أحيانا قد يسعى الشاعر لتبويب ( العرض العام ) ، أي التخطيط للنص قبل البدء بعملية الإنتاج الفعلي ، وهذا التخطيط ليس تخطيطا حرفياً ولا شكل من أشكال الأبعاد الهندسية في تصور النص ولكنها رؤى وأفكار وأستغراق في مضمون معين تمر في مخيلة الشاعر وهو في حالة يقظته ويمكن إعتبار ذلك بمثابة التجميع الأولي لكل الأشياء التي يعتقد الشاعر تساهم في تكوين آصرة الإلهام الشعري وهي في وجهها الآخر تعني العودة لإستذكار سجلات الإنسان كما عبر عنها
( ويتمان ) وأسماها سجل الخرافة ،سجل المعرفة ، سجل الأسطورة ، سجل الحلم ، سجل التداول اليومي …إلخ ، ولعل من القضايا التي أكدت وجودها بعد شيوع النظريات الأدبية المدارس الجمالية إن الشعر يرفض المقبول والمعاش كونه الشكل المعاصر للوجود ولايزال يسعى للتوغل في السّرمدي وإعادة تشكيل المجهول المكتشف ، ومن هنا لابد أن يعطي الشاعر
للأشياء رمزيتها بحيث تكون المفردة الرمزية لها سحرها ولها آصالتها ، وفي هذا الصدد يُعرف الناقد (كنت بيرك ) يعرف العمل الرمزي بأنه (رقص النزعات والميول ) ولأن اللاشعور يمثل وعاء المخرجات لمداخل شتى آثر فيها الزمان والمكان ويمثل الشعور بعد ذلك الناتج المنجز منها بقدر أو بآخر فأمام ذلك تكون مهمة النقد ( التوضيح والتصحيح ) وهو ما يراه أليوت والى حد ما فأن الشاعر لايريد من النقد توضيح نصه لأن آليات الشاعر كما عبر عنها فرويد تحفل بالخلط المكاني والخلط الكلامي والتفاصيل الثانوية وعند البدء بالعملية الإنتاجية (خلق النص ) يحدث تحولا مفاجئا عند التعامل مع الموجودات التي أشرنا اليها سواء تلك التي تشكلت في اللاشعور أو تلك التي يتناوب الشعور في طرائق إستخدامها وضمن صراع الإنفعالات يصل هذا التحول ذروته لإنتاج الصور الفنية المشحونة بالمعنى والممتلئة بقدراتها التكثيفية وهذا التكثيف لايعني الحشد من أجل إغراء المتلقي سواء تكثيف الصور الغرائبية أو تلك الصور ذات الواقع الإرثوي والعودة بالمتلقي الى جوهر فطرته كما يقول خليل حاوي ، ولعل هذه الرحلة الشعرية رحلة البدء بالإنتاج والإنتهاء منه والتي تحفل بتلك الصراعات ومنها
صراعات الأضداد ، صراعات عدم القناعة ،صراعات التمرد ، الصراع مع الموروثات ، صراعات الإستجابات البطيئة والسريعة، صراعات المؤثرات الخارجية الآنية ، كل تلك المساجلات الروحية والعقلية تعبر عن رغبة الشاعر في مواجهة كوارثه ليتمكن من تقدير سرعة إستجابة قدراته إزاء مشروعه الجمالي في خلق نصه الشعري إن كان ذلك الجمال بشكله الواضح أو بشكله الإيحائي بتعبير( فلوبير) :
إن بيتا من الشعر جميلٌ لايدل على شيء ، خيرٌ من بيتٍ أقل منه جمالاً وإن إحتوى على معنى ، ونعتقد إذا كان الجمال يقع ضمن هذا الوصف أو ذاك ،
فأن الشعر يعني ليس الحياة فقط وإنما:
الحياةُ وشيءٌ ما ، وهذا الشئٌ ما هو المجهول أي أن الشعر يعني إعادة إكتشاف المجهول المكتشف ،