لم تعد الأنماط الكلاسيكية لاجتماعات ساستنا تحت قبب مؤسسات الدولة جديدة على العراقيين، ولم يعد مستغربا ما تثمره تلكم الاجتماعات -إن أثمرت- وماتطرحه من نتاجات تكاد تكون عقيمة، أو ليس لها التأثير المتوخى منها والذي كان يتمناه المواطن المثقل بجراحات الحكام السابقين والأنظمة التي مرت على حكمه، فقد تعودنا جميعنا على مواقف أغلب ساستنا التي تتكرر دوما، حتى باتت سمة ملاصقة لهم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبحنا نعزو أية مشاكسة تحدث تحت قبة مجلس نوابنا الى (زيد وعبيد) من الجمع الذي يحضر الاجتماع، حتى وإن كان غائبا. الأمر الذي يذكرنا بمسلسل (تحت موسى الحلاق) وتحديدا (عبوسي) المشاكس في صفه، إذ كانت تعلق على شماعته فوضى الصف حتى وهو غائب. وهو حال برلماننا الذي تتراوح أغلب اجتماعاته عادة بين التأجيل والتأجيج، وفي الحالتين هناك تأخير ليس هذا أوانه، ولايخدم العملية السياسية ولا شرائح المواطنين كافة، ولا البلد ولا (الشرفاء) من السياسيين وقادة العملية السياسية. ويبقى المستفيد الوحيد من كل هذا التلكؤ والتأخير، هو الذي يعزف على وتر جراحات الشعب ومصائبه، وضياعه بين شظف العيش وغول الفساد بأنواعه، وتردي الأوضاع الأمنية والبنى التحتية والخدماتية.
فهل وضع هؤلاء سقفا زمنيا ليكفوا عن تسويفهم بالوقت وتلاعبهم بمصائر الملايين؟ أم أن سباقهم الماراثوني جارٍ على قدم وساق الى إشعار غير مسمى! وهل هم عالمون ان كل متسابق له من النتائج اثنتان لاغيرهما، فإما النجاح وإما الخسارة، إلا سباقهم فجميعهم لن يحصدوا غير الخسارة والخذلان، فأما الخسارة فهي من رصيدهم مع الناس الذين وضعوا ثقتهم فيهم، وأما الخذلان فان نصيبهم منه مزدوج، إذ هو في الدنيا حيث لم يفوا بوعدهم للعراقيين وخذلوا الأصابع البنفسجية الشريفة، وفي الآخرة حيث خذلوا قسَمهم في أداء واجبهم الوطني والإنساني، وابتعدوا عن شريعة السماء والأنبياء والأولياء بوجوب الحسنى بالرعية.
اليوم يعيش العراقيون مع نشرات الأخبار وما يتجدد فيها من أحداث، مآسيَ صنعها لهم باتقان واصرار نفر من الدخلاء على السياسة والقيادة، إذ هم لايفقهون شيئا غير معارضة أي قرار أو قانون في مراحل قراءاته جميعها، ويسعَون دوما الى إثارة غبار بغية تعكير أجواء فضاء العراق الجديد قدر مااستطاعوا.
إن في اجتماعات مجلس برلماننا الذي تنتظر قراراته أفواه فاغرة طالها الفقر والجوع والمرض، لايُنكر صدق بعض الكتل وجديتها في تقديم الأفضل من خلال قراءة القوانين وبلورتها وإقرارها بما يصب في خدمة العراق والعراقيين، لكن المؤلم أن يكون هناك تلكؤ متعمد من أغلب الكتل والقوائم، باتخاذها موقفا أقل مايوصف به ما أشار له مثلنا الشعبي القائل: (لو ألعب لو أخربط الملعب). موظفين بذلك كل اهتماماتهم وطاقاتهم للوقوف ضد أكثر من خمسة وثلاثين مليون عراقي، ليس لإبقائهم في مكانهم (محلك راوح) فحسب، بل للرجوع بهم (للخلف در) الى مربع ماقبل الأول، حيث الدكتاتورية والحزب الواحد والقائد الأوحد، ليحلو لهم العيث فسادا بمقدرات البلد وخيراته التي دأبت تبعثرها الحكومات السابقة واللاحقة على حد سواء.