إعادة تشكيل الوعي الوطني: الدين والتنوّع في الدولة الحديثة

إعادة تشكيل الوعي الوطني: الدين والتنوّع في الدولة الحديثة

تتعامل الدولة الحديثة مع الدين بوصفه شأناً فردياً، وترى التنوّع الديني والمذهبي والفقهي جزءاً من التنوّع الثقافي، الذي تُقام المؤسسات الديمقراطية لرعايته وتنميته، في إطار منظومة الحقوق والحريات، ولصونه من التقويض بأي سلوك سلطوي فوقي، أو نزعة أبوية قهرية، وكذلك لحمايته من التحوّل إلى انقسام وتفكّك وصراع هوياتي.

ولكن في المنطقة التي نعيش فيها، حيث تتداخل الجغرافيا السياسية مع البنى الثقافية، وهو ما يمكن وصفه بالفضاء الجيو-ثقافي الإقليمي، الذي يعكس تأثير العوامل الجغرافية والثقافية والسياسية في تشكيل هوية الدولة، وفي ظل حالة الانقسام المجتمعي التي تلقي بظلالها على مجتمعات في المنطقة، ومنها مجتمعنا؛ فإن الدين يتحوّل إلى شأن سياسي وسيادي أيضاً، وقضية تتعلّق بمفهوم الدولة ونظرة مواطنيها إليها، ونظرة الآخرين المأخوذة عنها.

وبناءً عليه، كان بإمكان السيد محمد شياع السوداني، رئيس مجلس الوزراء، أن يأخذ بزمام خيالٍ سياسي طموح، بأن يستدعي السيدين رئيسي الوقفين الشيعي والسني إلى مكتبه مع بداية شهر رمضان، ليقول لهما: “أتمنى أن يحتفل العراقيون جميعاً بحلول العيد في اليوم نفسه. أرجو منكم دراسة الموضوع، وترتيب أموركم، وتفعيل لجانكم العلمية، وإدارة نقاش فقهي بشأن المسألة، واستحصال مشورة ومباركة المرجعيات الدينية الكريمة، في النجف الأشرف وبغداد وأربيل، والتنسيق مع وزارة الأوقاف في إقليم كردستان. كما أرجو إشراك طيف واسع من جهات دينية، مدنية، أكاديمية، إعلامية في حوار وطني شامل حول القضية، في سياق تنشيط عملية عصف ذهني عامة، تؤدي لخلق توافق وطني حول الفكرة، وعودوا إليّ رجاءً بموقف واحد، وقرار واحد، ويوم واحد يتم فيه إعلان العيد لكل العراق، بشكل رسمي وحاسم”.

إن هذه الخطوة المتخيّلة لا تتعلق فقط بتحديد يوم مشترك للاحتفال بالعيد من الناحية الفقهية، بل تنطوي أيضاً على بعد سياسي رمزي مهم، إذ أن إعلان يوم عيد مشترك يعكس صورة لتماسك الدولة وانسجام مجتمعها، أمام مواطنيها وأمام العالم. في مجتمعات تعاني من الانقسام، تلعب السياسات الرمزية دوراً في إعادة تشكيل الوعي الجمعي، وتعزيز الهوية الوطنية المشتركة، حتى لو لم تحلّ تلك السياسات الخلافات جذرياً. إن حضور الدولة كوسيط وميسّر لهذا الحوار لا يعني فرض رؤية أحادية، بل هو محاولة لإنتاج تكامل وطني معنوي، يجعل العراقيين جميعاً يشعرون بأنهم جزء من كيان متماسك ومنسجم ومتناغم ومتفاعل ومتكامل، رغم اختلافاتهم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات