باقالته وزير الدفاع خالد متعب العبيدي يكون مجلس النواب بدورتهِ الحالية، قد سجل اول ممارسة سحب الثقة في العراق الجديد منذ انطلاق اول تجربة برلمانية في ٢٠٠٥ عقب اقرار الدستور الدائم للبلاد، فالدورات السابقة شهدت استجوابات لوزراء ومسوؤلين حكوميين، لكنها لم تنتهِ الى ان يتخذ البرلمان الاجراء الدستوري المرسوم عبر سحب الثقة من الوزير الذي يخضع للمساءلة البرلمانية، بل كانت تنتهي في الغالب باستقالة الوزير، او تجديد الثقة به، كما حصل العام الماضي مع العبيدي ذاته بعد ان استجوبتهِ حنان الفتلاوي ذراع نوري المالكي في المجلس النيابي.
وبغض النظر عن الظروف المحيطة بعملية الاستجواب، وما رافقها من جدل كبير، خصوصاً بعد ان فتح العبيدي النار على النواب السنة الذي رشحوه للمنصب ابان تشكيل كابينة العبادي المترنحة، فأن ما حدث يعكس تصدعات كبيرة في الجبهات جميعها، كما يعكس هشاشة الوضع السياسي برمتهِ، الى الحد الذي باتت فيه عملية نزع الثقة عن وزير سيادي مهم كوزير الدفاع مسألة شخصية، فالرئيس العبادي مثلا، لم يصدر عنه اي تعليق منذ اقالة وزير دفاعه العبيدي الى الأن، فيما تترشح اخبار عن ارتياح مشترك بين قوى سنية -شيعية-كردية، لما حدث، خصوصاً وان ايران نجحت باقناع الولايات المتحدة الامريكية، بأن الإطاحة بالعبيدي، لا تأتي في اطار عرقلة جهودها في تصفية تنظيم الدولة، و لا شأن مباشر لها بما يحدث على الساحة السورية، بل أنه اجراء يأتي من اجل حفظ التوازنات الداخلية في الساحة العراقية بما يمكن الجميع من الحفاظ على الوضع على ما هو عليه الأن.
لكن ما هو مؤكد ان خالد العبيدي حليف ال النجيفي حلفاء تركيا، قد اخطأ هذه المرة في التقدير، وحساب المواقف السياسية، وظن انه سينجو بعد فعلتهِ هذه، ضمن معادلة توازن القوى الذي تحاول الولايات المتحدة الحفاظ عليه بين الدورين الايراني والتركي، الا ان هذا لم يحدث، فتركيا يبدو انها منشغلة تماماً باعادة بناء جبهتها الداخلية، وان الاندفاع السابق مؤجل في القضايا الخارجية، وهي ليست بوارد ازعاج الولايات المتحدة في الدفاع عن منصب وزير شرفي كمنصب العبيدي، ولذا تركته يواجه مصيره لوحده، بعد ان تجرأ على كسرِ قواعد اللعبة،وفضح اعراف العملية السياسية التي تبانى الجميع على تغليبها ووضعها كسقف اعلى يتوقف عنده اي جدل ونقاش.
فالطبقة السياسية الحالية في البلاد،هي مشاريع اقليمية ودولية تعمل على ادارة البلاد ضمن التوجهات الأقليمية، مقابل السماح لها بهامش نهب الأموال، وبسط النفوذ من الداخل، وكان ان قبل العبيدي وغيره ان يكونوا جزءاً من هذه اللعبة، فكيف يحاول الانقلاب عليها، والانفراد باللعب دون غيره، لذا يأتي عزل العبيدي انتصاراً للعملية السياسية التي سيبقى العبيدي وغيرها مهما قست عليهم ايناء بررة تجمعهم مصالح مشتركة عليا !