23 ديسمبر، 2024 12:53 ص

إلى أنظار السلطة القضائيّة… وسواها

إلى أنظار السلطة القضائيّة… وسواها

ما من إنسان لا يُخطئ وما من هيئة لا تُخطئ، بوصفها مشكّلة من بشر. تستوي في هذا هيئات القطاع العام وهيئات القطاع الخاص، وهيئات القطاع العام تكون متفرعة إمّا من السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية.
نعم، فرئاسة الجمهورية يُمكن أن تُخطئ ورئيس الجمهورية يُمكن أن يُخطئ وكذلك نوابه ومساعدوه ومستشاروه، وكذا الحال بالنسبة لرئاسة الحكومة ورئيس الحكومة وأعضاء الحكومة (الوزراء ووكلائهم….) ورئاسة مجلس النواب ورئيس مجلس النواب وأعضاء مجلس النواب، ورئاسة مجلس القضاء ورئيس مجلس القضاء وأعضاء المجلس والقضاة.
الخطأ من طبيعة البشر، ولطالما حصل أن أُقيل أو استقال رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء ورؤساء برلمانات وأعضاء برلمانات ورؤساء مجالس قضاء وقضاة.. إلخ، عن أخطاء ارتكبوها.
وفي ما يتعلق بالقضاء فثمة الكثير من الأمثلة والوقائع والشواهد في مختلف دول العالم على أخطاء قضائية البعض منها كان قاتلاً، حيث أُعدِم أو سُجِن لآماد طويلة متّهمون ثبت لاحقاً أنهم أبرياء. القضاء عندنا ليس استثناءً من هذه القاعدة. وللتذكير فقط فإنه في عهد صدام أصدرت المحاكم الخاصة والمحاكم العادية في حق متهمين بمناوءة أو عدم موالاة للنظام السابق وعائلاتهم أحكاماً عدّها العهد الجديد غير عادلة، وجرى التعويض عن الكثير منهم في إطار برنامج العدالة الانتقالية.
نحن الآن في عهد ديمقراطي، ودستور هذا العهد كفل للمواطنين حرية التعبير عن الرأي بمختلف الأشكال، وبخاصة عبر وسائل الإعلام والتجمعات، ولم يستثنِ أحداً أو هيئة من ذلك. من العيوب الخطيرة لنظامنا الجديد ومؤسساته، بما فيها المؤسسة القضائية، أنه لم يزل يعمل بموجب قوانين شرّعها نظام صدام حسين بما يتناسب مع عقيدته وطبيعته الدكتاتورية ولتنفيذ سياساته التعسفية التي كانت تحظر كلّ شكل من أشكال التعبير الحرّ عن الرأي. هذا أمر ينتقص من شرعية نظامنا الحالي، فثمة سؤال منطقي: إذا كنّا نقبل بقوانين صدام حسين ونحكم بموجبها بعد مرور أربع عشرة سنة من الخلاص منه، لماذا عارضناه إذن وعملنا لتقويضه؟ .. بالطبع الملوم في هذا الحكومة التي تعجز عن اقتراح مشاريع قوانين بديلة عن قوانين صدام، والملوم مجلس النواب( ممثل الشعب كما هو مفترض) الذي لا يبادر بتشريع قوانين بديلة.
مناسبة هذا الكلام الحكم الصادر مؤخراً على الرئيس السابق لهيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي بالسجن سبع سنوات بسبب مقال نشره في هذه الصحيفة قبل ثلاث سنوات تضمّن عرضاً لممارسات في العمل القضائي هو يراها خاطئة وغير سليمة. لكنّ المحكمة التي أصدرت حكم السجن في حقه رأت غير ذلك.. رأت أنّ ما كتبه العكيلي يمثّل “إهانة”، فالحكم استند إلى المادة 226 من قانون العقوبات رقم 111 الذي شرّعه النظام السابق في العام 1969 من إجل خدمة أهدافه وتحقيق غاياته. هذه المادة تقول: “يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة مَنْ أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية”.
هذا الحكم يُثير لدينا أسئلة مثل: لماذا ذهبت المحكمة إلى أقصى الحدود باختيار عقوبة السجن سبع سنوات، ولم تختر الحكم بمدة أقل أو بالحبس أو بالغرامة؟ .. هل ثمة تعريف أو تحديد للإهانة؟ .. هل يعني هذا أنه محظور على الجميع توجيه أيّ نقد إلى كل الجهات المذكورة في هذه المادة من القانون الصدّامي- البعثي؟ … وأخيراً: ما معنى حريّة التعبير التي كفلها دستور 2005 وكان يحظرها نظام صدام ويقمع “مرتكبيها”؟
نرجو ألّا يكون ثمة خطأ من أيّ نوع في هذا الحكم، صوناً لنزاهة القضاء وعدالته واستقلاليّته.