23 ديسمبر، 2024 1:50 م

إغلاق سجن أبو غريب وفشل الولايات المتحدة في العراق

إغلاق سجن أبو غريب وفشل الولايات المتحدة في العراق

يمثل صدام حسين القسوة والاضطهاد، فيما تمثل الولايات المتحدة الحرية والديمقراطية، إلا أن فضيحة سجن أبو غريب أظهرت أن هذا الامتياز أمر لا يمكن الدفاع عنه؟

فقد أعلنت الحكومة العراقية الأسبوع الماضي أنها قامت بغلق سجن أبو غريب سيئ الصيت، واوصدت بواباته، ونقلت نزلاءه. وسواء كان الإغلاق دائميا أو مؤقتا- يشير مسؤولون عراقيون إلى الأخير- فيجب أن يوصف على أنه علامة بارزة، بجميع المقاييس، يجب ان يوصف كعلامة بارزة، ما الذي يعنيه ذلك؟

ففي بعض الأحيان، السجن ما هو إلا مجرد بناية، وإن إغلاقها لا يشكل أهمية أكثر من تلك المتأتية من تدمير سوق أو إغلاق مركز تجاري، بل من وقت لآخر، فإن إغلاق منشأة ما شيدث لغرض حجز البشر أمر يدعو إلى التفكير، مما يتيح فرصة للتعلم.

عندما قامت الولايات المتحدة بإفراغ معسكرات الاعتقال التي كانت تحتجز فيها اليابانيين الأمريكيين في بداية الحرب العالمية الثانية، كان المسؤولون الأميركيون يأملون بهذه الطريقة في أن يمحوا من الذاكرة فصلا مخزيا في التاريخ الأمريكي الحديث، فإن نجحوا في ذلك، فإن ظلما فادحا سيمر من دون الاعتراف به، وبما لا يقل أهمية، فإن تحذيرا بشأن مخاطر ضياع الهستريا الناجمة من الحروب، سيتم فقدانه.

في العام 1986، سقطت بناية كتب فيها القس مارتن لوثر كينغ جي آر “رسالة من سجن برمنجهام” جراء الكرة الهدامة. وكان رؤوس الحكمة انتشلوا باب الزنزانة الحقيقية التي كتب كينغ فيها رسالته الشهيرة، وهي الآن معروضة بمتحف الحقوق المدنية المحلي، وتقوم بتثقيف الزائرين حول الكفاح الطويل من أجل المساواة العرقية. ولربما تساعد أيضا مواطني برمنغهام، ألاباما، للتصالح مع ماضيهم.

يقدم الكاتراز مثالا آخر كشاهد لسجن سابق، بعد بضع سنين على إغلاقه، توصلت دائرة الحدائق الوطنية إلى فكرة القيام بجولات تعريفية للسجن الاتحادي السابق. بدأت الحشود تتوافد لمكان البؤس والعزلة هذا، الذي كان ذات يوم موطنا لأمثال آل كابوني و”المدفع الرشاش” كيلي، حيث تشهد على القرابة الأمريكية الفردية لكنها دائمية للمرتدين. هل تعد انشقاقا أو شيء كريه يجرنا إلى الخارجين عن القانون، ورجال العصابات الفاسقين؟

إن إغلاق سجن أبو غريب يحمل فيما يحمله شيئا مختلفا تماما، ومع ذلك فإن الإجراء يحمل أيضا الكثير للتعلم.

تعهد الرئيس جورج دبليو بوش قبل عشر سنوات بإن تقوم الولايات المتحدة بإغلاق ومن ثم “هدم سجن أبو غريب كرمز مناسب لبداية جديدة للعراق”. وإن “استبدال السجن سيكون أمرا أفضل وأكثر انسانية، شيئا من شأنه أن يصون المؤسسة التي كانت الولايات المتحدة مشاركة فيها في ذلك الحين.

لقد غادر بوش الحياة العامة وغادرت القوات الأمريكية العراق من دون تحقيق هذا الوعد، جنبا إلى جنب عدد قليل من الوعود الأخرى.

لقد فعلت الحكومة العراقية الآن ما عجز بوش عن القيام به ممثلا أي شيء عدا البداية الجديدة، على أي حال. ولكن بدلا من ذلك، فإنه يوضح الانهيار المستمر للمشروع الذي اطلق وابلا من الحماقة المسرفة ومن ثم التخلي عنها عندما تعب الأمريكيون وقرروا ان لديهم ما يكفي.

لقد كان أبو غريب، حتى العام 2003، يشكل جزءا من الجهاز الذي وظفه صدام حسين لترويع العراقيين للخضوع إلى رؤيته فيما يتعلق بمستقبلهم. وبعد العام 2003، مع إزالة صدام حسين من السلطة، فقد اصبح جزءا من الجهاز الذي وضعته السلطات الأمريكية لإجبار العراقيين على القبول برؤية واشنطن لمستقبلهم.

وبطبيعة الحال، فقد أعلنت إدارة بوش عن أهدافها كنقيض لأهداف صدام، فقد مثّل الديكتاتور العراقي القسوة والقهر، فيما تمثل الولايات المتحدة الحرية والديمقراطية.

بوجود اكثر من حدث فردي خلال حرب العراق، كانت فضيحة أبو غريب التي قدمت الفارق الذي لا يمكن الدفاع عنه، فقد سمحت القوات الأمريكية التي أساءت إلى العراقيين المحتجزين هناك ببشاعة بخروج آخر ما تبقى من الهواء في بالون التحرير.

لقد كشف إغلاق السجن الآن عن فشل الولايات المتحدة الكامل في العراق، وإن الذي جعل السلطات في بغداد تتحرك الآن هو خوفها من أن الميليشيات السنية سوف تستولي على سجن أبو غريب. إن “تحرير” هؤلاء المحتجزين هناك من شأنه أن يضخم صفوف التمرد الذي يجر العراق مرة أخرى إلى الحرب الأهلية. ويعزى إعادة الاستقرار النسبي إلى ما يعرف بزيادة عديد القوات الأمريكية التي تم تنسيقها بين العامين 2007-2008- والتي أخذت في وقت لاحق طراز “الانتصار”- واليوم تتراجع تقريبا بشكل كامل.

لقد تخلت الحكومة العراقية عن السجن لأن العراق نفسه يتفكك. وبطبيعة الحال فإن العراقيين أنفسهم، بدلا من الأمريكيين، يجب عليهم ان يتعاملوا مع العواقب. ورغم ذلك، فإن هذه العواقب ينبغي أن توفر وقفة لدعاة التدخل الأمريكي في أماكن مثل سوريا وأوكرانيا، ولأولئك الذين ينصتون، فإن الدروس المستقاة من ابو غريب أمر لا لبس فيه.

بقلم: اندرو جيه باسيفيتش التدريسي في جامعة بوسطن حيث أنه يعد (دورة ضخمة مفتوحة على الانترنت) عن “حرب أمريكا من أجل الشرق الأوسط الكبير”.