الإعلام أمام تحدي مغادرة النمطية، والقفز على الأطروحات السائدة، واستيعاب إنجازات التواصل الاجتماعي الفذة، سواء المواقع الرقمية مثل “فيسبوك” و”تويتر”، أو مجموعات “المتابعة” في “واتساب” و”فايبر” و”تلغرام”، وكلها ماكينات جعلت الخطاب غير مُسيطر عليه، وصعب الرصد، لتشعّبه واتّساعه، وتدفّقه.
على رغم كل ذلك، فانّ ثمة فراغ لم يمتلأ بعد، وهو فضاء المصداقية، الذي تتسلّل عبره، الشائعة بكل يسر، ما يضع الإعلام الحقيقي، أمام خيار التصدي لهذا الكمّ المريع من الأخبار المزيّفة والمفبركة التي يضخّها “النشر الحي” عبر التواصل الاجتماعي.
دور الإعلام في ظل تقنيات النشر “الآني” من قبل الأفراد، -لا مؤسسات النشر والصحافة كما كان سابقا-، يتجاوز في مهامه، الترويج للخبر، الى محاربة غيوم “اللايقين” في سماء الإعلام، و تعزيز خطوط فاصلة بين الأخبار “المهنية”، عن أخبار التواصل الاجتماعي، التي بدأت تأخذ زمام المبادرة.
إنّ جيشا الكترونيا يعمل فيه عدة أشخاص بات في حضوره معادلا لمؤسسة صحافية بأكملها، وهذا الأمر يمثل ظاهرة في كل دول العالم، إلى الحد الذي أصبحت فيه منصات التواصل، المفضّلة لدى زعماء العالم لبث خطابهم الى الجمهور بدلا من الصحف ومؤسسات الإعلام الكبرى، من ضمنها التلفاز.
هذا الانقلاب المفصلي، يستدعي إنقاذ الصحافة من أساليبها التقليدية، وان تكون قوة ناعمة جديدة تنتصر على التواصل الاجتماعي باستعارة أساليبه وتوظيفها، فصحيفة ورقية معينة، عليها ان تركز على وجودها “اون لاين” وان يكون لها محررون رقميون يعملون على مدار الساعة، وان تتحول صفحتها الورقية الى مادة توثيقية فحسب، فيما عليها تهذيب بدنها، وابتكار جناحين قادرين على الطيران في الفضاء الرقمي، في انسيابية وسرعة.
ما يخص العراق، فان الأمر يتعدى كونه عملية تنظيم فني وإداري، الى كونه استعدادا لمعركة إعلامية وفكرية، يتم تجنيد الحِرفية فيها، وتعزيز ترسانة التقنيات لمواجهة عصر السرعة الذي يوجّه في كل يوم، آلاف الشائعات المربكة للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ويمكن رصد ذلك بوضوح في تظاهرات جنوب ووسط البلاد.
إنّ التصدي لزحف تقنية الخطاب المباشر المتطور، وأساليب التواصل الاجتماعي في النشر، والانتشار، يتطلب من مسؤولي الإعلام العراقي، تأهيل الموظف إلى مستثمر تفاعلي، وان تجدّد المؤسسات نفسها بإعلاميين تفاعليين، لا مجرّد موظفين، وان تغادر الاعلام النخبوي الى منصات الإعلام الشعبوي الذي يتصدى الى الملفات الخطيرة بإسلوب تفاعلي، لا يستهلك من القارئ الكثير من الوقت، ويوجّه الى الفرد، ضربات فكرية ومضية تبعده عن متابعة الإشاعات الإغراقية.