18 ديسمبر، 2024 7:49 م

إطلاق العقول وإنقاذ الإنسانية هدف المحقق الأستاذ

إطلاق العقول وإنقاذ الإنسانية هدف المحقق الأستاذ

بداية ينبغي أن نفرّق بين أن يكون الإنسان عاقلاً أو أن يكون ذكياً. إذ أن الأذكياء قد يستطيعون صناعة قنبلة نووية وطائرة تفوق سرعة الصوت لكنهم لن يكونوا عقلاء حين يبيدون بها مئات الآلاف من البشر الأبرياء, أوقد يُدير الأذكياء الشركات والحسابات المصرفية ببراعة لكنهم لن يكونوا عقلاء عندما يتحولون إلى عصابات لغسيل الأموال وتنظيم صفقات العقود الوهمية, إذن فكل عاقل ذكي ولكن ليس كل ذكي عاقل,
وهنا عندما نقول إن هدف المحقق الأستاذ هو أطلاق العقول ليس المراد منه أطلاق الذكاء أو المهارة, لأن هذين يرتبطان بالعلوم الحسية التجريبية التي تُعرف من خلال الملاحظة والتكرار, ولا علاقة للأديان بإيجادهما, إنما المقصود من العقل والتعقل هو أن تكون للإنسان قدرة على أن يحكم نفسه بمجموعة قيم إنسانية ربانية يرى من خلالها ما هو الصحيح وكيف يُصرّف نتاجه في مصلحة مجتمعه, وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال (العقل ما عُبد به الرحمن واُكتسب به الجنان)
وهنا يأتي الكلام عن والكفاءات وحملة الشهادات وفي مختلف التخصصات, ويُصبح السؤال كيف ينحدر المجتمع إلى التسافل والضياع بين الشعوب مع ما يمتلكه من هذا العدد من الخبرات؟
هنا صراحة تأتي الإجابة مما ذكرنا في المقدمة, حيث أن الذكاء باق ولربما في تطور ونمو, ولكن التعقل غائب وفي انحدار. وقد يقول قائل وكمثال: إن هذه الشعوب التي لا تدين بالإسلام هل تعقّلت بالعقل السماوي؟ الجواب نعم, فسواء أنها أدركت هذه القيم متأخرة بحكم المصلحة المادية وكثرة النكبات وتطور فلسفة عقلاءها, أو أنها انتزعتها من بين مفاهيم الأديان بعد الخلاص وتجريدها من عجرفة الرهبان والقساوسة مثلاً , فهي إنما وافقت مراد رسالات الأنبياء وسارت مع الإصلاح مضموناً. قال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود : 117].
من هنا نُدرك أن دور التعقل أهم من دور الذكاء والمهارة, ولهذا أصبح الأنبياء والأئمة والصالحون قدوة يُحتذى بهم إلى الآن, رغم تطور البشرية, لأن المجال الأساس في مهمتهم كان هو أن تسير البشرية ضمن مجموعة القيم الإنسانية التي جاءوا بها وتُسخّر كل طاقاتها وخبرتها تحتها, وهذه ليست مهمة سهلة حتى يمكن لجاهل أن يدعيها أو أن يضع نفسه مربيا لما فوقه من أهل العلوم إذ أننا نقصد بالتعقل هو الاغتراب الفكري فلسفياً وهو إدراك عواقب الأمور, فيعالج سلوك مجتمعات وأفراد وفقا لتلك الرؤية ذات الأفق البعيد ويصطدم مع اعتقادات المؤالف والمخالف استنادا لذلك الإدراك, بسعة عقله ونفاذ بصيرته في مجريات الأمور استنباطاً من قيم السماء.
والإسلام كغيره من الثقافات والأديان, تسللت إلى تراثه العديد من الاعتقادات الخاطئة والأفكار الشاذة وروح العصبية المذهبية, التي لا تختلف عن الحكم الدكتاتوري حين يجبر عقول المجتمع بخبراتها أن لا ترى إلا ما يراه, فيسلك بها بدون تعقل طريق الحروب العبثية والدمار. فكذلك وقد صُورت هذه الخرافات والاعتقادات الخاطئة بسذاجتها التي تناسب ميول المجتمع, على أنا محور رسالة السماء وهدف الأنبياء. ومن يدعي حملها خط احمر مقدس بقدسيتها, وتلازما بقبوله الخرافات لقلة معرفته لا يمتلك إلا أن تديره مجاميع من أهل المنافع الخاصة واللوبيات العميقة حتى توشجت تلك الاعتقادات الخاطئة بمنظومة الانحراف وأخذت تجر المجتمع للمهالك, فيما بات تجاوزها إلى فضاء التعقل خط أحمر, فلا يحق لفرد أن يطلق عقله في فضاء الحرية والتعبير عن الرأي أو أن يرى له دورا في أن يدير شؤون أبناء بلده, إلا أن يكون تحت سقف لا يتجاوز ارتفاعه مصالح الأسياد.
ولذا تعطل التعقل في بلاد الرافدين تحت عناوين الطائفية والمذهبية وأخذت مشاريع الخارج تشق طريقها لتدمير البلاد عبر البوتقة الاثنية والخطوط الحمراء وأضحت هذه الأعداد من الكفاءات وعقولها ومهاراتها حبيسة لا مجال لها إلا أن تكون كآلات ذكية متى أُمرت بالعمل عملت ومتى أُمرت بالوقوف توقفت, دون أن يكون لها أي دور في صياغة سياسة البلد وتطويره وتوزيع ثرواته وإدارة شؤونه وإنقاذ المجتمع.
وهذا الذي حدا بسماحة السيد الصرخي الحسني ليقطع أصول الخرافات التي يُقاد المجتمع من خلالها وتُسجن العقول فيها تحت قبضة الجماعات المتطرفة, فأراد سماحته أن يُعرّي كل ما له قدسية زائفة أو كل حدث تاريخي غير واقعي قد حول المجتمع إلى كانتونات تُؤكل حقوقها وتُطلب لها الحُماة, ليرفع سماحته القيود وليفتح الباب للعقول الحبيسة ليس لتنجيز الذكاء بل لتتضافر العقول في وضع نتاج الخبرة والمهارات فيما ينفع المجتمع انطلاقا من القيم الإنسانية السماوية.