23 ديسمبر، 2024 5:06 ص

شيع إنه مهبول غير أن لديه من الذكاء والحكمة ما جعلت الناس تهابه وتخاف الإحتكاك به لإنهم بذلك سيفتحون باب نقد لاذع لا نهاية له، فقد جمع كل مسوغات وثيمات النقد حتى يصبها على آذان من لا يفقه سبب وجوده في الحياة، يعيش في قرية صغيرة نائية بعيدة عن ملوثات الحياة لكن بعض أهلها هم من أختاروا العيش بمعزل حبا في عدم مواجهة الحقائق التي عاثت في عقول سكان المدينة او القرى التي تلامست دون أن تمس جلد أحداث الصخب والسياسة ومنقوع العرق سوس، ذاك الذي إشتهرت به القرية فذاع صيتها ودلفت الأقدام والوجوه الغريبة تلفي إليها كل حاملا طموحات استحواذ… غير أن ذلك المهبول الذي يمسك بدلو البئر ليعب منه الى من يريد الماء… وهو يصيح إلا ربع لن أملأ جراركم او آوانيكم النحاسية الى قمة رأسها بل الى إلا ربعها… استغرب الوافدين الجدد من هذا الرجل!!! وأضحكم لكنهم لا يعلمون سر إلا ربع هذه حتى بعد أن سألوا ماذا يعني بها؟ فأهل القرية أجابوهم إنهم لا يعرفون السبب ولعل وجوده هنا منذ زمن بعيد وإعتيادهم عليه كان السبب في محاولة عدم معرفة ماذا يعني بذلك؟؟…
قطب حاجبيه وهو يرى هذه الوجوه الغريبة التي تخفي وراءها حقيقتها السوداء والنية المبيتة الغير ظاهرة لأهل القرية السذج الذين ما ان يرون الوافد يبتسم حتى تسارعوا على تلقفه بالترحاب ولفه وحفه بكل مغدقات الضيافة التي لم يسهموا بها او يمارسوها منذ زمن بعيد… لعل زمن العزلة الذي كانوا فيه قد فرجت أساريرهم وصارت قريتهم بوابة لبيع ما يجيدونه فهم كعرق السوس يعيشون على تربة خصبة لم تلوثها الحداثة التكنلوجية او نوايا السلطة، فما زالوا يحتفظون بعذرية ونقاء سريرتهم لم تلوثها جاهلية الحداثة بمستحضرات الهلوسة التي صارت في كل ركن وشارع وزقاق ومدينة… كما انهم كعرق سوسهم محبي العيش في الظل، حتى قريتهم كانت بعيدة عن عالم الخرائط السياسية والجغرافية وهذا ما أزعج المهبول من كثرة الوافدين، فعلى صوته إلا ربع نحن هنا نبيع كل شيء إلا ربع لا شيء يستوجب أن نعطيكم أكثر من حقكم فأنتم يا وافدين القرية من الزواحف المفترسة تبكون بدموع التماسيح، تضحكون عن تكشيرة بأنياب ذئاب لا هَمَّ لكم سوى المال والسيطرة وقتل الابرياء… إني ألوم نفسي أولا لأني من شجعت على زراعة عرق السوق وحسبته لأهل القرية شرابا عذبا طيبا، علمتهم زراعته لكني أبدا لم اتصور أن اكون السبب في جلب وجوهكم إلى القرية، لعلي حين فعلت ذلك كنت بعيدا عنهم وربما حظوا بسامري سول لهم فأطاعوه ونال منهم أو ربما هناك من أثرى وفسد فحق عليه وعليهم العذاب وهو لا يعلم او يعلم ولا يظهر أن العذاب سيشمل الجميع… وها انا أرى وجوه فار التنور عنها ولبست أردية الشياطين… إلا ربع أقسم أني سأعاملكم بإلا ربع هذه فأنتم يا من تجمعتم حول هذا البئر الذي ماءه عذب فجاج رغبة بالإستحواذ عليه لكن إقسم لكم مجددا أني لن أمكنكم منه…
هيا خذوا ما جئتم من اجله وارحلوا فما عادت القرية تتحمل وقع أحذيتكم التي غرستموها بمستنقعات أطماعكم وبررتهم أنكم سرتم لنيل حرية وتكسير قيود مع علمكم انكم جلبتم قيود اشد ورعاع قوم دربتموهم مثل كلاب الدوبرمان على نهش ما لا تستطيعون السيطرة عليه بعد ان ألبستموهم لحى و وجوه رجالات تدين سخط الله عليهم جميعا دون إلا ربع التي اؤمن بها… فعالمنا الى ضياع إلا ربع، وعالمكم الى الزوال إلا ربع منه وهذه القرية في حكم عقلي ومعرفتي سيطالها الخراب إلا ربع منها … لا حول ولا قوة إلا بالله!!
إني أرى رجال من أهل القرية ما ان عاشروكم لفترة من الزمن حتى لبسوا وجوها مستعارة، فالطهارة لوثت والأمانة سحقت والغيرة بيعت والدياثة شاعت أكلوا الحرام فصار ماءهم غورا وأعني بذلك أن الدم الذي يسري في أجسادهم قد تلوث كمن أصابه مرض فقر الدم فمهما أغتنى أحدهم إلا أنه مصاب بالفقر، فالغنى يا سادة وانت تعرفون ذلك هو غنى النفس… لكني عن أي نفس أتحدث تلك أمرت بالسوء، أم تلك اللوامة فالمطمئنة قد فارقت الجسد… هيا تعالوا خذوا ما لا يمكنني ردكم عنه ولكن إلا الربع، فلا يمكنكم النيل منه إنه البطانة الحقيقة لعدالة السماء في هذا العالم، لا أعتقد انكم ستتجرؤن على النيل منه وإن فعل الكثير منكم وطارح الشيطان وأخصي كما الإخشيدي حتى ينال عرش الدنيا، عالمكم وإنتم المخصون فيه رغم سحنتكم البيضاء لا السوداء، ولعلي حين أقول سوداء لا انتقص ممن منحهم الله تلك البشرة إنما عنيت العبودية فقد جرتكم الحداثة الى صناعة جديدة بعد ان ادخلتم الى مصحات أخصوكم فيها وزرعوا فيكم المقت وحب السلطة ومن ثم اطلقوكم كذئاب ليل جماعات جماعات، فما الإخشيدي ببعيد، فمن منكم لا يعرف سيرته؟ ونسي أن العالم لا ينسى والناس مثل الآيات يداولهم الخالق كيفما يشاء، سيفنى العالم بأجمعه إلا ربع منه، ستمتلئ الجنه إلا ربع منها وستمتلئ جهنم إلا ربع منها، فما زال هناك زنادقة وما زال هناك نماريد وما زال هناك إبرهة الأشرم ولا زال الكثير الكثير يبحث عن نبتة الخلود مثل كلكامش او هكذا حسبتم ان عرق السوس هذه هي نبتة الخلود التي تفيض عليكم بما رحبت أنفسكم المريضة… سيطالكم الموت، سيتمثل لكم العجل الذي صنعتم، ستتراشق عليكم أحجار السجيل من طيور تسحبونها حمام سلام… إن أرضكم التي أفسدتم ضاعت وها انتم ستفسدون القرية التي حلم بها إفلاطون، والغريب!! أن لا رب يستجيب لدعاء ولا رجل مخلص يظهر..
لقد أمسكت بالدلو وكان القصد أن أٌقَسِمَ بين الناس بالعدل، لكني أخطأت رغم حرصي على ذلك الربع الذي عنيت أن يكون لوقت عوز… نسيت أني كنت أروج الى النيل من القرية… صدقوني لقد كانت نيتي سليمة غير أني نسيت أنني أعيش في عالم مجرد من الإنسانية غايته النفوذ والسيطرة، نسيت أننا مِلل مختلفة كل ملة تحمل أسرارها وشياطينها… نسيت أني حملت بطود النجاة الذي أؤمن من كل زوجين إثنين… ونسيت نفسي في خضم الطوفان الذي لا قدرة لي عليه، لكني أبشركم بأني سأفعل ما لم أفعله منذ زمن بعيد، سأترك لكم هذا الحبل على الغارب، تفعلون به ما يحلوا لكم إلا هذا الربع الذي ساقطعه حتى يسقط الدلو في بئر لن تصلوا عمقه ابدا، سأعمل على ردمه الى الابد، ولا أظن أن احدا يلومني على فعلتي فأنا رجل مهبول في زمن الشياطين.