18 نوفمبر، 2024 1:47 ص
Search
Close this search box.

إلى السيد فلان الفلاني عضو البرلمان العراقي

إلى السيد فلان الفلاني عضو البرلمان العراقي

كثيرة هي حالات الصراخ الذكوري والانثوي نشاهدها ونسمعها بأصوات اعضاء البرلمان العراقي ،داخل أروقة المجلس أو على الشاشات التلفزيونية الفضائية.. هذا يشجب ممارسات ذاك.. هذه تتعامل مع ذاك او تلك، بصرخاتٍ انفعالية، كل واحد يريد أن يطغي صوته على الآخر ،معتقدا أن في طغيان الصراخ، والتوتر في الكلام، علامة بارزة على تفوق عرقه او جنسه او طائفته أو نوع لغته داخل مبنى البرلمان أو في الشاشة الفضائية ،حتى ولو كانت القضايا التي يتخاطبون فيها تتعلق بالصحة أو التعليم أو البيئة أو باقتصاديات النفط . بينما يؤكد عالم الاجتماع الكبير ماكس فيبر أن توتر الساسة والوزراء والبرلمانيين وصراخهم أثناء الكلام لا يكشف إلاّ عن صراع داخلي في النفس الانعزالية.

اسمحوا لي ايها السادة والسيدات من القادة والوزراء والبرلمانيين العراقيين  أن أذكركم بأن الخطباء الذين (يصرخون) ليسوا سوى فصيلة من فصائل (المتطرفين) وبعضهم من (المشعوذين). يتصورون أن (الصراخ) هو نوع من (الحماس)  وأنهم من (المدافعين الاشداء عن الحق) .

لا بد من تذكيركم بأن مهاجمة شخص آخر أو تقديم اقتراح معين ليس بالضرورة أن يستند على (الانفعالية) وتفرعاتها في الشتم والتسقيط الأخلاقي  . كثير من علماء الطب الحديث يؤكدون ان (الصراخ) نوع من الامراض السيكولوجية تستدعي المعالجة للوصول الى حالة الشفاء وإلاّ فأن الصراخ يدفع المرء إلى داء خطير .

بالرغم من أن (الخطابة الانفعالية) هي ضرورة ، في  الشعر وعند الشعراء كأسلوب للتعبير وإثارة انتباه السامعين للإقناع بقضية معينة يريد الشاعر إقناع الناس بها كما يفعل الشاعر موفق محمد وافتيشنكو والابنودي ومظفر النواب وغيرهم . كما قد تكون (الخطابة الانفعالية) أو (الهتاف الانفعالي)  وسيلة من وسائل المتظاهرين في الشوارع والساحات العامة لإيصال    صوتٍ احتجاجيٍّ  إلى أسماع المسئولين والقادة الذين في أذانهم وقر. لكن  الصيغة الانفعالية لدى رجال القانون والسياسة والعلوم تتحول حتما إلى  وسيلة لتشويش الأفكار وتضليل السامعين والتستر على اعتقادات ليست سليمة. بل أن العالم النمساوي (لورينتس)  المختص بدراسة علم سلوك الحيوان يؤكد أن (الصراخ) و(الانفعال) لدى الانسان السياسي قد يحوله إلى وحش أكثر وحشية من الذئب، مثلما يؤكد ، بذات الوقت، أن الانسان اذا تقاتل مع انسان فأنه يبدأ بــ(الصراخ) بينما إذا تصارع ذئب مع ذئب ورأى أحدهما أنه مغلوب لا محالة فأنه يقوم في هذه الحالة  بإجراء حركات استرضائية وينتهي القتال.

صراخ القادة والمسئولين العسكريين والمدنيين وأقوالهم الخلافية  ضيعت حقائق وقوع   نينوى والانبار وتكريت وغيرها تحت سيطرة الهمج الدواعش. كما ضاعت بها حقائق عن جريمة سبايكر والثرثار وبيجي. كما ضاعت (كل) أو (بعض) الحقائق عن كثير من وقائع (المال العام)  فلا أحد يعرف، الآن ، أي مسئول أكثر فساداً من غيره لأن (لجان التحقيق) بحاجة إلى رجال منطقيين وليس مهوّسين ، بحاجة إلى محققين بارعين مثل الهولنديين وإلى محققين عقلاء صحيحي البنية مثل الاستراليين.

نعم أيها السادة البرلمانيون العراقيون من أعضاء اللجان عموماً أنكم بحاجة إلى أن تحزموا أموركم بالهدوء البرلماني الهولندي ،وبالبيئة التحقيقية الفرنسية البارعة، وبالتفكير البرلماني الاسترالي،  لكي تعرضوا الحقائق بالوسائل العلمية التامة وليس بالوسائل الصارخة الناقصة  .

الواجب الوطني يفرض على الجميع أن يعملوا متكاتفين من دون (صراخ) من اجل خلق بيئة نظيفة ليست ملوثة . بيئة للجدل الوطني الحر خالية من الاغراض الشخصية والاهواء النفعية . بيئة ليس فيها صراع  بين مصالح شخصية او حزبية او طائفية ،  بيئة لا تؤدي الى قلق وموت ويأس ، بيئة فيها عقلية متفتحة وتنقيب عن الحقيقة ، بيئة ليس فيها ضجيج وعنعنة ، بيئة تؤمن بالنزعة الانسانية يكون فيها الانسان العراقي  غاية الانسان السياسي وغاية البرلماني والقضائي ورجل الدولة والسلطة ،بيئة فيها تراث حضاري اجتماعي،  بيئة فيها امانة وصراحة وشجاعة ، واحترام الحقيقة، واحترام رأي الآخر ، بيئة فيها عمل جماعي ، بيئة فيها مثابرة وعمل متقن وتضحية حقيقية وتقديس الحرية والديمقراطية.

هيغل وماكس فيبر وابن رشد وابن خلدون وعلي الوردي وكارل ماركس وديكارت والمناضل الفيتنامي(هو شي منه)  علّموا البشرية كلها أن السياسة  وسيلة لتحقيق غاية انسانية لتغيير اشكال الحياة الاجتماعية بحيث تتلاءم مع تطور الحياة المدنية ومع تطور العلوم والتكنولوجيا،  لتنسجم مع آمال الناس واقامة مجتمع  جديد يتوفر فيه الخبز والورد .

حينئذ فقط تردون ايها الساسة العراقيون انسان العراق الى انسانيته ..

تقبلوا مني سلامي ولكم احترامي أيها السادة القادة.

أحدث المقالات