23 ديسمبر، 2024 5:00 م

إلى السيد وزير الداخلية المحترم

إلى السيد وزير الداخلية المحترم

اسمحوا لي يا معالي الوزير أن اوجه لكم سؤالاً يتعلق باقتحام مقر اتحاد الادباء العراقيين يوم 17 – 6 – 2015 من قبل مجموعة إرهابية مسلحة، هل كان بأمرٍ منكم او بعلمكم ام انكم مثل كل ادباء العراق تفاجأتم بهذا الفعل المرتعش، المثير لقلق الأفق الثقافي العراقي، الذي لم يشهد مثيلاً له في جميع العهود الدكتاتورية السابقة.

لست ادري ما موقف سيادتكم من فعلٍ بوليسيٍ كريهٍ، مليئة خطواته بإرهاب صُوّر لنا ،حتى الآن، كأن اشباحاً قامت به وكأن الشعب العراقي وممثليه الأدباء العراقيين يعيشون في غابةٍ يلفها غور الظلام والغموض. 

من المستحيل قيام عصابة مسلحة تتكون من 50 وحشاً همجياً من دون وجود عنصر (قيادي) يقف خلفها، له موقع سياسي معين في الدولة العراقية. كم  اتمنى ان تكون فكرتي، هذه، خاطئة.  

إنْ كان المقصود من هذا الفعل النابض بعدوانِ وحوشٍ اطلقت جيادها لغزو اتحاد الادباء العراقيين في ساحة الاندلس بعلم أحد قياديي الدولة فتلك (مصيبة) لأنها كسرت زند القانون العراقي وهشمت جسده. وإن كان مفاجئاً لكم ولزميلكم السيد وزير الثقافة فتلك (مصيبة اعظم) لأنها تمثل عقوبة لكل المجتمع الثقافي  حسب تعبير دكتاتور تشيلي في امريكا اللاتينية الجنرال بينوشيه الذي قال لضابط عسكري كان قد قام بتفتيش أحد الشعراء دخل الى احد المنتديات الثقافية في العاصمة سانتياكو:  انت ، أيها الضابط، بحاجة الى اخلاق أولاً..!

انتم ،يا سيادة الوزير، لستم عاجزين عن ضبط تحركات العصابات المسلحة العراقية بطريقة يكون فيها الاديب العراقي حراً ومحترماً . يمكنكم تحقيق الضبط حين تكون اجهزتكم مسئولة عن حفظ أمن المواطنين ،وحماية الادباء والمثقفين، ومنظماتهم ، من كل تجاوز أو عدوان إذا كنتم تؤمنون ان الادباء والفنانين والمثقفين عموما هم المكوّن الحيوي الحقيقي للديمقراطية وإن العدوان عليهم هو عدوان على الأخلاقية الإنسانية.

ربما انتم تعرفون أن اهم احدى القواعد الاساسية في الحرية والديمقراطية هو ان يترك الباب امام المثقف مفتوحاً امام ابداعاته وندواته واجتماعاته.  هذا هو السبب الذي جعل الكاتب البريطاني جيمس جويس مبدعاً عالمياً ، وهو نفس السبب الذي جعل بيتهوفن منتجا للسيمفونية التاسعة ، وهو نفس الباب الذي جعل برناردشو يكتشف صور الاشتراكية الاجتماعية.

مع الاسف الشديد أن أعداء الحرية في بلادنا ليسوا قليلين. أنهم  يمقتون الافكار والنشاط العقلي للأدباء العراقيين في مبنى اتحادهم ، الذي اكتظ  يوم 17 حزيران بإجراء تعسفي مماثل لما كان قد جرى أكثر من مرة قبل بضع سنوات. مثل هذا الاجراء متناسل عن الارهاب والارهابيين وهو لا يثير إلّا تشاؤما حول مستقبل وطننا ،كله، حين خيم جو مدمر داخل اتحاد الكتاب والادباء العراقيين.

بصراحة اقول لكم ان هذا العدوان هزّ قبور عظماء العراق:  محمد مهدي الجواهري ،عبد الوهاب البياتي، مصطفى جمال الدين، محمد صالح بحر العلوم، مهدي المخزومي ، صلاح خالص، نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، وعبد الله كوران، مثلما اهتزت قبور أبي الطيب المتنبي وابي العلاء المعري وابي تمّام الطائي بالغضب التام . العدوان على مقر الأدباء العراقيين هو عدوان على اللغة العربية ،وعلى القيم  العراقية، وعلى الشعر، كله، والآداب، كلها.  لا شك انكم تعرفون جيداً أن العدوان على مبنى اتحاد الأدباء هو اسلوب مأخوذ مقته على المثقفين من  اساليب  وزير داخلية هتلر(نوردن) ووزير ثقافته (غوبلز).  

لا ادعوكم يا وزير الثقافة والداخلية الى الثناء على مثالية الاغريق والفرنسيين والعرب الاندلسيين في تعاملهم مع الثقافة والمثقفين، بل ادعوكم الى نوع من امثلة الألق الثقافي العربي السامي والى الشفافية الاسلامية في بعض مراحلها التي كان ابن خلدون ضابطها العقلاني.

مطلوب منكم ، أيها الوزير الموقر،  ان تفكر في الاهانة المهووسة بالرعب والارهاب اللاحقة بالثقافة العراقية ومعاقبة من قام بها بأشد العقاب. ومطلوب من زميلكم  وزير الثقافة المحترم ان يؤنب  تأنيباً مناسباً عناصر القوة العدوانية ومحاسبتها قضائيا بصورة علنية وأن لا يتم الاكتفاء بتشكيل (لجنة تحقيق) تضيع فيها اوراق القضية.  من دون ذلك تظل البيئة العراقية، الثقافية والسياسية، محاطة  بأعداء الحرية والديمقراطية من كل انواع الدواعش.

اما هبوط معدلات ثقة الادباء العراقيين بوزارة الداخلية ووزارة الثقافة واستخفاف الوزارتين بالحرية والديمقراطية فأن ذلك يعني ،أول ما يعني، ايصال الشعب كله الى حالة من اليأس وانتشار الاحساس العام بأن سياسة الدولة العراقية لا علاقة لها بالحرية والديمقراطية.

ارجو منكما أيها الوزيران،  ان تتقبلا تحياتي وأن تصغيا إلى  آهات العراقيين المغتربين في ما وراء البحار الشاسعة ، فقد  صار الالم ، وحده،  خبزهم اليومي.