يمكن القول: ان السعي لاجل (المشروع الوطني) هو (خط احمر) .. أو من الممنوعات، خاصة في الوضع العراقي. وبالتالي، تكون الجهة التي تسعى الى حلول داخلية (عراقية) معرضة للتصفية والاغتيال من قبل القوى الاجنبية واتباعها.. لذلك نشير:
اولا: يبدو ان الصدر صار ضحية لهذا الاستهداف، من الدول الطامعة في العراق، واتباعها ، وخاصة ما يسمى بالمعارضة العراقية.. وقد اشار الشهيد الصدر قبل اغتياله الى ذلك الاستهداف في لقاء الحنانة (1) الذي سجله فيديويا عام 1997..
ثانيا: يمكن ان نراجع حيثيات اغتيال الشهيد محمد الصدر (رض) وعلاقة ذلك بالمشروع التغييري الوطني، الذي كان (المغدور) يؤسس له نظريا وعمليا.. ومن ذلك:
…… ماهية مشروع الصدر:
اولا: كشفت الاحداث اللاحقة، وخاصة بعد دخول امريكا للعراق، معالم واسرار الحراك الصدري بعد 1991م.
لان الخطوات الصدرية كانت باتجاهين:
الاتجاه الاول: التحذير من النوايا الامريكية.. فقد خصص الصدر اغلب خطب الجمعة لبيان الخطر المريكي ضد العراق وشعبه.
مثلا: وردت مفردة (امريكا) او (امريكي) اكثر من 27 مرة، فضلا عن كلام صدري لنشر الوعي ضد الاستعمار والاحتلال. واتهم الشهيد امريكا باغتياله في احدى خطاباته فقال:
…وان ذهبت الحياة فسوف اذهب وضميري مرتاح ويكفي ان في موتي شفوة وفرحا لاسرائيل وامريكا وهذا غاية الفخر في الدنيا والاخرة.. (راجع الخطبة34)
بل كشف الصدر ما تسعى له امريكا، وماهية خطتها نحو العراق.. فقال:
ان هذا الوضع العالمي القائم على انقاض ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي والذي سمته امريكا في حينه بالنظام العالمي الجديد انما هو نظام استعماري مشؤوم قائم
على تفرد امريكا بالعالم وهيمنتها عليه وفرض ارادتها على كل جهاته من دول وشعوب واحزاب ومنظمات. (راجع الخطبة37)
الاتجاه الثاني: حاول الصدر الحفاظ على بنية واساس الدولة العراقية.. بواسطة الفصل بين راس السلطة (صدام) وجسد الدولة..
مثلا: وجه خطاباته الى المسؤولين عموما والموظفين.. وكان يفرق في اتصالاته بين الطرفين (2).. فضلا عن ذلك، حاول ان يفوت الفرصة على (الخارج) بمشروع اصلاح للدولة، موضوعي، لابعاد المشروع الامريكي المشؤوم.. وعبر عن ذلك فقال:
ان المفروض ان الشعب والدولة معا ضد الاستعمار وفي مواجهة التحديات العالمية المعادية. ومن هنا جاز لكل من الشعب والدولة معا ان يعمل ما يراه مناسبا في هذا الصدد لمضادة الاستعمار والنيل منه وابعاد شبحه المشؤوم… . (راجع الخطبة35).
يضاف الى ذلك سعيه لتثوير الطاقات الدخلية وزرع الثقة بالقدرات الذاتية وتوحيد الشيعة والسنة وما ذكرناه في الحلقة السابقة..
ويمكن للقاريء اللبيب.. ان يفسر ما حصل لاحقا –بعد2003- واسباب الحرب الاعلامية والعسكرية ضد السيد مقتدى الصدر من قبل الدول الطامعة واتباعها ، خاصة حزب المالكي (3).. لان الصدر سعى الى استمرار الحراك الوطني لانقاذ السيادة العراقية ومناهضة الطائفية للحفاظ على وحدة الوطن والشعب.. وللحديث بقية.
هوامش:
(1) هذا اللقاء تم تسجيله بشكل سري، ولم ينشر الا بعد اغتيال الصدر قي 19 شباط عام 1999.. لانه اشار فيه الى موقفه الصريح والمعارض ضد الحكومة.. وذكر جهتين تعمل ضده –ضد الصدر- احدهما في لندن واخرى في طهران.
(2) عام 1997 –تقريبا- علمت ، وبالصدفة، ان مسؤولا كبيرا زار الشهيد الصدر وطلب منه المغفرة واعلن توبته –سرا- وابدى استعداده لترك منصبه الرفيع.. الا ان الصدر قال له ما مضمونه: استمر في منصبك.. سنحتاجك..!
(3) صدر امرا امريكيا بتصفية السيد مقتدى الصدر عام 2004 .. وعجزت عن تنفيذ الاغتيال، بعد محاولات عديدة.. كان خلالها الصدر يغيب لاشهر، دون علم احد من اتباعه –الا شخص واحد- .. فضلا عن تجنبه استخدام النقال او اية وسيلة تكشف مكانه السري.. ويضاف الى ذلك ما قاله الكاتب حسن علوي عن محاولة اغتيال تم طرحها في سفارة ايران في الكويت.. وبالرغم من فشل محاولات الاغتيال الجسدي، الا ان الدول الطامعة –خاصة امريكا- لا زالت تستهدف تصفية الصدر معنويا واعلاميا وبشق صفوف تياره..