1ـ 2
قال الشاعر:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
لا أحد يجهل أن جامعة بغداد كانت من أفضل جامعات العراق لغاية الغزو الأمريكي الغاشم عام 2003، صحيح أن الجامعة فقدت بعض من مكانتها المميزة وبريقها اللامع بسبب الحصار الإقتصادي الظالم، لكنها بقيت على مستوى القطر أفضل جامعة في العراق، ولم تنافسها في مكانتها الرفيعة هذه سوى الجامعة التكنولوجية رغم قصر عمرها مقارنة بجامعة بغداد. بعد الإحتلال الغاشم والفوضى العارمة التي رافقته وشملت القطاعات في العراق كافة، لحق الجامعات العراقية الكثير من الفوضى غير الخلاقة بعد أن دخلت الجامعات رغم أنفها نظام المحاصصة الطائفية. حتى رأينا العجب في جامعة بغداد عندما إمتدت قدور القيمة والهريسة في عاشوراء على ساحتها عشرات الأمتار، وعندما نظمت الجامعة المستنصرية مراسيم لطم في عاشوراء، وأخرجت مسرحية كيف قام عمر الفاروق بكسر ضلع فاطمة بنت محمد (ص)، وعندما نظمت جامعة الكوفة محكمة هزلية لمحاكمة هشام عبد الملك لأنه قتل زيد الخارج عن طاعته، وأثارنا العجب ونحن نرى المعممين الجهلة يلقون محاضرات دينية قي الجامعات العلمية بنفس طائفي وتحريضي مقزز. وزاد الطين بلة عندما تسلم وزارة التعليم العالي الحوزوي على الأديب الزندي ـ إيراني الأصل ـ وعادل شهادات الحوزات العلمية بالشهادات الأكاديمية، ليلحقه وزير آخر همه الأول والأخير إعمام اللغة الفارسية في الجامعات العراقية.
كل هذه في جهة وما قامت به جامعة بغداد مؤخرا في جهة أخرى، فقد أصدرت كلية الشريعة (كلية العلوم الإسلامية) كتابها المرقم 229/م والمؤرخ في 25/9/2017 بعنوان ( إبن تيمية) نص القرار هو” يحذف الاستشهاد في الرسائل والأطاريح والمناهج الدراسية والكتب المساعدة أينما ورد ذكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وكذلك أي كتاب مثير للفرقة والتجزئة”. ودعت الكلية في قرارها الموقع من قبل عميدها الشيعي، محمد جواد محمد سعيد الطريحي، إلى” إعتماد الكتب الرصينة والعلمية التي تحث على الوحدة الوطنية والإسلامية والابتعاد عن الأخبار غير الوثيقة”.
قبل مناقشة فحوى الكتاب لنرصد الأخطاء الواردة فيه، والتي لا تتناسب مع مكانه طالب في مرحلة المتوسطة وليس جامعة بغداد العريقة، وكلية تهتم بالدراسات القرآنية واللغوية. جاء عنوان الكتاب” على كافة الأقسم العلمية ووحدة الدراسات العلمية والسادة المعاونون وكافة التدرسيين، ولجنة السلامة الفكرية).
1. تستخدم كافة في نهاية الجملة وليس في بدايتها. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة البقرة/208 (( يا أيها الذين آمنوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة))
2. تم تكرار (كافة) في نفس الجملة وهذه زائدة لا قيمة لها.
3. وردت كلمة (المعاونون) مرفوعة و(التدرسيين) مجرورة، وهذا خطأ فكلاهما مجرور حرف الجر (الى)، والصحيح المعاونين.
4. العنوان غير مناسب، حيث يفترض أن يعبر عن معنى الكتاب أي حظر كتب مثلا، وطالما ان العنوان يشمل كتب إبن القيم أيضا، فلا يجوز إستخدام إسم إبن تيمية حصرا.
5. الكتب الرسمية لا تبدأ بكلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويمكن أن تكون بداية الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم) فقط.
6. عبارة” الإبتعاد عن الاخبار غير الوثيقة”، يفترض أن تكون غير الموثوقة. مع أن هذه العبارة عامة وشاملة وتخضع لمزاج العمداء وليس لجنة مختصة. والعبارة تعني بالأخبار وليس الكتب.
7. تنتهي الكتب الرسمية في مثل هذا الموضوع بعبارة (لإتخاذ ما يلزم.. مع التقدير) وليس (مع أسمى الإعتبارات).
8. كيف يتم حذف الإستشهاد في الرسائل والأطاريح والمناهج الدراسية، إذا كانت الآلاف من الكتب تتضمن إستشهات لإبن تيمية وإبن القيم؟ هل ستتلف الكتب أو تُسحب من مكتبات الجامعات، أو تمزق الأوراق مثلا، أم تشوه العبارات بالحبر الأبيض؟
9. هل سيتم حذف مقولات ابن تيمية التي تمجد أئمة الشيعة وتشير الى مآثرهم الطيبة سيما ما يتعلق بموقف ابن تيمية من مقتل الحسين بن علي؟
10. هل يشمل كتاب الوزارة حذف الكتب الشيعية التي تثير الفرقة والتجزئة؟ ولماذا لم يشر الكتاب لمؤلف شيعي طائفي تحريضي، حتى لا يكن للكتاب نفس طائفي كما هو الحال؟
11. هل كتب ابن تيمية تثير التجزئة ولا تحث على الوحدة الوطنية؟ هل يعرف العميد موقف إبن تيمية من الغزاة التتار، وموقف الطوسي والعلقمي من الغزو؟ من يا ترى الوطني، ومن غير الوطني؟
بالتأكيد نحن نتفق مع الهدف القائل بمنع كل ما يؤدي الى التفرقة والفتنة ما بين شرائح الشعب العراقي الواحد الموحد، ورفض المحاصصة الطائفية التي أدت الى جعل العراق من أفسد دول العالم بزعامة أحزاب تتخذ من الإسلام غطاءا وهي أقرب للشيطان. ولكن اليس من الغريب أن يكون العميد الشيعي رئيسا لكلية إسلامية تخص أهل السنة؟ هل يسمح مثلا أن يكون مدرسو الحوزة الشيعية من أهل السنة؟ اليس نظام المحاصصة الطائفية هو الذي جعل عميد الجامعة الطريحي، وهو طائفي مقزز رئيسا لكلية تخص أهل السنة؟
هل إطلع رئيس الجامعة على مؤلفات إبن تيمية جميعها ليتخذ مثل هذا القرار الطائفي المجحف؟ ما علاقة كتب ابن تيمية التي لا تختص بالفرق الإسلامية (الشيعة) بالمنع؟ لو منع العميد الطائفي كتاب ابن تيمية (منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية) لفهمنا الموضوع من وجهة نظر طائفية على أقل تقدير، على إعتبار ان شيخ الإسلام فند أراء المطهر الحلي وأخرجه مهزوما في المناظرة. أما أن تُمنع كل كتب إبن تيمية، فهذا أمر غريب حقا. كما أن الكتاب أصلا عبارة عن مناظرة علمية بين شيخ الإسلام والمرجع الشيعي الحلي. ومثل هذه المناظرات الغنية بالأفكار تُعد من أهم المباحث العلمية، وهي تنمي الذاكرة وتفتح الآفاق، وتوسع المدارك، كما أن إختلاف وجهات النظر أمر مألوف وطبيعي، والحوار بين طرفين متناقضين أمر طبيعي، لقد حاور الله تعالى أبليس اللعين عن رفضه السجود لآدم، فما بالك بالبشر! الجدال والمناقشات الدينية لا تخص رجال السياسة، وهي منوطة برجال الدين فقط، والقرار الذي إتخذه رئيس الجامعة، هو قرار سياسي، بنفس طائفي، وليس قرارا منهجيا أو أو تعليميا.
كان شيخ الإسلام من أبرز المقاومين للإحتلال المغولي، في الوقت الذي كان فيه الشيخ الطوسي والوزير الشيعي العلقمي قد مهدا للإحتلال بخيانة الخليفة الإسلامي والتآمر عليه، ونُصب العلقمي وزيرا لدولة المغول، وسرق الطوسي مكتبات بغداد ونقلها الى مرصده. كأنما التأريخ يعيد نفسه، فالذين خانوا العراق في الحرب العراقية الإيرانية وهربوا الى إيران وقاتلوا الجيش العراقي، هم اليوم زعماء العراق، والذين حاربوا وإستبسلوا في الحرب من الطيارين والقادة والضباط، منهم من قُتل ومنهم من فرٌ من العراق الديمقراطي الجديد! لقد إنقلبت معادلة المواطنة رأسا على عقب، أصبح الخائن وطنيا، وأمسى الوطني خائنا، بل أن هذا الغبن طال (شهداء الحرب) الذي صاروا ( قتلى حرب) وحُرموا من إمتيازات الشهداء، في حين صارت هناك رواتب خيالية للغوغاء الذي زرعوا الفوضى والدمار في صفحة الغدر والخيانة، وصارت فترة وجودهم بعد مغادرتهم السعودية ( معسكر رفحة) الى دول أوربا فترة جهاد يستحقوا عنها الرواتب المليونية.
لو إفترضنا جدلا بأن شيخ الإسلام يدعو الى التفرقة، فما هو شأن أئمة الشيعة ومراجعهم؟ هل كانوا ينادون بالحب والسلام والتضامن والتسامح ام بتكفير كل الفرق الإسلامية بما فيها الفرق الشيعية كالزيدية والإسماعيلية وغيرها؟
لو طبقنا نفس المعيار الذي برر فيه العميد الطائفي منع كتب أبن تيمية، لأنها تثير التفرقة والفتن على كتب الشيعة، فوجب على العميد أن يمنع كافة الكتب الذي تحتوي على آراء جعفر الصادق نزولا الى السيستاني، لأنها تتضمن التفرقة والخطاب التحريضي وزرع الفتن بين المسلمين. وهذا ما سنوضحه لاحقا في الجزء الثاني.
ليجب العميد الأمعي على هذه الأسئلة البسيطة والمعروفة من قبل العوام:
من الذي يرفض توحيد صيام المسلمين وتوقيت إفطارهم، والإحتفال بالعيدين موحدا؟
من الذي أفتى بمنع زواج الشيعية من رجل سني، والشيعي من امرأة سنية خشية الضلال؟
من الذي يسب الصحابة ويسيء الى أزواج النبي (ص) ويلعنهم ويستفز الآخر؟
اي عقيدة تلك التي توجب على أتباعها مخالف الآخر في كل شيء إعتبارا من الأذان ولغاية الحج؟
في الجزء الثاني سوف نناقش أصحاب الأفكار التي تثير الفتنة والشقاق بين المسلمين عسى أن يزيل عميد الجامعة الأمعي الصدأ المتراكم على عقله، ويجليه كي تتبين له ولإمثاله الحقيقة الناصعة التي تجاهلها أو تغافل عنها أو يجهلها فعلا. تبا لكم يا من محقتم العراق ووقفتم تتتفرجون على أطلاله وخرائبه!
لقد دمرتم كل مقدرات العراق، فدعوا العلم لأهله يا جهلة! قال تعالى في سورة الأنفال/ 22 ((ان شر الدواب عند الله الصمُّ البكُم الذين لا يعقلون))، صدق الله العظيم.