بلغ الإنهيار حداً، باتت معه البديهيات منجزاً، يتناوله الإعلام، على أنه أخبار، إذ تطالعنا الصحف، بتقارير وأخبار ومتابعات، لا موجب لنشرها، مثل “مستشفيات تفحص مرضى” و”دوائر تنجز معاملات” و”مدارس توزع رواتب على معلميها” و”بلدية نظفت حياً سكنيا” كما لو أنها منجزات معجزة، في حين هي ليست أخبارِ، إنما مؤسسات تؤدي عملها التقليدي، ما وجه الإخبار عن شأنٍ يومي!؟
لا تفسير لهذه الظاهرة، إلا بضعف مهنية وسائل الإعلام التي تنشرها، من دون تأمل، فهكذا أخبار لا يصح نشرها، إلا كإعلانات مدفوعة الثمن، وهذا يضع إدارات تلك الصحف والفضائيات والإذاعات والمواقع الألكترونية، موضع شبهة.. لا سمح الله.. مالياً ومهنياً!
لكنها سياسياً وتاريخياً، من مؤشرات الدولة الفاشلة؛ التي ليس لديها مكتسبات، تحققها لمواطنها الذي يعيش قطيعة معها، في ظل إهمال الشعب بلا خدمات، معنية بشؤونها الشخصية.. من فساد وصراع مناصب،…
فالسلطة في العراق تأسست يوم 23 آب 1921، على مبدأ “حكومة ضد شعبها”.. جيء بها كمكافأة، من بريطانيا؛ نظير خدمات قدمتها عائلة الشريف حسين، في طرد العثمانيين، من المنطقة؛ لهذا تأسست الحكومة العراقية وجيشها؛ وقاءً للقوات البريطانية، من قوة رفض العشائر لها، بعد ثورة العشرين، وتحولت تلك القناعات الى سياقات نصية، مكفولة دستورياً، بقانون يطلي طابعاً شرعياً عليها.
وحكومات ما بعد 2003 المتوالية، لم تخرج عن هذا السياق، المحكوم بوصية معاوية بن أبي سفيان، لولاته على العراق: “إقتلوا لأدنى شبهة” والتي وظفها مروان بن الحكم، تنفيذياً، وأتقن الحجاج بن يوسف الثقافي، أداءها بكفاءة مريعة؛ ليفيد منها صدام حسين، بجلد الشعب 35 عاما.
من يومها والعراق في سقوط حاد نحو عمق الهاوية، مستمراً بالتداعي منذ بدء التاريخ الى ما لا نهاية، لا يثبت فيه حجرٌ على حجرٍ.. خراب أكثر من البنيان.. بل التهديم يسبق التشييد، فثمة بنى تحطم قبل تأسيسها، ننسف الفكرة.. مجرد السعي للإعمار؛ نلتف عليه، ونضع عراقيل محبطة يتلاشى على أثرها! فلا تقوم لنا قائمة؛ لأننا نلتهم النوايا والهمم والعزائم و… نحل الخراب بديلاً مفترضا، يتقدم الإصلاح، الأمر الذي يتضح من ذر الرماد في العيون، الذي تمارسه الوزارات، كلما إقتربت الإنتخابات؛ دعماً لتأبيد مكوثها على كرسي السلطة، حتى يوم القيامة “لو طاح بيدهم”.
تتسلل ذرات رمل المشاطرة الرسمية، من حدقات عيون الشعب؛ محاولة النفاذ الى العقول والقناعات المفكرة، لعبة السلطة تخادع وعيه الملغوم بفطنة فائقة الإقتراب من اللامباة.. مترفعا عن قدره؛ حد التفريط بالمستقبل.
وبرغم كون الخديعة لا تنطلي؛ لكن أصحاب القرار يبحثون عن أخبار تدل على أنهم يعملون! ولسذاجة الـ (فهلوة) لا يجدون سوى أخبار مستشفيات تعالج مرضى ودوائر تسلم رواتب لموظفيها وبلدية تكنس الأرض ودوائر تروج معاملات المراجعين؛ تفسيرا للماء.. بعد الجهد، بالماء.