19 ديسمبر، 2024 2:10 م

إقرار قانون النفط والغاز حماية لحقوق كل العراقيين  … فعجلوا في إقراره

إقرار قانون النفط والغاز حماية لحقوق كل العراقيين  … فعجلوا في إقراره

لقد جعل المشرع في الدستور العراقي بعض الإختصاصات مشتركة بين السلطات الإتحادية وسلطات الأقاليم والتي أراد أن يجعل ممارستها بالتعاون مع السلطات الاتحادية وأبرز مثال على هذه الإختصاصات المشتركة أدارة ملف النفط والغاز في العراق الذي أصبح اليوم إحدى المشاكل المستعصية بين إقليم كردستان والمركز .
فقد نصت المادة (111) من الدستور على ما يأتي (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) .
وهذا يعني أن هذه الثروة المهمة تكون ملكية جماعية لكافة أفراد الشعب العراقي بدون تمايز بين الأقاليم التي يوجد فيها أو تلك التي لا تحتوي على النفط ، وهذه الملكية الجماعية تستوجب أيضاً التعاون بين سلطة المركز وسلطة الإقليم المنتجة للنفط وهو ما تضمنته المادة (112) من الدستور التي نصت على ما يلي (تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون) .
كما نصت الفقرة ثانياً من المادة نفسها: (تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار) .
ومن جمع الفقرتين السابقتين نثبت الملاحظات الآتية:
·        يفهم من هاتين الفقرتين بشكلهما الحالي أن الاختصاص المشترك بين السلطة المركزية وسلطة الأقاليم فيما يتعلق بإدارة النفط والغاز في الحقول الحالية هو إختصاص زمني مؤقت يرتبط بما يستخرج من الحقول الحالية وينتهي بانتهاء هذه الحقول أما بالنسبة للحقول المستقبلية المكتشفة أو التي سيتم اكتشافها لاحقاً فإننا لا نجد نصاً صريحاً أو إشارة واضحة تنظم ذلك ، ولذلك فسرها الأخوة في الإقليم على  أن إدارتها تكون من اختصاص سلطات الأقاليم وتنفرد فيه دون أن يكون للسلطات الاتحادية أي تدخل فيه ، إذ تم الاعتقاد بأن إدارتها وملكيتها أيضاً واستيفاء ما يتحصل منها يعدُّ من واردات الإقليم فقط والواقع أن هذا الفهم غير صحيح إذ أن ملكية النفط هي ملكية جماعية للشعب بأكمله كما نصت على ذلك المادة (111) والواردات سواء المتأتية من الحقول الحالية أو المستقبلية فإنها توزع بحسب التوزيع السكاني للمحافظات والأقاليم وبموجب قانون يسن لذلك وإن انفراد أي إقليم بإدارة أو ملكية أي حقل نفطي يوجد في الإقليم أو عقد الاتفاقيات بشأنه بصورة منفردة يعارض الدستور العراقي ويعد باطلاً.
·        نجد أن فقرة مهمة من المادة في أعلاه قد ذكرت أنه يجب أن تحدد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة أو التي حرمت من هذه الثروة بصورة مجحفة من قبل النظام السابق كاستثناء فيما يتعلق بتوزيع واردات النفط وهذا الأمر يعود إلى الظروف المحيطة بالعراق عند صياغة الدستور إذ عانت محافظات وسط وجنوب العراق من ظلم واضح من قبل النظام البعثي السابق في جميع المجالات وبخاصة الاقتصادية منها على الرغم من أن أغلب الحقول النفطية في العراق موجودة في تلك المحافظات ، (باستثناء الحقول النفطية المكتشفة بعد سقوط النظام وبخاصة في إقليم كردستان) لذلك فإن رغبة من المشرّع من أجل ضمان النهوض بواقع هذه المناطق التي عانت من التهميش والخراب فقد تم تضمين الدستور بنص على أن يكون لها حصة محددة كاستثناء من النسبة السكانية لها ومن أجل تحقيق عملية التوازن الاقتصادي بين المحافظات والأقاليم.
·        أما بالنسبة للفقرة الثانية فهي تتعلق بالسياسات الاستراتيجية لتطوير النفط والغاز إذ أنها تكون مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطة الأقاليم ولمدة غير محددة وغير مقيدة بحقول حالية أو مستقبلية بل أنها تتعلق بثروة النفط والغاز بأكملها بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي.
وكان المشرع العراقي واضحا في تنظيم اختصاصات سلطات الأقاليم من أجل أن لايتم تفسير فقرة من فقرات الدستور على وفق هوى أحد ، فقد بيّن الدستور بأن كل ما لا يدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية والتي حددتها المادة (110) فإنه يكون من اختصاص الأقاليم بموجب نص المادة (115) وكما يأتي: (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما)
ونسجل هنا ملاحظتين مهمتين  جداً :
·        الأولى : أن المشرع حدد بدقة الإختصاصات أو الفلك الذي يسمح للإقليم الدوران فيه عندما نصّ (كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية) أي إنّ ماورد فيه نص دستوري فليس لسلطات الإقليم الحق في أن تتصرف فيه على وفق هواها وتفسيراتها .
·         الثانية : إن توزيع الاختصاصات في الدستور العراقي اتسم بتوسيع اختصاصات الأقاليم والمحافظات ، رغبة من المشرع الدستوري في اعطاء الأقاليم دوراً أكبر في تحقيق مصالحها ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لمرافقها لذلك أعطاها دوراً أكبر في ممارسة السلطات الممنوحة لها إلاّ أن المحافظات لم تستفد من هذا النص بقدر ما أفاد منه الأخوة الكرد في إقليم كردستان العراق ، بل إنّ سلطات الإقليم وفي ظروف عجز البرلمان العراقي عن إقرار قانون النفط والغاز بدأت تتمدد على حساب حقوق كل أبناء الشعب العراقي عندما بدأت تفسر نصوص الدستور على هواها على الرغم من أنّ هذه النصوص واضحة لاتقبل اللبس .
وبموجب هاتين الملاحظتين فإننا نعتقد إنّ عملية تصدير النفط من أراضي الإقليم من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية هو ( سرقة ) من حقوق كل العراقيين ، وإذا كانت حجة أصحاب القرار في الإقليم عدم وجود قانون ينظم العلاقة بين الإقليم والمركز في هذا الشأن المهم ، فقد قصرت الحكومة المركزية عندما لم تحتكم إلى نصوص الدستور الواضحة بإحالة الأمر برمته إلى المحكمة الإتحادية للفصل فيه ، وقصرت الحكومة المركزية والبرلمان العراقي أيضا عندما عجزتا عن إقرار قانون النفط والغاز لكي لاتسرق حقوق أبناء الشعب العراقي ، إذ أنّ لكل فرد من أفراد هذا الشعب المسكين حق في كل نقطة نفط صدرها الإقليم من دون علم الحكومة المركزية .
كلمة أخيرة ونحن ننتظر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة مهما كان لونها ومن أي جهة كانت – ونتمنى أن لايطول إنتظارنا – وأن لايكون برلماننا القادم برلمانا لإدارة الأزمات وإفتعالها بل نتمنى أن يتعاون الطرفان وأن يجعلا من أولى أولوياتهما إقرار قانو ن النفط والغاز حماية لحقوق أبناء هذا الشعب المظلوم ومستقبل أطفالهم .

أحدث المقالات

أحدث المقالات