في بداية تسعينات القرن الماضي وبعد فشل المباحثات بين الحكومة المركزية في بغداد وقيادات الحركة القومية الكُردية في أقليم كُردستان العراق ‘ كتب أحد الزملاء الصحفيين مقالاً مطولاً اتهم من خلاله كل إلانتفاضات القومية الكُردية في أقليم كل البلدان التى تم تقسيم أرض كُردستان بينهم (إيران والعراق وتركيا ) عموماً والعراق على وجه الخصوص ‘ بإنها قامت بدعم وتحريض الغرب و بالتحديد بتحريض والرعاية البريطانية إلى ستينات القرن الماضي والمخابرات الامريكية بعد ذلك وكان ( طبعاً حسب رأى الكاتب) الهدف من ذلك إبعاد العراق عن : أولاَ محيطه العربي وبالتالي عن النضال الوحدوي و العمل من أجل تحرير فلسطين …! وكتبت رداً على الموضوع نشر في نفس الصحيفة ‘ ليس فقط من أجل تفنيد هذا التقييم النابع من الفكر الضيق تجاه نضال قومية تمتلك كل مستلزمات الوجود القومي المشروع (اللغة والآرض و التأريخ ) ولها حق الدفاع عنها لأن هذا تحصيل حاصل ‘ بل النقطة المهمة في ردي تركز على إستغرابي من أن نجد بين الكتاب والصحفيين من يدعي الوطنية والفهم العصري النظر إلى مشروعية النضال ضد الظلم والإظطهاد بجميع أشكاله خصوصاً إذا الكاتب والصحفي منتمي إلى أمة وشعب عانى ألامرين من خبث النخبة الغربيين ‘ كيف يسمحون لأنفسهم يروجون من حيث لايعلمون ( مع إني أشك ولا يزال أنهم لايعلمون ! ) لتوجهات هؤلاء الخبثاء المبني على أساس منظم ومدروس يهدف إلى التشكيك بمشروعية وإستقلالية إختيارات الشعوب (في منطقة الشرق الأوسط ) من أجل تحقيق حقوقهم ويروجون لفكرة أن لاحرية للكُرد إلا على حساب ( إجهاض طموحات العرب !) ولا ضمان لحرية أماغازيين في المغرب العربي إلا على حساب وحدة المغاربه في وجودهم القومى وحتى الدينى… وهكذا..! ؟ هل من المعقول وبعد مرور كل التجارب المرة في المنطقة ‘ لم يفهم نخبتنا الاذكياء أن الغرب دخل على منطقتنا رافعاً شعار (فرق تسد !) …لنتخيل أن إستغلال إلانتفاضات الكُردية من قبل الجهات الغربية صحيحة كأحد مستلزمات السير بنجاح على طريق فرض الهيمنة على المنطقة ‘ إليس مطلوب من العقلاء المتنفذين في المنطقة سد هذا الطريق أمامهم عن طريق إلاستجابة للطموحات الكُردية المشروعة ؟ أم ينتظرون أن يتخلى الكُرد وكافة ألاجناس وألاصول الأخرى في المنطقة ويتخلون عن كافة حقوقهم ويرضون بتهميش وجودهم ‘ حتى لايتهمون من قبل النخبة المتنفذة في المنطقة بأنهم مدفوعين من الغرب ؟ وذكرتُ الكاتب بـ ( لعبة الامم ) تلك الخطة التي تم الترويج لها في نهاية الخمسينات ‘ عندما بدءت بوادر إرادات الإستقلالية في المنطقة ‘ من أجل بث روح التشكيك بتلكَ البوادر من جانب دعوتهم لفرض إستقلالية القرارالوطني …تذكرةُ هذا الموضوع بعد إطلاعي على كتاب ( لعبة الشيطان !) لمؤلفه ( روبرت درايفوس ) يشرح لنا بتفصيلٍ (غير ممل !) كيف أن المنطقة وأهلها المساكين لم يعرفوا يوماَ السياسة وماكانو مطلعين على أصول المعرفة بين الدين والسياسة ‘ فتكرمت الولايات المتحدة الأمريكية بتصديركل ذلك لهم في علب ملونة والكتاب يتألف من تسعة فصول ‘ ولكن ‘ أن النخبة المتنفذة في الإدارة الامريكية عندما تفاجأت بأحداث 11أيلول (سبتمبر) شعرت بالندم لأنها ساعدت الإسلام والمسلمين و أنقذتهم من شر إلاتحاد السوفيتي الذي كان ينشر إلحاد بين العباد…!! المضمون والهدف من الكتاب ‘ هو نفس الهدف للنشر والترويج لـ (لعبة الأمم) حيث كان المطلوب أمريكياً اساء إلى ظهور التيارات الوطنية المستقلة المتوجهة إلى التغيير والبناء وزرع أفكار الشك والريبة بين الناس من نظافة افكار قادة هذه التيارات بقول : أنهم صنيعة الغرب ولكن يريدون التمرد عليهم من خلال إلادعاءات الوطنية والإستقلال ..! فالكتاب يريد أن يقول للعالم : أن النخبة المتنفذة في الإدارة الأمريكية كانوا مساكين و لم تَكن تعلم أنها تدعم الملالي والايات الراديكاليون الذين ينتشرون الأن في العالم في اطلاق الوعود الصاخبة ‘ ضد الولايات المتحدة الامريكية….ولكن و منذ 11 ايلول فجأة عندما اكتشف ان هؤلاء ضد حرية الفكر وعلمانية العلوم والقومية واليسار وضد المراة !! هكذا تريد هذه النخبة و بـ(جرة قلم) كما يقولون في العراق أن ينسى العالم أنهم في الحقيقة ومنذ ست عقود ولا يزال ‘ مع تغييرات طفيفة في الاسلوب ‘ وهم (ولايزالوا ) يصيبون عصفورين بحجر واحد : (تشويه الخط الإسلامي الحقيقي كما مطروح في الرسالة و نهج نبى الاسلام ‘وهم وفي بداية الثورة الإيرانية كانوا يروجون لخميني بأنه شخصية حميدة وغير خطرة – كما يعترف مؤلف الكتاب – وتحقيق طموحات النخبة الغربية في الهيمنة بأقل خسارة مباشرة لمركز القرار الغربي اعتمدوا على هؤلاء لفرض هيمنتهم في الشرق الأوسط وجنوب أسيا وشمال أفريقا ‘ وكأنه المطلوب من العالم أن تنظر إلى كل ماحصل ويحصل ‘ نظرةَ الاميين الذين لايرون إلا مايكون امامهم في لحظتها ‘ وعلى العالم أن تنسى بأن تأريخ الإدارة الأمريكية تقول أن في اهم إلانعطافات الحادة لمسيرتها ‘ كانت يقودها التيار اليميني المتطرف ودائمة البحث عن حلفاء من نفس الإتجاه ‘ فهم اعتمدوا على هؤلاء لطرد السوفييت عن افغانستان ‘ هؤلاء لانهم كانو مدعومين من اليمين المسيحي في مركز القرار في واشنطن بحثوا عن كل نموذج يلتقي معهم في الهدم لمحاربة كل صعود يبحث عن بناء انسان يفهم الصدق الاستقلال والحرية ‘ ولكن الكتاب لايعترف بهذه الحقيقة ‘ بل يعتبرها من أسباب (جهل النخبة الأمريكية المسكينة !) وسوء إستخدام القوة العسكرية في مجالات الصراعات مع فاعل منفرد – ابن لادن مثلا !!- وليس دولة …!! وتورطها في ذلك التحالف مع تيارات إسلامية متطرفة !وتعاطف معهم ! محاولاً تجاوز الوقائع الذي أدى (ولايزال ) يؤدي إلى تحالف اليمين الإسلامي المتطرف مع جناح اليمين من صناع إستراتيجية سياسة النخبة الأمريكية بشكل وثيق ومتقن … متجاهلاً تأريخ واقع النهضة الإسلامية الحقيقية التي واجهت في كثير من المراحل مخططات رهيبة من خلال التغلغل إلى داخلها ليفتحو منفذاً لتحريفها من الداخل كما واجهت الاديان السماوية الآخرى هكذا مخطط ‘ كتاب لايعترف أن نخبة فكر الهيمنة في إلادارات الأمريكية بعد قراءة التأريخ والتعاون مع قوى الهيمنة الغربية الاخرى وجدت في التطرف الإسلامي منحرف عن النهج الإسلامي الصادق شريكا مناسبا خلال مراحل مشروع بناء الامبراطورية الامريكية في الشرق الاوسط ‘ سواء بداية دخولها المنطقة او عدوانها العسكري التدريجي او توسيع حضورها العسكري ميدانيا او في نهاية المطاف ظهورها كجيش احتلال للعراق وافغانستان ‘ هكذا أن هذا الكتاب ‘ مثله (لعبة الامم ) في الهدف والنتيجة يريد نشر الشك والقلق تجاه إختيارات الانسان الشرقي عموماً والإسلامي على وجه الخصوص في التعامل مع الإسلام والرسالة والدين كالشك الذي روج له الكتاب لعبة الامم تجاه التيارات الوطنية الهادفة للتغيير والبناء بالإرادات الوطنية المستقلة بعيدة عن الهيمنة الخارجة الفكر و طموحات الناس و الاوطان في المنطقة .