17 نوفمبر، 2024 8:43 م
Search
Close this search box.

إغلاق صفحة أوباما مع مصر

إغلاق صفحة أوباما مع مصر

المؤشرات السياسية المتوافرة، تقول إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عازمة على إغلاق الصفحة القاتمة التي سطرتها إدارة سلفه باراك أوباما مع مصر، لكن هذا لا يعني أن مستقبل العلاقات بين البلدين سوف يكون خاليا من المنغصات والتحديات.

ومنتظر أن تعزز الزيارة التي سيقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن أوائل أبريل المقبل، الملامح الإيجابية، وتؤكد وجود فرص جيدة للتفاهم حول عدد من القضايا الساخنة في المنطقة، وأن المسألة لم تعد تتحمل المزيد من التوتر الذي خيم على العلاقات معظم سنوات أوباما.

وبحكم الدور المحوري للولايات المتحدة في العالم، والدور المهم الذي يمكن أن تقوم به مصر في الشرق الأوسط، سوف تتقلص مساحات الخلاف، على قاعدة المصالح المتبادلة.

العربون السياسي الذي قدمته إدارة ترامب لمصر حتى الآن، يشي بارتفاع درجة التصميم على إزالة السحب القاتمة التي تراكمت خلال السنوات الماضية، ويبعث برسالة تطمين بأن الأخطاء التي ارتكبت من السهولة معالجة عدد كبير منها.

ولعل رفض إدارة ترامب تعيين آن باترسون في منصب مساعد وزير الدفاع للشئون السياسية، يصب في اتجاه المحاولات الرامية لتنقية الأجواء، لأن هذه السيدة عندما كانت سفيرة لبلادها في القاهرة انحازت بصلف لجانب الإخوان، وتجاهلت أصوات الملايين في مصر من الرافضين حكمهم، وصممت على استمرار دعم واشنطن للجماعة، ووقفت موقفا عدائيا من مؤيدي ثورة 30 يونيو 2013.

لذلك ينطوي رفض تعيينها في هذا المنصب، على إشارة تؤكد عدم العودة إلى الفترة التي احتدم فيها الخلاف بين البلدين، ويدعم التوجهات الأمريكية الجديدة نحو التعامل مع الإخوان، باعتبارها جماعة تتحمل جانبا رئيسيا من العنف الذي يسود مناطق كثيرة في العالم، واحتمال إدراجها على قائمة التنظيمات الإرهابية ليس ببعيد، وسط مطالبة دوائر عديدة بضرورة تجفيف منابعها المادية والمعنوية في الأراضي الأمريكية.

في المقابل، لم يخل تعيين دينا حبيب باول في منصب مساعد مستشار الأمن القومي، من دلالة رمزية، فهي مواطنة مسيحية مصرية في الأصل وتجيد العربية، ووجودها في هذا المنصب الذي تمر عبره التصورات الخارجية الأمريكية، يعني أن إدارة ترامب تولي اهتماما كبيرا بالمنطقة التي نعيش فيها، وستكون ضمن أولوياتها العملية الفترة المقبلة، مما تطلب وضع شخص ينحدر منها ويدرك تفاعلاتها، مما يؤيد الميل نحو أهمية التفاهم مع مصر.

كما أن حضور سامح شكري وزير الخارجية اجتماع التحالف الدولي ضد «داعش» في واشنطن أمس الأربعاء، رسالة أخرى تسير في اتجاه التطمينات السابقة، لأن مصر حرصت على تجنب الانخراط، عسكريا وسياسيا، في هذا التحالف، الذي تعامل منذ البداية بطريقة انتقائية مع المتطرفين، ففي الوقت الذي بدا كأنه يتعامل بحزم مع فرع داعش في كل من العراق وسوريا، تجاهل فرع التنظيم في ليبيا مثلا.

وفي الوقت الذي مال الخطاب الدولي للقسوة مع التنظيمات المتشددة التي محتمل أن تهدد بعض الدول الغربية، استخدم اللين مع نظيرتها التي تهدد فعلا الكثير من الدول العربية، وتجاهل التحذيرات المصرية من خطورة الانتقائية، ولم يعر بالا للنداءات المتكررة التي طالبت ببلورة رؤية شاملة للتعامل مع التنظيمات الإرهابية، وواصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها صم الآذان عن وضع مفهوم محدد للإرهاب، اعتقادا في حشر روافد الحرب القذرة التي يدار بها ملف المتطرفين، بعيدا عن الغرب.

وحضور وزير الخارجية المصري اجتماع واشنطن، يعني أن هناك تغيرا واضحا في الإستراتيجية الأمريكية للتعامل مع الإرهاب، والوقت حان للاتفاق حول رؤية شاملة، مما يحمل اعترافا صريحا بأن السياسة التقليدية التي استمرت سنوات لم تعد مجدية حاليا، واستجابة مصر للمشاركة في الاجتماع تؤكد أن لديها معلومات بوجود تطور حقيقي في المفاهيم الدولية والأمريكية خصوصا، وثمة صفحة قديمة يجري العمل بجدية على إغلاقها، والكوابيس التي صاحبت تصرفات إدارة أوباما في المنطقة في طريقها إلى الزوال.

سواء كان للرئيس ترامب دور مباشر في استئناف ضخ النفط السعودي لمصر أم لا، ففي الحالتين ضاعفت زيارة محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي لواشنطن أخيرا من أهمية تمتين أواصر العلاقات بين القاهرة والرياض، لأن الزيارة تطرقت إلى كثير من أزمات المنطقة وآليات التعامل معها، وكشفت عن الدور المركزي الذي يمكن أن تقوم به مصر في أي ترتيبات مقبلة.

المحاولات الساعية لفتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة ومصر، لن تكون خالية من المطبات، وهناك ملف التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذي لم تستقر الإدارة الأمريكية على موقف محدد بشأنه، وتبعث بإشارات متناقضة، فتارة تقول بعدم اقتناعها بحل الدولتين، وأخرى تذهب إلى أنها لا تزال تبحث عن صيغة للتسوية، وفي ثالثة تطمئن إسرائيل بعزمها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

باستثناء تحركات جس النبض، لم تقدم واشنطن دليلا يؤكد أنها تسعى إلى تسوية عادلة، الأمر الذي يقلق مصر، التي تبذل جهودا مضنية لحل القضية الفلسطينية بصورة تحترم قرارات الشرعية الدولية، وهو ما يجعل التباين ظاهرا، وقد يمتد إلى العمق ليضع سطرا أحمر في الصفحة الجديدة، إذا لم تقدم إدارة ترامب تصورات جادة، تراعي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

ناهيك عن إيمان مصر أن الشكل القديم لعلاقة التبعية ذهب بلا رجعة، ولها الحرية الكاملة في اختيار حلفائها وأصدقائها، والتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة لا يعني إطلاقا التخلي عن روسيا، وهذه معضلة يمكن تجاوزها في ظل التشابكات التي يحفل بها النظام الدولي، وجعلت واشنطن تلجأ إلى التعاون مع موسكو ذاتها في سوريا.

الحاصل أن قواسم التعاون تتفوق على التباعد، وسوف تكشف نتائج لقاء الرئيس السيسي مع ترامب، ارتفاع درجة التناغم والتفاهم في التفاصيل السياسية، التي تعزز إمكانية حل المشكلات دون أن يضطر أحد إلى تقديم تنازلات مصيرية، مما يسمح بطي صفحة أوباما بسهولة.
نقلا عن الأهرام

أحدث المقالات