“يمنع دخول غير المنتسبين”..فمن هنا يأكل الجميع..ثمة عجلات يستقلها رجال بإلوان مختلفة, شقر, وحمر, وسود, وبيض..يعبّرون عن جنسيات وأصقاع مترامية الأطراف من هذا العالم المليء بالموبقات. أهنا فقط يتجولون؟..حتماً لا؛ فالأرض متصلة ببعضها, ولابدّ من إتصال ما في باطنها, غير إن البيوت المتهاوية تمنع إستعمار ما تحتها, ليس لقدرة السكان على المنع؛ إنما لإبقاء الأعين مغمضة عن ما يحدث..! والمنتسبون, أليسوا من السكان؟..بلا هم كذلك, وكحاجة لخدماتهم سُمح لهم…
النفط في كلِ مكان..هنا البصرة, بغربها, وشرقها, أستحالة طبيعتها الخلاّبة وجنتها الطروب إلى نارٍ موقدة, وقيرٌ أسود يجتاح قلب الأهوار, “جنة الغناء التي أزيل منها أثر الموت” لم تتحول إلى مرتع لذكرى المقاتلين الأشاوس, أو لصرحٍ يرتّل قصة النضال والجهاد ضد الطغيان..بعض البقايا من القصب, تحكي مأساة الطيور المهاجرة, تلك الآتية لقضاء فصول العسل هنا؛ لا مأوى لها سوى بنادق الأفذاذ العابثة, والمتسلية بتلك الكائنات!..الناس في البصرة يعرفون, ويتجنبون الذهاب غرباً أو شرقاً, خوفاً من نداء الواجب, وحسرة القلب, وفوق هذا “يمنع الدخول”..أنكفأت المدينة حتى صارت ممر يقع في المنتصف, فكل أراضيها محرّمةٌ على أهلها.
الأرض مجنونة, وكل ما فيها ثروة, وما عليها نعمة, أزيل ماعليها لتسهيل إسخراج مافيها..ولم يتغير شيء؛ بل شابت رؤوس من يعرف الحقيقة بصفحاتها..لماذا تراخيص نفطية؟!
التراخيص تعني الأستثمار, أو حفر الأرض, أو أستخراج النفط. النفط مستثمر بإيادٍ عراقية, وما يصدرّه العراق, قادر على الوصول لنفس الأرقام من الموازنة السنوية..معادلة الأستثمار ظالمة, فالنفط حسب التسعيرة الحالية (90-100)دولار, جزء كبير من هذا الرقم يذهب للشركة المستثمرة, والباقي للدولة, ثمة مستحقات أخرى لتلك الشركات؛ فأجور الحماية, وعجلات الدفع الرباعي, والأدوات, وجميع أحتياجات العمال, والطرق, كلها تدفع من النفط, أي من الأموال المخصصة للعراق..الصافي, قد يكون صفراً..!
جولات التراخيص النفطية, تمثّل أغتصاب وإحتلال لمحافظة البصرة, أو أستعمار إقتصادي, وهو أثقل أنواع الأستعمار..إذ يأخذ دون عطاء. للمركز الحصة الكبرى, وللأجيال اللاشيء!..كان في البصرة عشرات الآبار المنتجة للنفط, وبطاقات متوسطة أو أقل, ولم يكن هناك موت, واليوم هناك آلاف الآبار المنتجة, والحال كما هو, وأبناء البصرة يرسلون إلى الغرب والوسط ليموتوا كتماً أو تفخيخاً..كانت الأرض بكراً, لم تطأها أرجل السرّاق, رغم عبث الكثيرين بها, لكنهم لم يقربوا من أحتياطها النفطي الضخم..لم يعد ذلك النفط كما هو, ولو بقي النفط, لكان العزاء بضمانِ حق الأجيال..الدولارات الخمسة أستكثرها رئيس بغاة الخضراء, فُحرم منها السكان..
في زمنٍ قادم, سيقال: هنا كانت ثروة عظيمة, ولم يستثمرها أجدادنا, بل سلّموها -ببراءة المخلص للوطن- بيد شخص من “جلاجل” وهذا وهبها لآخر من شهرستان..!