22 ديسمبر، 2024 11:43 م

أخر عروض الجريمة في البصرة المنكوبة اغتيال الناشط المدني تحسين الشحماني في مكان عمله وسط البصرة بعشرين اطلاقة نارية اطلقت عليه بهدوء ودم بارد واحترافية عالية ، لادلالة لها الا ان القتلة مدربون لمهام الإغتيالات كمخرج من مخارج العملية الديمقراطية في البلاد !
والمثير للدهشة والاستغراب ان السلطات المحلية في المحافظة والاتحادية التزمت الصمت ازاء هذه الجريمة وكأنها حدثت في جزر الواق واق !
وللبصرة حكاية من حكايات الظلام في هذي البلاد ،حكاية الاغتيالات ضد مواطنين كل ” جريمتهم ” إنهم يطالبون بحقوق المسحوقين في بلاد الرافدين وتأمين ادنى شروط الحياة الانسانية فيها !
نعم ادنى الشروط فلسنا مترفين الى الدرجة التي نطالب فيها ان نكون مثل مواطنين يعيشون على تخوم حدودنا المباحة !
كتبت عمودا هنا في جريدة المدى عام 2005، تحت عنوان ” تفخيخ البصرة ” بعد ان تعرضت سفرة طلابية لطلبة وطالبات كلية الهندسة في جامعة البصرة على ماتسعفني به ذاكرتي الخاملة، لهجمة “أيمانية” من مسلحين اعتبروا قتل طلبة العلم من موجبات التقرب الى الله وجوبا، ما أدى الى مقتل أحد الطلبة.
ولم يكن القتل على يد ارهابيين تقليديين كما شاهدناه ونشاهده اليوم، كان القتل على يد عناصر بحزب أو تيار إسلامي كان يقول انه مستهدف من الإرهاب وإنه يقاومه بكل قوته من مال وسلاح ونفوذ! وتوقعت في عمودي، الذي لم اعثر عليه مع العم غوغول، إن البصرة الحضارية، بصرة السياب الذي بكى على وطنه كثيراً، ستتعرض الى تفخيخ بعد الحادثة، واعتبرت ان تفخيخها ليس بأعمال اجرامية من هذا الطراز، وانما هو تفخيج سيشمل حياتها اليومية ومظاهر التمدن والتحضر فيها، وإن الأمور ستجري على هذا المنوال برعاية مباشرة وغير مباشرة من قوى واحزاب الاسلام السياسي، الذين يروقهم بصرة سوداء وكالحة وفاسدة بالسياسيين الفاسدين. وتوالت على بصرتنا الهجمات الايمانية بغلق النوادي الاجتماعية والتضييق على حرية المرأة الى حدود قتلها تحت شعارات “الحشمة” ثم تحول كورنيشها من كورنيش ينبض بالحياة الى كورنيش يستجدي الحياة. ثم تصاعدت فيها نسب الجريمة المنظمة و جرائم الاختطاف الليلي والنهاري.. وواصلت البصرة غرقها في مستنقع الفساد المالي وواصل “المؤمنون” تهريب نفطها “على بركة الله ” كما يقولون! .
واليوم تتحول البصرة من محطة لعبور المخدرات من ايران الى دول الخليج العربي الى مدينة مستهلكة له وحاضنة لمافياته! والأكثر مرارة ان البصرة تغرق اليوم، ليس بالمخدرات التقليدية وانما بمخدرات تسمى “الكرستال ” الشديدة التأثير. وحسب احصاءات لمنظمة مجتمع مدني فان نحو 65% من شباب البصرة المفخخة، إما يتعاطون هذه المادة الكرستالية أو انهم يعرفون شباباً يتعاطونها، مايعني إن حاضنتها الشعبية الشبابية واسعة ومؤثرة!
واليوم اقول ان البصرة انتقلت من مرحلة ” التفخيخ ” التي ادت دورها بنجاح منقطع النظير ، الى مرحلة ” الاغتيال ” فالمطلوب اليوم هو الإجهاز على البصرة لان صوتها عال لايمكن اسكاته بالمخدرات.. والحل بيد الكاتم !
اغتيال تحسين ليس اغتيالا شخصيا له ، كما انه لن يكون الاخير كما لم يكن من قبله خاتمة الفاجعة وبحسب تقرير صحفي ” تقع محافظة البصرة، ضمن المناطق الحمراء، والمتصدرة، لعدد النشطاء الذي اغتيلوا خلال الفترة الماضية، دون توصل اللجان التحقيقية إلى أي خيط لمثل تلك العمليات، التي يقول ناشطون إنها منظمة، وتقوم بها جهات متنفذة، ومتمرسة على القتل، واكتسبت خبرة واسعة خلال السنوات الماضية، بشأن كتم الأصوات المناهضة” !!
فيما يبرر مسؤول حكومي تصاعد عمليات الاغتيال بالقول ” “موجة الاغتيالات التي تحدث في البصرة لها علاقة مباشرة بقضايا جنائية “!
وهو بذلك يتقمص دور النعامة التي تدفن رأسها في التراب ، في نفس الوقت الذي حذرت فيه المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق من عودة الاغتيالات بحق الناشطين المدنيين .
تحت سمع وبصر المسؤولين في البصرة وبغداد يتم اغتيال البصرة حاضرا وتاريخا ومستقبلاً بالمخدرات والكواتم وتعتيم الحياة التي ليست جميلة كما صرخ السياب ذات يوم ” حتى الظلام اجمل في بلادي ” !