تُعّد عملية إعادة إعمار المدن المدمرة في العراق نتيجة العمليات الارهابية وإعادة النازحين من أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة العراقية في الوقت الحالي وخاصة بعد دحر داعش والانتصار الكبير الذي حققته القوات العراقية في تحرير كامل الأراضي العراقية من دنس التنظيم الارهابي الذي عاث في الأرض فساداً, ولقد قامت الحكومة العراقية في عام 2015 بتأسيس صندوق اعادة اعمار المناطق المتضررة من العمليات الارهابية ، وذلك للتنسيق بين المنظمات الدولية والوزارات العراقية في عمليات اعادة الاعمار السريعة وينفذ عمليات اعادة الاعمار المتوسطة والطويلة الأجل في المناطق التي يتم تحريرها من سيطرة (داعش), وقامت الحكومة عند تأسيس هذا الصندوق بتخصيص مبلغآ أوليآ للصندوق قدره (500) مليار دينار عراقي في موازنة عام 2015، على أمل إضافة موارد الصندوق فيما بعد من المنح التي يمكن ان تقدمها الدول الصديقة والشقيقة بالاضافة الى ما تخصصه الدولة من أموال من خلال الموازنات الاتحادية اللاحقة, ودعى العراق على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي وخلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي المجتمع الدولي مساندة العراق في عمليات اعادة اعمار المدن التي تعرضت لهجمات تنظيم داعش, مع تأكيد الحكومة على انها تملك استراتيجية وطنية لاعادة اعمار المناطق التي تم استعادتها من داعش وارجاع العوائل النازحة وتأمين كل مستلزمات الحياة لهم.
تمكن العراق من الحصول على قرض أولي من البنك الدولي بلغت قيمته 350 مليون دولار لدعم بناء الطرق والجسور وعدد من المنشأت الحيوية في محافظتي الانبار وصلاح الدين ويعتبر هذا القرض كمرحلة أولى لعملية اعادة الاعمار, وبعد ذلك تمكن العراق منذ بضعة شهور من اقناع البنك الدولي على منحه مساعدات مالية بقيمة 400 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار العراق، بعد تحرير العديد من المدن من سيطرة تنظيم داعش وتغطي أنشطة المشروع خمسة قطاعات رئيسية هي المياه والصرف الصحي والكهرباء والصحة والنقل والخدمات البلدية، كما سيستمر التمويل الإضافي في تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية في المناطق المُحررة في مجالات التعليم والزراعة وتقديم الخدمات الحضرية.
ويساند المشروع أيضا حفظ وترميم الموروثات الثقافية المهمة لاسيما في مدينة الموصل القديمة، وكذلك تحسين نوعية التعليم للفتيان والفتيات، وزيادة فرص التوظيف للنساء والشباب، وكذلك الفقراء في المناطق الحضرية والريفية على السواء,ويهدف التمويل الإضافي كذلك إلى دعم الحكومة العراقية في اجتذاب القطاع الخاص للمشاركة في جهود إعادة الإعمار.
مؤتمر المانحين الدوليين والذي عقد في الأشهر الماضية في واشنطن جمع ملياري دولار وتم الاتفاق على تخصيص 80 مليون دولار قد تم التعهد بتخصيصها للتخلص من الألغام، فيما جمعت تبرعات بقيمة 50 مليون دولار لتمويل صندوق الأمم المتحدة من أجل استقرار العراق على المدى البعيد الذي يعمل على تأهيل المناطق المستعادة من داعش وإعادة الخدمات إليها، وتوفير الوظائف للسماح لسكانها المهجرين بالرجوع إليها. وسيدعم البرنامج الجديد توظيف ما بين 17 – 20 ألف وظيفة جديدة في الكليات والجامعات والمستشفيات المؤهلة للشمول بهذه التبرعات، والموجودة داخل المناطق المُستعادة من التنظيم.
وتعهدت دول أخرى بتقديم تعهدات بقيمة 900 مليون دولار، تخصص لمشاريع إنسانية وأمنية خلال الفترة المقبلة.
الواقع الحالي أن المدن الدمرة لم تشهد أي عمليات اعمار حقيقية ملموسة على أرض الواقع لحد الآن بالرغم من تخصيص المبالغ المذكورة أعلاه .
في اعتقادي ان قضية اعادة اعمار العراق تحدي كبير فوق طاقات الحكومة العراقية خاصة ان اقتصاد العراق يمر بأسوأ حالاته والتوجه العام في السياسة الاقتصادية المتبعة حالياً هو ضغط النفقات بشكل كبير لتقليل العجز الكبير في الموازنات الاتحادية وللتمكن من تسديد الديون الخارجية الكبيرة والتي حان وقت تسديدها وكذلك ان البنى التحتية والخدمات بشكل عام في جميع محافظات العراق تعاني من نقص كبير حيث عانت من اهمال واضح منذ عام 2003 ولحد الآن, فلذلك الأمر يحتاج الى تكاتف دولي كبير على غرار مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية ويحتاج الى أموال كبيرة لمساعدة العراق في عملية إعادة الاعمار وإعادة النازحين الى ديارهم وهذا الأمر يتطلب من حكومة العراق التحرك دبلوماسياً بشكل كبير على جميع دول العالم وعلى المنظمات الأممية والمنظمات الانسانية لشرح الوضع الانساني المتردي الذي يعاني منه سكان المناطق المدمرة وتقديم الاحصائيات الدقيقة عن حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحروب في هذه المدن ومحاولة اقناعهم بمد يد العون من منطلق الانسانية.
هناك عائق كبير آخر في اعتقادي لا يقل أهمية عن العائق المادي يقف أمام نجاح عملية اعادة الإعمار ألا وهو انتشار الفساد بشكل مستشري في معظم مؤسسات الدولة العراقية وهذا ماخلق حالة تخوف لدى الدول المانحة والدول التي تبغي تقديم مساعدات للعراق في هذا الجانب من ذهاب الأموال الممنوحة والمخصصة من قبلهم الى جيوب الفاسدين, وهنا يجب على الحكومة العراقية العمل بجد والضرب بيد من حديد على الفساد ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المسروقة وكذلك يتحتم على السيد رئيس الوزراء تشكيل لجنة عالية المستوى وبإشرافه شخصياً من العناصر المشهود لها بالنزاهة للإشراف بشكل مباشر على وضع استراتيجية علمية دقيقة لعملية اعادة الاعمار والاشراف على صندوق الإعمار وعلى المبالغ التي تنفق بهذا الجانب والمتابعة بشكل يومي على كل دولار ينفق في عملية الاعمار وهذا الاجراء لو تم بشكل حقيقي سيساعد في زرع الثقة لدى الدول المانحة والمنظمات الأممية بأن الأموال الممنوحة ستنفق في المجالات المخصصة لها وليس لجيوب الفاسدين ما سيساعد في الحصول على المزيد من الدعم الدولي والأممي لغرض المباشرة بشكل فعلي في اعادة اعمار المدن المدمرة واعادة سكانها النازحين وتقديم الخدمات الانسانية الضرورية لهم وتعويضهم عن الخسائر الكبيرة والمعاناة الهائلة التي تعرضوا لها طوال السنين الماضية.