18 نوفمبر، 2024 12:32 ص
Search
Close this search box.

إقليم كوردستان ورسم المصائر في العراق الفدرالي

إقليم كوردستان ورسم المصائر في العراق الفدرالي

ما يشهده العراق من التحولات و الصيرورات، مع خروج الفاعل العسكري الأمريكي، ينال من مصداقية المشاريع السياسية بقدر ما يطال الدور الذي يضطلع به السياسيون والأحزاب العراقية في صنع المستقبل و رسم المصائر في هذا البلد.
هل يستمر أصحاب الشأن السياسي في العمل بعقلية الطوبی والاستلاب و إتقان لغة الشكوی والإدانة، لكي ينتجوا المآزق ويحصدوا الخيبة و الإخفاق، أم ينخرطون في صنع إمكانات تسفر، بتوجهاتها الموضوعية و سياساتها المعرفية، عن ميلاد خارطة سياسية جديدة أو صوغ قيم مغايرة للتعايش والتواصل بين الكيانات المختلفة في العراق أو افتتاح مجالات مثمرة للعمل في سبيل الاتحاد الطوعي و الديمقراطية الجذرية؟
في أي حال ما نشهده من تغييرات في منظومات الفكر السياسي وأنماط التعامل مع الأحداث و النماذج التي تقدم في سبيل العيش المشترك، يضع موضع السؤال الأنساق السياسية و النماذج السلطوية، بقدر ما يصدع شبكة العلاقات التي ينسجها الأطراف الكوردستانية مع الجهات والمؤسسات السلطوية الفاعلة في العملية السياسية في العراق.
المفردات التي تحفل بها خطابات الذين يتصدرون واجهة السلطة و المشروعيات السياسية تولّد لدی المواطن وعياً حاداً بتفاقم المشكلة و استحكام الأزمة و تحيل العلاقات بالهويات والأفكار الی سجون و معسكرات و تحّول العلاقات بالأحداث والوقائع إلی أفخاخ و مطبات.
إن مآزق السياسة هي الوجه الآخر لمآزق الصيغ الوجودية و المشاريع الحضارية أو لأزمات الهويات الثقافية والمجتمعية. ها هنا مكمن العلة لا في مكان آخر وإن تحليل العوائق السياسية هو تعرية لآليات العجز و إجتراح للإمكان، فالإنشداد الی الوراء لا ينفع الحاضر والراهن أو المستقبل و كذلك القفز فوق الأحداث و نفي المتغييرات. 
ماالنفع من نشر الحلم الوحدوي الكبير و دعم المشاريع الشمولية في العراق و رفع شعار: “أنا قوموي عروبي أو وحدوي إسلامي، إذن أنا موجود”، و حيث المواطنون يتحولون الی قطعان أو إلی مواضيع والآت، إنها أمبريالية المبدأ الواحد و فاشية العقيدة المغلقة وإرهاب القضية المقدسة، و ذلك يترجم خواء في المعنی وفقراً في الوجود. السؤال سوف يكون، أين دور المواطن في المجتمع المدني والدولة الفدرالية الذي نحن ندعي بنيانه؟ 
صحيح بأن مستقبل العراق بيد العراقيين و أن تقسيم العراق صار الهمس الذي بات ضجيجاً و هاجساً يزعج دول الجوار، لكنه خيار دستوري لاعلاقة له بالتدخل الخارجي، فهو، إن أردنا أن نكون موضوعياً في حكمنا، مع هذه التغييرات والصيرورات واقع لا محالة، فهو حصاد لسنوات من التأجيج والتثقيف الطائفي والعرقي.
عليه وسط الإخفاقات المتلاحقة، لدی المهتمين بالأزمة السياسية في العراق کسر الأصنام الفكرية و إخضاع مكونات الهوية السياسية للنقد والتفكيك، لکي يتمكنوا من إيجاد مخارج للمآزق الكيانية الحاضرة.
ليست المسألة مسألة الحفاظ علی وحدة العراق من التقسيم أو مسألة معرفة الثابت من المتحول بعد كل هذا الدمار وكل هذا القتل والتذبيح و الحروب المتكررة، التي لم تقدم حلاً لأية مشكلة في التاريخ، بقدر ما هي مسألة القدرة علی صوغ الحياة في هذه البقعة من الأرض من جديد بتغيير علاقاتنا بمعنی الوطن والحقيقة أو الذات و الغير، عبر إبتكار نماذج للسلطة والتشريعات والمنظومات التي تتيح لنا ممارسة وجودنا كمواطنين إيجابيين علی سبيل الاستحقاق والإزدهار.
أما الكوردستانيون، رغم كل الاعتداءات والقتل الذي قامت به الانظمة المتتابعة من زمن النظام الملكي الى زمن الانقلاب العسكري الذي قام به الزعيم عبد الكريم قاسم وحكم الاخوين عارف الى الحقبة السوداء التي حكمت العراق في زمن احمد حسن البكر التكريتي وصدام حسين التكريتي ضدهم و رغم الهجمات المتتالية على جبالهم ومدنهم وقراهم وحرق الغابات وإهانة المواطن الكوردستاني وتسفيره وترحيله خارج الحدود إضافة الى المقابر الجماعية التي طمرت في طياتها أكثر من 200 الف إنسان مسالم، رغم كل ذلك لم يشن شعب كوردستان اية هجمات انتقامية على المدن العربية او يتهموا العرب العراقيين بما جرى لهم وانما كان الاتهام موجهاً الى الحكومات التي حكمت بالحديد والنار.
شعب كوردستان اليوم لن يكونوا عامل تقسيم للعراق ومصلحتهم تكمن في نهوض هذه الدولة، وهذا ما دفع برئيس الجمهورية أن يبذل جهود كبيرة في سبيل تفعيل آليات التقارب والرؤى “المشتركة” بين الأضداد “دولة القانون” و “القائمة العراقية”.
المجتمع الذي يمتلك حريته و استقلاليته تجاه القوی التي يمکن أن تقهره أو تتفوق عليه، هو القادر علی تخيل أهدافه وإبداع ذاته بإنتاج القيم والمفاهيم والقوی والمؤسسات والآليات التي تتيح له ممارسة حيويته السياسية، بقدر ما تتيح له توسيع مساحة الحريات والحقوق المدنية للأفراد والجماعات. هذا هو شأن المجتمع الكوردستاني.
وختاماً: “لا يمكن لمن لا يستطيع التشريع لواقعه أن يصنع حياة أو نمواً أو إزدهاراً.”
[email protected]

أحدث المقالات