أثار خبر إعلان مجلس الوزراء العراقي عن نيته في الغاء البطاقة التموينية وتعويض المواطنين مبلغ(15 ألف دينار عراقي) عنها ردود افعال متباينة، وإن ارتفعت الكثير من الأصوات ضد هذا القرار. البطاقة التموينية بدأ العمل بها في تسعينيات القرن الماضي على اثر فرض الحصار الاقتصادي على العراق والذي اثر على القدرة الشرائية للمواطن العراقي بشكل كبير، تذبذب وضع هذه البطاقة ومفرداتها وكانت مورد فساد كبير في زمن النظام البائد وفي العصر الحاضر، وتم تقليص موادها أو تقسيمها على وجبات مما اثر كثيراً على الفائدة منها لكنها رغم ذلك مورد لا يمكن الاستغناء عنه للكثير من الناس وعنصر من عناصر الحفاظ على السعر المنخفض نسبياً لبعض المواد الغذائية.
النية في الغائها ليست وليدة اليوم فقد ارتفعت اصوات البعض في اكثر من مناسبة مطالبة بإلغائها، واصدرت الحكومة العراقية قبل مدة تعميم بعدم اعتماد البطاقة التموينية كبطاقة رسمية في المعاملات قبل مدة، وإن لم يتم العمل بذلك كمقدمة لهذا الالغاء.
يقول مجلس الوزراء ومن يؤيده في هذا القرار أن التعويض المالي افضل، وأن القدرة الشرائية للمواطن قد ارتفعت وأن المبالغ التي تصرف على البطاقة ينبغي أن توجه لجوانب أكثر اهمية!!
ويقول الرافضون لهذا القرار أن الوقت لم يحن بعد وأن ذلك القرار سيؤثر على السوق بشكل كبير وسيؤثر سلبياً على شريحة كبيرة من المجتمع العراقي.
ولست بصدد تقييم آراء الطرفين، ولكنني أقول إن القضية المالية ليست هي الدافع الحقيقي وراء الغاء البطاقة وإن الموضوع سيقر عاجلاً أم آجلاً مهما صرخ البعض ومهما عليت اصوات الرافضين!!!!
والسبب لأن الموضوع خاضع لقوة أكبر من الحكومة والبرلمان كما يبدو !!
هذه القوة أثبتت إمكانياتها القوية في رفع اسعار الوقود مرة بعد مرة ولم يوقف صراخ المعترضين خطواتها في ذلك!!
هذه القوة حطمت قطاع الاتصالات في البلد واخضعته لخصخصة مدمرة وكان ذلك سبباً في خسارة البلد للمليارات من الدولارات وضياع الكثير من الطاقات والامكانيات!!!
هذه القوة حطمت قطاع الصناعة الحكومي وتركته نهبة للإهمال وضيعت على البلد مليارات الدولارات وفرص عمل هائلة وخبرات سنين.
وقد تكلمنا عن ذلك في دراسة مفصلة سابقاً بعنوان “حقائق عن الاتصالات في العراق” وفي مقال بعنوان “الخصخصة السياسية في العراق” قبل سنين.
هذه القوة حطمت قطاع الزراعة في العراق وصارت السلطة على المائدة العراقية تستورد من اربع دول على حد تعبير أحدهم!!!
وهذا ما تكلمنا عنه في مقال “أرض السواد هل ستفقد سوادها” ومقال “بلد الرافدين يعاني العطش”
وغير ذلك من الامثلة.
إنها قوة العولمة بذراعيها منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي التي تشترط جملة من الشروط على أي بلد ينضم لها تكون محطمة لاقتصاده في الغالب الا اذا كان البلد محكوماً من نخبة واعية ويفرض شروطه الخاصة أو لا ينضم لهما أصلاً ولا يخضع لهما وهذا السبب هو الذي قاد بلد مثل روسيا إلى التريث لسنين والخوض في جولات حوار طويلة قبل اتخاذ القرار بالدخول وهي البلد القوي اقتصادياً وسياسياً!!
وهذا السبب هو الذي يحرك الاف المتظاهرين ضد هاتين المؤسستين في انحاء مختلفة من العالم.
ولو أردنا أن نضرب أمثلة لضحايا العولمة لطال بنا المقام بدءاً من البرازيل صاحبة الازدهار الاقتصادي في ثمانينيات القرن الماضي والارجنتين التي حدثت فيها ثورة الجياع وغير ذلك من الامثلة.
فإلغاء البطاقة التموينية ليس السبب فيه وجود فساد فيها-رغم وجوده فعلاً- ولا توفير مبالغ للحكومة لتنفيذ المشاريع ولا الكف عن تدليل الشعب العراقي!!!
وانما هو تنفيذ لشروط البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تقضي برفع الدعم عن السلع الاساسية أو بتعبير آخر هو خضوع للعولمة !!