23 ديسمبر، 2024 10:47 ص

إلى السيد المسئول عن مشاكل النازحين .

إلى السيد المسئول عن مشاكل النازحين .

تحياتي الى كل مواطن عراقي مسئول عن قضايا النازحين.
اعترف أمامكم ،في البداية، أنني لا اعرف لمن اوجه رسالتي ،هذه،  بالتحديد،  حول امور تتعلق بمشاهداتي لأثقال كثيرة تعانيها رقاب الناس النازحين من بيوتهم بقسرٍ وإرهاب الدولة الاسلامية(داعش) ،سواء النازحين الموجودين في خيام او في معسكرات شيدت لهم ليعيشوا فيها تحت اعاصير الحر صيفاً والبرد شتاءً وهم في مبعث واحد بسبب جميع المعوقات الناتجة عن سلوكية موظفين  لا يرون المآسي الماثلة او المحيطة بمعيشة 3 مليون إنسان عراقي وجدوا انفسهم في ساعة معينة انهم بلا مأوى وبلا حبل يربطهم او يشدهم الى الدولة العراقية . صار اكثرهم يشعر بوحدة نفسية قاسية وهم يرون بأم اعينهم زيف وانحراف كثير من  مدراء ووزراء وبرلمانيي هذه الدولة عن وجدانهم الانساني.

صارت قضية النازحين عويصة بلا حل ضمن الاطار العام للدولة العراقية، الحائرة ، المتخلفة عن مناصرتهم واسكانهم واطعامهم وتنظيم شئونهم الصحية وغيرها. ما زالت التقارير الصحافية تتوالى عن العيشة القاسية الواقعة على آلاف الناس  قرب (جسر بزيبز) حيث يعانون أياماً ملونة بالفجيعة والمآسي.  يحيط بهم وبأطفالهم وشيوخهم عنتٌ كبيرٌ ومكروه كثير،  وهم مستسلمين لقرار غير عادل بعدم السماح لهم بالدخول الى عاصمة بلادهم وطلب حمايتهم من أهاليها وحكومتها استنادا الى التراث الوجداني الإنساني في سلوكية الانسان العراقي بنصرة أخيه الانسان العراقي الاخر حين يواجه واقعه خطرٌ من نوعٍ ما كخطر المجرمين الارهابيين الدواعش.

واقع الحال الانساني في جسر بزيبز يضطرني الى تذكير الحكومة العراقية وسلطاتها  في وزارة الهجرة والمهجرين وفي لجنة النازحين البرلمانية وغيرها الى شكل من اشكال وجدانية الحضارة السيكولوجية الانسانية في أوربا ،وبالتحديد في المملكة الهولندية، كنموذج لمفاهيم انسانية عليا حين استقبالها لعوائل النازحين إليها طيلة العقود الاربعة الماضية، طالبين اللجوء والحماية  سواء كانوا ايرانيين او افغان او عراقيين أو أفارقة أو  من ايران وامريكا اللاتينية وأفريقيا ، ومن اي بلد يتفوق فيه نظام دكتاتوري يقمع شعبه.

في هولندا لا توجد وزارة للهجرة والمهجرين ولا توجد لجنة برلمانية خاصة بالنازحين ولا توجد لجنة متخصصة يقودها نائب رئيس وزراء ، لكن فيها تقاليد وعادات انسانية وفيها نصوص دستورية توجب على الدولة استقبال اللاجئين السياسيين او الانسانيين إليها وفقا لبنود اتفاقيات جنيف.

الاصول الانسانية تلح على الدولة الهولندية وموظفيها ومنظمات المجتمع الانساني فيها أن تتعاطف جميعا مع النازحين اللاجئين إليها في نفس اللحظة التي تطأ اقدامهم  اراضيها حيث يبدأ معهم تعاطف انساني – وجداني يتحرك نموذجه  بتصرف فريد في استقبال اللاجئ، بقيم اخلاقية نادرة المثال، وبإسراف في الرعاية والغيرة وفي إمعان والتزام صارم منذ الساعة الاولى حيث يتم إسكان اللاجئين في أماكن خاصة معدة لهذا الغرض او في بيت او في شقة او حتى في فندق من 5 نجوم في حالة عدم توفر غيره.

خلال اربعة ايام اولى يجري ملء استمارة اللجوء من قبل قضاة مختصين ويجري الفحص الطبي النفسي والفسيولوجي على الجميع.. يتم تعيين المدارس لدراسة الاطفال والطلاب اللاجئين خلال لقاءات متواصلة لأربعة أيام متتالية تجعل من السهولة على المعنيين باللاجئين استيعاب حاجات اللاجئ الفرد او العائلة اللاجئة. كما تنصرف لجنة اللاجئين الى معرفة ملكات واهواء ورغبات وقدرات اللاجئين بهدف التعمق في معالجة اليوميات الجديدة القادمة في حياة كل فرد لاجئ الى هذا البلد لكي يكون لصيقا به وبعادات شعبه.

بعد ذلك يمنح اللاجئ (حق اختيار المدينة ) التي يريد السكن والعيش فيها، بما فيها العاصمة (امستردام) حال صدور القرار القانوني بقبوله لاجئا سياسيا او انسانيا بهدف انقاذ الساكن الجديد على الارض الهولندية من مشاعر القلق والمزاج الحساس ومن الشعور بالغربة والوحدة وهي مرحلة ضرورية من مراحل اعداده  للدخول الى الاجواء والعائدات الديمقراطية تمهيدا لمنحه حق الحصول على الجنسية الهولندية و المواطنة الكاملة. 

اتذكر الآن كل هذه الروحية والمنطلقات الانسانية المسيطرة على السلوكية الهولندية في استقبال واحتضان ومعاملة النازحين إليها من مختلف أنحاء العالم بينما القدر الجديد لم يدخر وسعا في العراق المنكوب بحالات الهجرة الداخلية الجديدة والنزوح الجديد بافتقاده الى ابسط اشكال (الترحيب) به من مؤسسات دولته حيث يفقد النازح العراقي كرامته بين (جسر بزيبز) و(المعسكرات) التي لا تشبع بطنه ولا تقيه من حر او برد او مرض.

سر من اسرار الدولة العراقية الجديدة نأمل من العاملين في وزارة الهجرة والمهجرين وجميع لجان شئون النازحين ان يكشفوا لنا اسبابه ولهم التحية والاحترام .