19 ديسمبر، 2024 12:39 ص

إلتقاط تجليات مشهد اللحظة

إلتقاط تجليات مشهد اللحظة

لا ريب أن تجليات مشهد اللحظة،غالبا ما تكون فرصة مليئة بالتعابير،ومكتظة بالإيحاءات. لاسيما وان فرصة اللحظة، هي ومضة مشهد تنقدح بسرعة،لكنها سرعان ما تتخامد على عجل، وبالتالي تفوت فرصة الانتفاع من التمتع بها، والتفاعل مع جمالياتها، في اللحظة، ما لم ينثال الوجدان المرهف حسا مباشرا معها ، أو يبادر لتوثيقها صورة، في اللحظة.

وهكذا يلاحظ ان اقتناص لقطة فرصة اللحظة بالعدسة في حضن الطبيعة،بما هي حس وفن، ومهارة، انما تأتي بمثابة استيلاد نص سردي، أو إبداع نظم قصيدة تأمل صامتة،او رسم لوحة بريشة، تعكس بصدق صورة الحال في اللحظة ،وبذلك فأنها تمنح المشاهد المتأمل فيها مليا عندئذ،فرصة قراءتها بإحساس مرهف، نظما،او نثرا، او رسما،او حتى مجرد اندهاش وجداني عابر، تبعا لما تمليه عليه ذائقته، في اللحظة، من مشاعر ،وذلك هو حقا هو ما تثيره في المخيلة، تلك اللقطة من الأيحات الطافحة بالكثير من البواحات.

فعندما يهرب الانسان من مضايقة ضغوطات الحياة اليومية المثقلة بالتراكمات السلبية،ويلجأ الى فضاءات الطبيعة المفتوحة الافاق امامه ، لينفرد في جنباتها بخلوات تأمل وجدانية، يستفرغ من خلالها ارهاصات معاناته المرهقة،كلما سنحت له الفرصة بذلك، لكي يخفف من شدة وطأتها عن كاهله،فيركن الى الاضطجاع على جنبه مسترخيا عند حصى حافة شاطيء النهر، على سبيل المثال ، متكئا على مرفق يده مباشرة، ومن دون وسادة،ليمعن النظر في عناصر افاق الفضاء المبسوطة قبالته، متأملا روعة بهائها،فانه يبدو عندئذ، كأنه يسترجع ذكريات أمسه،من اخاديد ذاكرة، منهكة بإحساس موجع.

وما أن تنساب في مخياله المتعب،تلك الارهاصات المرهفة، متهدجة مع مجرى ماء النهر،ليتركها ترتحل بهدوء مع اسراب النوارس المرتحلة، هي الأخرى، الى ما وراء الشطآن البعيدة، كأنها تريد ان تتساكن هناك في ادغال الاوجاع المتناثرة عند حافات جزر الوجد، والوجع المزمن،بعد أن كانت تحز شغاف قلبه الحاضن لها في لحظة ما قبل تأمله الحالم عند حافة الشاطيء، حيث تنتابه عند ذاك ومضة شعور عارم بنشوة الخلاص، من إرهاصات تلك الأوجاع، ولو للحظات.

ومن هنا تأتي مهارة، وذائقة الإنسان صاحب الحس المرهف، الذي يستكشف بوجدانيته المتدفقة تجليات جماليات الأشياء، التي تتراءى له في اللحظة، فيبادر إلى تسليط عدسته عليها، ويسارع لاقتناص الفرصة بالتقاط صورة لها، قبل أن تتخامد او تتلاشى من أمام ناظريه، فترحل إلى الأبد، ليخسر بذلك، فرصة التقاط ملامح مشهد تلك اللحظة وتوثيقه بالصورة .