23 ديسمبر، 2024 4:16 م

إلى الفنان كريم كنعان وصفي

إلى الفنان كريم كنعان وصفي

لك في البداية مني سلاماً وتحية
رأيتك على الشاشة التلفزيونية هادئا.  تعزف بلا انفعال ،ملوحاً بصوت الموسيقى، من مكانٍ ما بمدينة المنصور، امتزج رصيفه بلحمٍ بشريٍ شريفٍ انتزعه المجرمون الارهابيون من اضلاع الضحايا حيث اختلطت دماؤهم برعاش دقات ساعة الجريمة.

ما وجدتك في ساعة واحدة موسيقياً فحسب، بل وجدتك إنساناً سقراطياً،  بمعنى أنك كنت رجلاً طيباً وسعيداً تماما. وجدتك رجلاً تتطلع إلى الفضيلة لإدانة  جريمة بربرية من جرائم اعداء الإنسانية كلها . وجدتك تستخرج من آلتك الموسيقية صوتاً عالياً، بكفاءةٍ نادرةٍ، مؤكداً (أن الفضيلة أقوى من الموت) وأن صوت الموسيقى أعلى من صوت المفخخات القاتلة.

احسنت ، يا كريم وصفي ، فقد أجدتَ عملاً رائعاً، عملاً ليس مهنياً حسب، بل إنسانياً يحمل صوتاً قادراً على التفوق والسيطرة على اصواتٍ همجيةٍ  يتملكها عقل القتل والجريمة.

لا شك أن الحياة كلها قد برهنت أن أفضل الرجال المبدعين وأحبهم الى قلوب الجماهير هم أولئك الذين يجيدون مهنهم ، سواء كانوا فنانين موسيقيين، أو مغنين او مخرجين سينمائيين ، أو رسامين أو شعراء أو كتاباً أمناء.

 كنت انت بالذات ، يا كريم وصفي،  ليس فقط واحداً من المبدعين ، بل كنت الأول في وضع مزاجك وموهبتك موضع القائد البارز لإلحاق الهزيمة بالمجرمين الارهابيين من دواعش تنظيم الدولة الاسلامية وغيرهم من صنوف المجرمين. كانت نغمات آلتك الموسيقية (الجلو) حملة صاعدة ضد الجريمة.. كانت أنغامك صوتاً (فردياً) ضد جريمة (جماعية).. كان صوت موسيقاك علاجاً مناوئاً  للطغيان استخدمت فيه فنونك بشكل افضل ، فقد وجدتك كما وجدك السامعون جميعاً،  والمشاهدون جميعاً،  أنك حوّلت الموسيقى إلى عنصر (مقاومة) للإرهاب والإرهابيين .

الموسيقى تجعل بغداد اسعد المدن لأن فيها كل ما يجعل انتصار الشعب حتمياً على الارهاب وعلى العصابات الارهابية من كل نوع ولون.

 بالموسيقى الرمزية يكون تاريخ بغداد مجيداً ففيها قوة دافعة للمزارعين أن يزرعوا، وللفلاحين أن يفلحوا، وللأطباء أن يكافحوا الأمراض ، وللمعلمين أن يكافحوا الجهل  وللعمال أن يبنوا منازل ومسارح ودور سينما ، وللمهندسين أن يخططوا لبناء المدن والمساكن واعمار البلاد كلها ولرجال الدولة أن  يجعلوا السياسة وسيلة تغيير وتقدم. 

الموسيقى ، يا سيدي،  ليست صوتاً مجرداً ، بل ، كما برهنت أنت،  أن صداها كان سهماً مركزاً على قلوب البرابرة السود. كل البرابرة في التاريخ الإنساني لا يحبون الموسيقى   لأنهم لا يحبون الوفاق بين الناس ، لا يحبون المدارس ، لا يحبون الفن والادب والثقافة والتنوير.

 لا يحبون الموسيقى لأنهم يتغذون من دماء جرائمهم.  ليس لديهم آمال غير القتل والذبح. إنهم جميعا ليسوا في كل مكان من هذا العالم غير جوقة من المجرمين البرابرة. لا يتورعون عن قتل الاطفال واغتصاب النساء تحت رايات سود  ليس فيها غير التعبير عن أخطر مظاهر امراض انفصام شخصياتهم الوحشية.. يقفون على تلال عالية يرمون سهامهم المسمومة ضد الزرع والضرع ليقنعوا انفسهم الظلامية انهم مسرورون..!

تحية إكبار إليك أيها  الفنان القدير ، الجدير،  كريم وصفي، فقد استطعت أن تجعل الفن الموسيقي أداة ممكنة لصوت من أصوات الشعب. عسى أن تكون مبادرتك نموذجاً أمام جميع الفنانين العراقيين – مسرحيين وسينمائيين ورسامين ونحاتين وتلفزيونيين وكتاب وشعراء ومغنين ومنشدين – أن يرفعوا قدرات فنونهم ليكونوا ،جميعاً، صوتاً مدوياً واحداً بوجه حياة طائشة يريد اشاعتها الدواعش والفاسدون واعداء القانون والديمقراطية.

الموسيقى وكل الفنون هي وسيلة  التعبير عن افكار الخير والانسانية. بالفنون ، أساساً ، تكون افكار الخير قوية ويكون الاستبداد من كل نوع ضعيفاً.. بالفنون يكون اسمنت بغداد راسخاً في أرض المحبة والعدل ويكون رائداً لكل جيل.. بالفنون تولد المواهب والعبقريات والعلوم،  حتى السياسة المجاورة للفنون والممجدة لها ، تكون جذابة ، خالية من التعقيد ويكون علم السياسة مفهوماً لقياس كل ما هو صحيح وعادل.

مهارة الفنان كريم وصفي في تحويل أداة العزف الموسيقي في مدينة المنصور كانت ذات تفصيلات إنسانية مأثورة فتحت الطريق لكل الفنانين العراقيين لأن يكونوا أكبر مما كانوا عليه في الماضي وان يكونوا افضل واعدل في المستقبل.

تحية لكل فنان عراقي يسهم في كمال الولادة الفنية العراقية الجديدة في مجتمعٍ قادرٍ على جعل بغداد مدينةً من مدن الشكل الديمقراطي العادل  في فجر يبزغ ، كل يوم ، بغير جريمة ومن دون أي ظلام لأن نهار بغداد يتبدل فقط  بشموس الفنون ، كلها،   حين تقرع أجراسها في كل مكان من بلاد الرافدين .