثار (الأيوبيين) يقول: لقد فاق (صلاح الدين) سلفه في الإنفاق على البناء والتعليم، واشتهر بأنه يعد أعظم مشيد لدور العلم في الإسلام وقد أصبحت دمشق في عصره مدينة المدارس. ولما زارها (ابن جبير) الجغرافي والشاعر والرحالة سنة (1174م) أشار إلى وجود عشرين مدرسة فيها وبيمارستانين أي: مستشفتان (بيمارستان كلمة كوردية تعني مستشفى) كانتا بالمجان ورباطات أو خوانق عديدة وقد أدخل (صلاح الدين) هذه الخوانق إلى مصر فيما بعد، ويضيف الدكتور قصي وإلى (صلاح الدين) يرجع الفضل في إدخال طراز المدرسة من بين معاهد المختلفة إلى بيت المقدس ومصر وفي عهده أيضاً، شاهدت بلاد الحجاز أول معهد من هذا النوع، وفي مقدمة المدارس تلك التي سميت بالصلاحية في القاهرة على اسمه. ولقد وجد (ابن جبير) في الإسكندرية عدة مدارس، ولئن لم تعش من هذه المدارس المصرية أية واحدة، فإن أثرها في فن العمارة واضح، فقد نجم عنها في السنين التالية أبدع العمارات في مصر، ومن أفخمها الجامع المدرسي المعروف بجامع السلطان حسن في القاهرة. و يشتمل تصميمه العام على أربعة إيوانات وكان التدريس يجري في كل إيوان بموجب مذهب من مذاهب السنة الأربعة. وأنشأ الأيوبيون في مصر العديد من المدارس النظامية وسميت تلك المدارس بالمدارس الناصرية نسبة للناصر (صلاح الدين الأيوبي) الكوردي و إحدى أهم آثار (صلاح الدين) في مصر هي القلعة التي تحمل اسمه، وسور القاهرة.
لنلقي نظرة على دور المرأة الكوردية الأيوبية إبان حكم الأيوبيون، بلا شك إن تطور المجتمعات و ازدهارها، يقف على تطور المرأة و دورها في الحياة العامة، فلم تكن من باب الصدفة مطالبة شاعر النيل (حافظ إبراهيم) إعدادها وانعتاقها لكي تعطي شعباً متحضراً:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.
دعنا الآن نلقي نظرة على بعض الإنجازات التي قدمها النساء الأيوبيات و دورهن الحضاري في تلك الحقبة، التي كانت المرأة عند بعض شعوب الشرق الأوسط تٌباع وتشترى في أسواق النخاسة؟. بينما يشاهد في التاريخ الذي دونه المؤرخون من غير الكورد، أن أميرات الكورد كانت لهن دور ريادي وبارز في مجتمعاتهن، من هذه الأميرات الأيوبيات الأميرة (بابا خاتون) بنت (أسد الدين شيركو)- اسم (شيركو) يعني أسد الجبال- (عم صلاح الدين الأيوبي) أنها أنشئت المدرسة العادلية الصغرى في دمشق. ثم تأتي الأميرة (بركة الأيوبية) وافاها المنية عام (1372م) هي بنت (عبد الله بن السلطان أشرف الأيوبي) من أعمالها: إنشاء مدرسة سنة (1369م) بالقرب من قلعة القاهرة ودرس فيها المذاهب الإسلامية الأربعة، وأنشئت فيها مكتبة للأيتام. ثم) خاتون الأيوبية) التي توفت في (1294م) هي أبنت الملك الأشرف (موسى بن الملك العادل) وزوجة الملك المنصور (محمود بن الصالح الأيوبي) من أهم أعمالها: بناء المدرسة الخاتونية بدمشق وبناء دار السعادة. ثم الأميرة (خديجة بنت الملك المعظم بن الملك العادل الأيوبي) أنها أنشئت المدرسة المرشدية بصالحية دمشق بجوار دار الحديث الأشرفية، ودرس فيها كبار علماء الفقه الحنفي. أيضاً لا ننسى السيدة الفاضلة ( ربيعة خاتون) (1166- 1245م) (ربيعة بنت أيوب) شقيقة السلطان (صلاح الدين الأيوبي) زوجة الأمير (مظفر الدين كوكبري) أمير أربيل من أعمالها الخيرية لنشر العلم بناء مدرسة سميت بمدرسة الصالحية بسفح جبل قاسيون شرقي “حي الأكراد” وبَنت مدرسة الخاتونية الجوانية. وبنت أيضاً مكان تعبد للصوفية. والسيدة (زمرد خاتون) كريمة (نجم الدين أيوب) أخت الناصر (صلاح الدين الأيوبي) ينسب إليها مسجد زمرد خاتون. الأميرة (زهرة خاتون) بنت الملك العادل بن أيوب من أهم آثارها المدرسة العادلية الصغرى يقال أنها احترقت عام (1910م) وتحولت إلى سوق تجاري.الأميرة الشهيرة (ست الشام) (شقيقة ست العراق) توفت سنة (1220م) هي بنت الأمير (نجم الدين أيوب) أخت (صلاح الدين الأيوبي) أهم أعمالها: المدرسة الشامية البرانية وسميت بالمدرسة الحسامية تيمناً باسم ابنها بعد دفنه فيها الذي كان اسمه حسام، كانت المدرسة تقع بحي العقيبة بدمشق، كانت قائمة حتى بداية قرن العشرين وكانت مدرسة ابتدائية. المدرسة الشامية الجوانية وهي مقابل مشفى النوري. خانقاه الحسامية وهي تكية وزاوية لطلبة العلم والصوفية. الملكة (ضيفة خاتون) (1185- 1242م) بنت الملك العادل (بن أبي بكر بن أيوب) أنشأت بمدينة حلب عدة منشئات منها: مدرسة سمتها مدرسة الفردوس. وأنشأت مكاناً لدفن الموتى، وأنشأت عدة زوايا وتكايا للصوفية. أيضاً السيدة المبجلة (عذراء الأيوبية) كانت سنة وفاتها في ( 1197م) هي كريمة شاهنشاه – ملك الملوك- بنت أخو السلطان (صلاح الدين الأيوبي) من آثارها بنائها مدرسة سمتها المدرسة العذراوية.(عصمت خاتون الأيوبية) وفاتها (1279م) حفيدة السلطان (صلاح الدين الأيوبي) أهم أعمالها: بنائها لأربع مدارس في بغداد وكانت أعظم هذه المدارس مدرسة في ألأعظميه. السيدة (مؤنسة خاتون) (1235- 1303م) بنت الملك المظفر (محمود بن الملك منصور بن أيوب) أنشئت مدرسة تعرف بالخاتونية. لا أريد أن أرهق القارئ الكريم وإلا هناك المزيد عن ما قدمته (صلاح الدين الأيوبي) وعائلته من خدمات وأعمار للبلدان التي حكموها.
هذا هو الشاعر “ابن هاني الأندلسي” انظر كيف يمجد أحد الفاطميين بأبيات شعرية لا يقال عنه في العقيدة الإسلامية شيئاً سوى أنه الكفر بعينه:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ فاحكم فأنت الواحد القهارُ وكأنما أنت النبي محمدٌ وكأنما أنصاركَ الأنصارُ أنت الذي كانت تبشر به في كتبها الأحبارُ والأخبارُ.
إن كان هذا الفاطمي الممدوح مسلماً، كيف يقبل لنفسه أن يقال عنه مثل هذا الكلام!، هذا ما وصف به ذلك الشاعر.. أحد حكام الفاطميين قبل أو بعد أن انتقلوا إلى مصر.