18 ديسمبر، 2024 10:08 م

إعادةُ النظر في فهم الحقيقهِ وتصرُفاتِ البشر

إعادةُ النظر في فهم الحقيقهِ وتصرُفاتِ البشر

نواجه في حياتنا الكثير من المشاكل والصّعاب والتي تختلف من شخص لآخر ومن بيئه لأخرى والتي من الطبيعي والمعروف تحتاج الى حل وهنا أيضاً تختلف الحلول بحسب طبيعه تلك الضائقه،والتي نحاول أن نجتازها حتى نعيش حياة سعيده، وكما يسعى لها بني البشر لتوفير المتطلبات (الحاجات )ولتحقيق الآمال،والعيش بطمأنينه.

بيد أن من إحدى أهم الأمور هي معرفه حقيقه تلك المشكله لانها كشفها يعني كشف جزء من العلاج لذلك الداء(العله)،وعدم كشفها يعني البقاء بلا حل والتي تُدخل الانسان في متاهات، من صعب الخروج منها،ويتدرج الانسان في إدراكهِ للأمور وكشفه للحقائق والأشياء الغامضة بأزدياد معرفته ونضج أفكاره والتي تأتي للأنسان أما عن طريق الفضول أو عن طريق الحاجه اليها ،أو من خلال بحثه عن أمور أخرى فتصادفه لكن الشيء الأهم الذي يدفع الإنسان للبحث عن الحقيقه هي الحاجه الملحه سواء كانت تلك الحقيقه تتعلق بالوجود أو الكون والطبيعيات أو السعاده ،وما الى ذلك.

“والحقائق على أنواع فمنها (النسبيه والمطلقه والدينيه والصوريه والواقعيه والأبديه والماديه والموضوعية”،ويقول ابن منظور في لسانه: (بلغ حقيقة الأمر أي يقين شأنه)،فمعرفه الحقيقه من الطبيعي تستوجب إما الثبات على أمر ما ودوامه أو التغيير وهنا موضع الإشكال التحول أو نقض إعتقاد سابق ….لماذا ؟

على سبيل المثال تعلق الأنسان ولفتره معينه وأعتقاده بقضيه أو فكره محدده والدفاع عنها ،فتتعدد الأسباب فيكشف الأنسان أنه كان على خطأ أو متوهم أو تنقصه الدقه، والقناعه السابقه لديه أصبحت محل شك ،وقد يحدث العكس فينقلب الانسان ضدها ،لذلك إن لم تكن هناك إراده حقيقيه صادقه ومصارحه مع النفس ،فيبقى الأنسان تائهاً،ويعاني بأستمرار،وتؤثر عليه نفسياً وتسبب له إزعاجاً، وحتى من باب غلبه الرأي وسدادهِ(وذلك لأن الإنسان يميل ويصطف ويحاول أن يكون في موقف المنتصر)، وإدراكه للواقع الذي يعيشه فيكون شغله الشاغل،وهناك الكثير من الأمور التي تحتاج منا الى إعاده للنظر فيها والتأمل بها وتقويمها تقويماً صحيحاً بحيث نعطي كل شيء حقه وليس إعمال العقل على حساب الدين، أو العكس على سبيل المثال ،فتتخلخل الموازين وتختلط الأمور فيعود الناتج بالسلب على الشخص وعلى حياته وتعاملاته.

تصرفات كثيره يقوم بها المجتمع على شكل سلوك تنبع من قناعات بأختلاف مستوى وعيهم وتعليمهم ولا سيما في دول الشرق،وهذا لا يعني أن الغرب كامل مكمل فلدى الغرب أيضاً نقاط خلل تحتاج الى تصحيح وأستدراك للأمور ،ولكننا أمام موضوع واسع الأبعاد يتعلق بالعالم كله من أمور وقضايا رئيسيه، وما هو موجود في الشرق يفرق عن الغرب في مسأله البحث والتقصي ،لان الغرب أيضاً يبحث عن الحقيقه فهذا الامر لا شأن ولا علاقه له بين عالم الشمال والجنوب كما أوضحنا رغم إتجاه الغرب وآرائهم وقناعتهم بالعلم ولا شيء سوى العلم وإلغاء أو فصل الدين والأصح هو إلغاء الدين وتشويهه أمام المجتمعات والشعوب وإيجاد وتوفير مَدَنيه وتطور حديث كبديل ! وحياة قائمه على المنفعه، لكن النقطه المهمه الفارقه هي أن من يعيش في الشمال تكون الظروف أو الوسائل إن صح التعبير أكثر ملائمه ولذلك يكون متفرغاً لها ويصب كل جهده في سبيل تحقيق ما يصبو اليه طبعاً ليس العوام المنشغلين،ولكن الباحث عن الحقيقه قاصداً الحقيقه وليس هدمها وتزييفها ،لكن هذا الشيء لا يعتبر معياراً فربما تتوفر الوسائل لكنها لا توظّف بشكلٍ صحيح أو ربما تكون القناعه موجوده لكن تنقصها الشجاعه، والطرح السليم الموضوعي، ولكن توفر الأدوات والمجال الواسع والإستقرار تعد عوامل مساهمه، أما في الشرق فتتخللها عوامل كثيره بعضها في بعض وهنا قد يخلط الانسان بين قضايا شتى فتتعقد المساله ولا يخرج المرء بنتيجه وتكون الفوضى سيدةُ الموقف،ولهذا حصل الغرب على إستراتيجيات وأساليب لَهُو والتفاف حول الحقيقه وحصلنا نحن (الشرق)على الفوضى والدمار واللا إستقرار وفي كلتا الحالتين العالم في ظلام رغم أن نور الحقيقه لم يفقد شعاعهُ بل لا يزال،ولابد أن يصل هذا النور الى العالم كله، لكي يُضِيء القلوب والعقول.

ومن أهم الأسباب التي تبقي المرء عاجزاً عن إيجاد وكشف الحقيقه هو القصور في التفكير والإفتقار الى المعرفه والإنشغال بسفاسف الأمور ،وأتعجب من أولئك الذين يقولون بأننا نعيش حياه سعيده وأننا نمتلك تلك القناعه التي بفضلها نحن سعداء، بمعيشه بسيطه هادئه ،فسؤال نطرحه الى الذين يرضون بهذه المعيشه هل هذا الأسلوب الذي اخترتموه نابع من معرفه حقيقيه أم من جهل وما هو الأساس الذي أستندتم عليه، وهل رأيتم واكتشفتم العالم وما هي قيمه المتعه لديكم،وهل هذه القناعه التي تنطلقون منها نتيجه السعي والعمل الدؤوب ثم التسليم للواقع (القناعه الإيجابيه) أم نتيجه العجز والجهل والتكاسل!

حتى يصل الأمر الى حد هذا الوصف للمجتمعات عندما تكلم الفارابي عن المدينة الجاهله وقال (هي التي لم يعرف أهلها السعاده بل ظنوا أن الخير في الملذات البدنيه وأن الشقاء هو آفات الأبدان)،رغم أن شهوه الأكل أو الجنس من الطبيعي (الطبيعه البشرية ) لابد من إشباعها بالحد المطلوب والتفريط أو الحرمان ينعكس سلباً على الانسان لكن ليس شرطاً !! لان في التاريخ هنالك العديد من المفكرين والكتّاب الذين إعتكفوا عن الزواج(الجنس) كمثال ولكن أبدعوا في الجانب الفكري ودقه وصف الأشياء …… ،بل يجب على (الإنسان)أن يتخذها جسراً للوصول الى غايات كبرى ولكن الاهتمام الزائد أو التركيز على هذه الشهوات بهدف المتعه لا المتعه الكافيه بل المتعه المفرطه والترف تقلل من قيمه الإنسان وتهدر طاقاته في أشياء لا تستحق إهدار الطاقةِ والوقت لأجلها، (وكما قال أبو حامد الغزالي هذه شهوات حقيره بل هناك أشياء أخرى تسمو بالإنسان).

وتساؤل آخر لماذا أحياناً الأغنياء والمترفين لا يملكون السعاده بل التعاسه رغم إشباعهم للحاجات الدنيوية ! فالجميع يظن ويسعى من أجل إشباع هذه الرغبات ….. لكن ما أن يصل الى حد الإشباع حتى يعلم بأن هناك أمور أخرى أسرار أخرى لا بد من معرفتها وتذوقها ولانقصد بذلك تحقيق مثلث (ماسلو)بل أبعد وأعمق من ذلك فقد يكون بروفيسوراً مشهوراً، لكن لديه خواءاً روحياً أو لا زالت هنالك أشياء حياتيه واقعيه لم يجد لها التفسير الكامل والحل الشافي، وفي بعض الأحيان ليس الهدف من وراء الحقيقه تحقيق السعاده بقدر إدراك ومعرفه أصل الشيء وفي أمور كثيره يحصل الانسان على الطمأنينة عندما يدرك حقيقه الشيء والتي بالتالي تقوده الى السعاده منها معرفه الله سبحانه وتعالى التي هي الأساس والبدايه لكل ما هو صائب، ولذه العلم التي لا يعرفها إلا من ذاقها.

وننوه بأننا لا نقصد من هذا الكلام الشك في العداله الإلهيه أو القدر (فالحمد لله على كل حال)بقدر فهمنا وإدراكنا للحياة ومغزاها وأن هذه المساله وخفاياها لا تقتصر على ما كتبناه بشكل مختصر قصير ناقص غير غني وآمل أني قد أعطيت مقدمه لهذا الموضوع وأتمنى أن يكون قريباً الى جاده الصواب بعيداً عن الإنحراف.

وأعلم أن الوصول الى الحقيقه وحدها لا يكفي فقد يصل الانسان الى قناعه لكن البيئه لا تسمح أو يكون ضعيفا مهزوزاً من الداخل لا يمتلك القدره على المقاومه … ولهذا يحتاج الى الصبر تاره والى التضحيه تارات …. لو كنتم تعلمون.