وطن لم يبقَ منه إلا اسمه يحمل بين حروفه الحمراء تاريخ عظيم وحضارة تنحني لها كل الحضارات، فعينه (ع) تبكي عليه دما عبيطا، وراؤه(ر) ينادي بصوت حزين: رحمة بعراق الحضارة والتاريخ والفضل، رحمة بعزيز الأوطان وسيدها، وقافه (ق) تصرخ بصوت تتصدع من شجوه الجبال الرواسي :
قِفا نبكي العراق كعبة البلدان جريحٌ أسيرٌ طعمة الحيتان.
أبناؤه بين قتل وجوع وحرمان، ونزوح وتهجير وترويع وإقصاء وتهميش وإذلال واحتقار واستخفاف، يعيش فيه ملايين العراقيين من النازحين غرباء، مواطنون بلا وطن، تركوا ديارهم قسرا هربا من بطش الوحشين الكاسرين، المليشيات وداعش، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يحرقهم لهيب الحر صيفاً، ويقرصهم زمهرير البرد شتاءً، مُنِعوا من الدخول إلى عاصمتهم بغداد أو غيرها من مدن ومحافظات العراق (لغير العراقيين)، إلا بكفيل… وكفلاء، ومن حصل على كفيل تنتظره المليشيات لتنال منه قتلا أو اختطافا أو اعتقالا أو ابتزازا أو إذلالا…
في المقابل نجد أبواب العراق مُفَتَّحة على مصراعيها أمام الإيرانيين (مدنيين، عسكريين، مليشيات، حرس ثوري، جنرالات، مرتزقة…والقائمة تطول)، وصار أيضا معرضاً لصور ملالي إيران وقاسم سليماني، وما حدث من دخول الملايين من الإيرانيين دون رقيب ولا حسيب ولا كفيل ولا هم يحزنون، يكشف مُجددا عن أن العراق للإيرانيين وليس للعراقيين، وحادثة اقتحام للمنافذ الحدودية يُخرس جميع الأصوات التي تتبجح بالسيادة، أو تتباكى عليها، من اجل إجهاض أي مشروع قد يكون فيه مصلحة للعراق كما حصل في قضية تسليح من يريد الدفاع عن نفسه وعرضه ووطنه وقتال داعش، من قبل أهلنا من أبناء السُنة حيث رفعت شماعة السيادة من قبل إيران وأدواتها ومرجعياتها الكهنوتية،
نعم لا وجود للسيادة في العراق، ولا حتى لونها أو طعمها أو رائحتها، وحتى قضية الاقتحام التي تحدث عنها الإعلام، فإنها ليست اقتحام بمعنى أنه حصل المنع فاقتحم الإيرانيون المنافذ، لأنه لا يجرؤ أي مسؤول في العراق أن يمنع إيراني من الدخول، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الحدود العراقية الإيرانية(مجازً) تُدار من قبل إيران، وهذا باعتراف حكومة المنطقة الخضراء (الإيرانية) بحجة الاتفاقية والتنسيق الذي حصل بين عراق ستان وإيران، فقضية الاقتحام مسرحية لحفظ ماء وجه الحكومة الآسن،
ومن هنا ندرك أهمية الدعوات والحلول المتكررة التي أطلقها المرجع العراقي الصرخي بضرورة حلّ مشكلة النازحين فضلا عن مواساته لهم عمليا، وكان آخرها وليست أخيرها ما صدر منه في بيانه الذي وجهه للسائرين إلى كربلاء تحت عنوان “ثورة الحسين …من أجل الأرامل واليتامى والفقراء والنازحين والمهجرين …” حيث قال:(( فهل خرجتم من اجل اصلاح حال اخوانكم واهليكم النازحين والمهجّرين وهل خرجتم من اجل اصلاح أحوال اهليكم من الارامل واليتامى الذين فقدوا الآباء والازواج والأبناء على يد الإرهاب التكفيري المليشياوي))، مُشددا أيضا على ضرورة أن يكون خروجهم من اجل إيقاف تدخلات دول الدول وعلى رأسها إيران المحتل الأخطر متسائلا: ((ـ وهل خرجتم من اجل القضاء على الفساد بتغيير الفاسدين ، وإيقاف الحروب والصراعات التي افتعلوها ، وكفّ تدخل الدول وصراعاتها وتصفية حساباتها في العراق… ،ـ فاذا لم تكونوا خرجتم من أجل ذلك فاعلموا اذن انكم تخرجون على نهج يزيد في الفساد والإفساد والخضوع والخنوع والذل والهوان)).