يوم بعد آخر تبرز ألاهمية الجيواستراتيجية لموقع إقليم كردستان في المنطقة وخاصة اذا علمنا انه يعوم على بحر من النفط والغاز الطبيعي ويتحكم بنسبة 3% من احتياطي الغاز في العالم وفق ما ذكرته بيانات وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم ، وتخمن تلك النسبة ب(75)ترليون قدم مكعب بحسب شركة دانة غاز الإماراتية التي تقوم بمهمة التنقيب واستخراج النفط والغاز في الإقليم وهي اكثر من نسبة (النرويج 61، ليبيا 51، آذربيجان 47، هولندا 23) ترليون قَدَم مكعب من احتياطي الغاز وفقاً لمعلومات عام 2017).
واذا كان الإقليم يمتلك كل هذه الثروات الطبيعية الهائلة في الوقت الذي تنذر الازمة الأوكرانية بحرب ضروس تشمل القارة الأوروبية بأكملها وفق ما هدد الرئيس الروسي “فلاديميربوتين” صراحة الدول الأوروبية “بانها “ستنجرّ إلى صراع عسكري إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو”وذلك بعد اجتماعه الأخير مع الرئيس الفرنسي”إيمانويل ماكرون” وهذا التصعيد الخطير قد يؤدي في النهاية الى وقف مشروع” نورد ستريم 2” العملاق الذي “ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق بخط انبوبي يصل طوله الى 1200 كيلومتر”، لذلك فمن الطبيعي ان تبحث أوروبا وتركيا عن بدائل أخرى للغاز الروسي وتتجه انظارها الى الاحتياطي الهائل للغاز الطبيعي الموجود في إقليم كردستان وفي حال حصول تدهور في الازمة وقامت أمريكا وألمجتمع الدولي بفرض عقوبات على روسيا ان أقدمت على غزو اوكرانيا ، فسيكون للإقليم دور كبير في امداد أوروبا بالغاز الطبيعي من خلال خط انابيب “نابوكو” الذي ينقل الغاز من الشرق الأوسط والبحر الأسود عبر تركيا الى أوروبا”.
وطبقا للدراسات المتخصصة بالطاقة فان غاز الإقليم وإسرائيل معا سيسد جزءا كبيرا من النقص الحاصل في الغاز الطبيعي في حال استغنت الدول الاوربية عن الغاز الروسي وكلما تصاعدت حدة التوتر بين الطرفين كلما ازدادت حاجة أوروبا الى الغاز الموجود في آبار إقليم كردستان وإسرائيل وانتعشت سوق الغاز واعادت بالنفع على البلدين ، طبقا للمثل الدارج “مصائب قوم عند قوم فوائد!”
ولا شك ان دعوة رئيس إقليم كردستان “نيجيرفان بارزاني” الى تركيا في 2/2/2022 واستقباله بحفاوة بالغة من قبل الرئيس “رجب طيب اردوغان” واطلاق صفة “الضيف الخاص” عليه (سيزورني يوم غد الجمعة ضيف خاص، وهو نيجيرفان بارزاني) لها صلة مباشرة بخطة نقل الغاز الى أوروبا عبر تركيا ضمن مشروع “نابوكو”وهذا ما صرح به الرئيس التركي للصحفيين عندما اعلن ” انه تباحث مع نيجيرفان بارزاني حول الغاز الطبيعي في إقليم كوردستان، وقال له الاخير انه سيتشاور بهذا الشأن مع الحكومة الاتحادية و أنه سيفعل كل ما في مقدوره”.
الحقيقة ان اللقاء السريع والمقتضب بين اردوغان ونيجيرفان لم يأت عفويا بل مهيأ له وفق خطة مدروسة لعقد اتفاقية مشتركة لامداد تركيا بالغاز شبيهة بالاتفاقية النفطية طويلة الامد التي ابرمت بين الرجلين عام 2013 ، فالعلاقة التجارية بين تركيا وإقليم كردستان في ظل ترؤوس نيجيرفان بارزاني للحكومة الكردية لمدة 17 عاما بلغت اوجها ( الحجم التجاري بين البلدين وصل الى 12 مليار دولار في يوم من الأيام ) ولدى نيجيرفان تجربة والمام واسعين بالاستثمار وجلب الشركات الأجنبية الى الإقليم من خلال وضعه قانون “الاستثمار” الذي اقره البرلمان عام 2006 الامر الذي أدى الى تدفق الشركات الأجنبية التركية بشكل خاص الى الإقليم ويحاول دائما ان يربط أسواق تركيا باسواق العراق من خلال إقليم كردستان ويؤكد ان “طريق التجارة التركية الى السوق العراقية يمر بالاقليم”.