لا شيء يمكن أن يؤكد فكرة «العالم قرية صغيرة» فعلياً على واقع الحياة مثلما يمكن لمعرض إكسبو أن يفعل، صحيح أن خدمات التكنولوجيا والاتصالات قد قطعت شوطاً عظيماً في تحقيق تلك الفكرة إلا أن هذه التكنولوجيا وتلك الخدمات التي تقدمها وسائل الاتصالات الحديثة لم تكن لتوجد لولا معرض إكسبو الذي عرضت فيه أول الابتكارات في مجال التكنولوجيا والاتصالات.
إن القول بأن معرض إكسبو هو البوابة العالمية للعصر الحديث ليس في شيء من المبالغة، بل إن تنظيمه كل خمسة أعوام منذ 1995م فيه ما يمكن أن يخبرنا بقصة الحضارة الإنسانية الحديثة وربما أكثر من ذلك، وما من دولة أقيم فيها معرض إكسبو منذ تنظيمه رسمياً لأول مرة في المملكة المتحدة 1850م، إلا وصارت من أهم وأقوى الدول التي يشار إليها في مسألة التطور والنماء الاقتصادي، وكما رأينا حال اقتصاد إيطاليا الذي كان على شفا حفرة من الانهيار والهلاك فأنقذها اختيارها لتنظيم معرض إكسبو عام 2015م في مدينة ميلانو واستطاع إكسبو في إنعاش اقتصادها أكثر مما توقعت إيطاليا نفسها.
اليوم وعلى مرأى ومسمع من العالم يسمح للعرب الإدلاء بدلوهم في صناعة الحضارة الإنسانية، فبعد اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة وتحديداً إمارة دبي لتنظيم معرض إكسبو 2020 والعمل في التجهيزات لهذا الحدث الأهم في تاريخ الاقتصاد العربي والشرق الأوسط جارٍ وعلى قدمٍ وساق لتصبح مدينة دبي من خلاله المحجة الاقتصادية للعالم وبوابته إلى العصر الحديث.
اختارت دبي عنوان معرض إكسبو 2020 الذي تنظمه بـ«تواصل العقول، وصنع المستقبل» ويمكن أن نستشف من خلال هذا العنوان ما تنويه دبي بالفعل وتعتزمه من تنظيمها لهذه الفعالية وهو أن المعرض سيشكل هذه المرة منصة استثنائية تتيح للمجتمع العالمي التعاون معاً لاكتشاف الحلول المبتكرة والرائدة للمواضيع الفرعية الثلاثة التي تم تحديدها كعوامل رئيسية للتنمية العالمية، وهي الاستدامة كمصادر دائمة للطاقة والمياه، والتنقل من خلال أنظمة جديدة للنقل والخدمات اللوجستية، والفرص من خلال سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة لجميع الناس في مختلف أنحاء العالم. كما سيتم التركيز على اكتشاف سبل الترابط وتحديد الشراكات المحتملة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج إرث من الابتكارات الجديدة.
إن الجدوى المرجوة من إكسبو 2020 دبي ليست فقط في أنه سيمثل حافزاً قوياً لعملية التحول الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وعما ينجم عنه من تركات قيمة للمدينة المضيفة والبلد المضيف، إننا يجب أن نذهب إلى أبعد من هذا في تفكيرنا فطالما أننا صادقنا على أن العالم بات قرية صغيرة فليكن حل مشاكله الاقتصادية إذاً على ذات النسق لتلك القرية، ولتكن الجدوى من معرض إكسبو 2020 دبي ليس فقط انتعاش هذه المدينة وما حولها ولكن لتكن مدينة دبي بوابةً لإنعاش الاقتصاد العالمي وولوج العصر الجديد لما بعد جائحة كورونا التي تسببت في إنهاك كل بقعة في هذا العالم، ثم ليأتي من بعد تلك الأولوية ما يمكن صياغته من أهداف أخرى ليست لها ذلك القدر من الأولوية في القائمة، لتمثل إمارة دبي للعالم بعد ذلك ما تمثله اقتصادياً لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتنتقل إلى مكانة تصدرها عالمياً هذه المرة.
يمكن الإشارة في ختام هذا المقال إلى تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على أن معرض إكسبو 2020 دبي يمثل أكثر مما ذكرناه بالفعل في مقالنا حيث تم تسخير ما يصل إلى 300 مليار في سبيل الارتقاء بالاقتصاد الصناعي وأن هناك فيلقاً مكوناً من خمسين ألف موظف وثلاثين ألف متطوع أنا واحدة منهم يعملون بلا كلل أو ملل في التحضير لفعالية إكسبو 2020 دبي وبإشراف من القيادة العليا استعداداً لدخول دبي والإمارات إلى التاريخ من بوابته الاقتصادية دخول الفاتحين المنتصرين الحاملين لراية القيادة. وللحديث بقية.
* خبيرة اقتصاد معرفي