23 ديسمبر، 2024 7:33 م

إضطرابات سلوك الشخصية السياسية

إضطرابات سلوك الشخصية السياسية

السلوك المضطرب ينجم عن الشخصية البشرية المضطربة , التي تمتاز بأنها تمتلك نمطا من التجربة الداخلية والسلوك المنحرف كثيرا عن المسار الذي نتوقعه من البشر المسمى سويا. وهذا النمط الراسخ في الشخصية يتأكد بالكيفية التي يتلقى بها الشخص نفسه ويفسرها أو يفهمها وكذلك الآخرين والأحداث من حوله.
وكذلك تكون استجاباته ممزوجة بالانفعالات الحائدة عن معدل الانفعال العام لدى الآخرين. فهو يكون متقلب المزاج , ومشاعره وعواطفه لا ترتبط بالموقف الذي هو فيه وتظهر شذوذا وانحرافا واضحا. وهذه المواصفات تؤثر على تفاعلاته مع الآخرين , وتؤدي إلى ضعف في قدرته على السيطرة على إندفاعاته.
هذه الحالة تكون صلبة وغير قابلة للمطاوعة والتغيير وتتسبب في العديد من المشاكل وعلى مختلف المستويات. والسياسي ربما يكون من المصابين بإضطراب سلوكي , قد ينجم عنه نتائج كارثية من خلال القرارات التي يشارك في إقرارها , خصوصا عندما يعمل في نظام لا ديمقراطي يوفر له قدرا كبيرا من حرية الاستبداد والطغيان.
وسأتناول بعض إضطرابات السلوك التي تصيب الشخصية السياسية بإيجاز وكما يلي:

أولا: الإضطراب الشكوكي
وهو يُملي على الشخصية أن تكون في حالة من عدم الثقة والشك بالآخرين, فتفسر دوافعهم على أنها شريرة دائما. وهي تشك بدون أدلة كافية وتعتقد بأن غيرها لديهم نوايا في إيذائها وخداعها واستخدامها لتحقيق أغراضهم. وتكون مشحونة بالشكوك اللا مبررة حول إخلاص وثقة العاملين معها. ولا يمكنها أن تُطلع الآخرين على أسرارها لأنها تخشى أن تُستخدم ضدها. ولديها توجه عجيب لقراءة المخفي والبعيد من الدوافع والإشارات. وهي لا ترحم ولا تغفر وتكون قاسية إلى حد غريب. وتستجيب لأي هجوم أو تعرض لها بالعنف والقسوة الشديدة جدا. 

ثانيا: الإضطراب السايكوباثي
إضطراب عنيف ومدوّي لأنه لا يعير إهتماما لحقوق الآخرين , ولا يراعي القوانين ويسعى دائما إلى خرقها والعبث بحقوق الغير والاعتداء عليها. وهذه الشخصية تميل إلى الكذب واستخدام الآخرين من أجل تحقيق المصالح والرغبات , وينعدم لديها القدرة على التخطيط والوعي المستقبلي , وإنما تتميز بالاندفاعات الحامية والمتكررة. وتكون هائجة عدوانية وتدخل في نزاعات متلاحقة. وتتخذ قرارات قد تتسبب في إيذاء الغير وإيذائها كثيرا, لفقدان القدرة  على حساب النتائج , وعدم الشعور بالمسؤولية المتواصلة وتحسب فشلها نجاحا ونصرا.

ثالثا: الإضطراب النرجسي
الطاووسية المتعاظمة والشعور المريض بالعظمة والكبرياء والحاجة إلى التبجيل والاحترام , وهي شخصية خالية تماما من الشعور بالآخر, لأن محور تفاعلاتها وعواطفها تكون حول الأنا المتضخمة الكبيرة. ولديها الإحساس بعظمة أهمية الذات الفردية وتضخِّم ما تقوم به أشد التضخيم , وتحسب الآخرين من واجبهم أن يعظموها ويمجدوها إلى أقصى ما يمكن التمجيد. وهي مشحونة بفنتازيا النجاحات الفائقة والقوة والجمال والإلهام , وكل ما يمت إلى الإله من صفات. وكل ما تقوم به يعدّ فريدا ولا مثيل له في الأرض , ولهذا لا بد من تقديم آيات العرفان والتعظيم لها , على مدى الساعات لكي ترضي تطلعاتها نحو تأكيد الذات وتعظيمها.
وهذه الشخصية تستخدم الآخرين كالعبيد من أجل أن تتحقق مصالحها. وتعتقد أنهم يحسدونها ويغارون منها ويستهدفونها أيضا. وهي شخصية متكبرة , عنيدة وتميل إلى التهور في بعض الأحيان.

رابعا: الإضطراب الإدماني
قد يكون السياسي كحوليا أو مدمنا على الخمر والقمار , وهذا السلوك يدفع به إلى استخدام آليات دفاعية معروفة هي التبرير والإسقاط والنكران , والتقليل من أهمية الموضوع والحدث أو المشكلة والمنطقية الزائفة القوية. وهذه الآليات تنعكس على سلوك السياسي وتدفع إلى قرارات مؤذية , لأنها لا تريد رؤية الواقع وتلامس جسد الحقيقة أو المشكلة وإنما تنأى عنها بالتبرير والنكران.

خامسا: الإضطراب الثعلبي
أن يمارس السياسي أساليب الثعالب وخبائثها ويتخلق بأخلاقها ويحسب ذلك شطارة وسياسة ورجولة وذكاءا وقوة. ويتفنن في خبرات الإيقاع بالآخرين وحفر الهاويات لهم وأكلهم وهم أحياء. هذا المكر والخداع السلوكي يصاب به الكثير من الساسة , ويحسبونه سياسة وقدرة فذة على الإيقاع بالمعارض أو صاحب الرأي الآخر , الذي يجب أن يكون قوة مضافة إليهم وليس عدوا لهم.
وقد فعل هذا الاضطراب فعله في عالم السياسة عندنا وأودى بحياة الكثيرين من أبناء البلد الأذكياء في أتون الموت السياسي والجسدي والفكري.

سادسا: الإضطراب الكرسوي
في هذا الاضطراب يتحول الكرسي إلى غاية ووسيلة في آن واحد, بل ويكون هو الوطن والشخصية والمعالم التي تحدد قوة وقدرة السياسي. فيصبح أغلى من الوطن والحياة, مما يؤدي إلى ضيق الأفق والرؤية والانغلاق والتحجر في الكرسي حتى يتهاوى إلى السقوط الأكيد, لأنه سيتمادى في جوره وغيه وطغيانه, لما أصاب السياسي الجالس عليه من عماء كرسوي مدمر. وقد تصل الحالة بالسياسي إلى أن يتصور بأن ذئبا يجلس تحت الكرسي , وما عليه إلا أن يكون في تمام اليقظة والحذر من كل الذين يحومون حول كرسيه , لأنهم في عرفه ذئاب تريد أكله وأخذ الكرسي منه. وبعضهم يصاب بالداء الوخيم لدرجة لا يمكنه مغادرة دائرته أو وزارته أو قصره الرئاسي , خشية أن يفقد كرسيه بل حتى لا يقوم بزيارة لأي دولة لأنه لا يأمن الذئب أو الذئاب على الكرسي.

سابعا: الإضطراب الفكري
ونعني به نمط التفكير الذي يتصوره السياسي ويستسلم له ويرى من خلاله الأحداث والتفاعلات. وعندما يكون النمط القائم في رأسه محددا بمفردات وموضوعات ضيقة , يريد أن يفرضها على الواقع بعيدا عن كل ما يسوغ أهميتها ودورها في صناعة الحياة المفيدة والباقية للجميع.
ويدخل ضمن هذا الاضطراب نمط تفكير الحزب الواحد والرأي الواحد. واضطراب أنا أمتلك الحقيقة ولا يمتلكها غيري. وتحول النظام إلى مقياس للوطنية والولاء, في نظام يغيّب فيه الوطن والمواطن ويؤكد رؤاه وتصوراته النمطية , التي تريد أن تمنح شكلها للأفراد وتصنعهم على هواها ومنهجها , المحصور في دائرة الرؤية الواحدة التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها.
وقد تسبب هذا الاضطراب في إدامة عدم الاستقرار ونشوب النزاعات وتداعي القدرات وتنامي الملمات على الشعوب. ويكون تحت مظلة هذا الاضطراب التفكير العنصري والطائفي والمذهبي والحزبي.

ثامنا: الإضطراب الإندفاعي
ويكون صاحب هذا الاضطراب فاقدا لقدرة المقاومة والسيطرة على اندفاعاته وإغراءاته , وقد تتخذ أسلوبا دفاعيا وتخضع لقانون, وتتأكد كثيرا بإطلاق الغضب المتولد وفقدان القوة على تهذيبه وتوجيهه التوجيه الحسن , وإنما الارتماء في أحضان السلبية والدمار الذاتي والموضوعي القاسي. هذا الضعف في المقاومة أو ما نسميه غياب الحلم والتبصر وقدرة العقل على التحكم بدوافع العاطفة والنفس السيئة الفاعلة في الأعماق البشرية , هو الذي يؤسس لمآسي وطنية قاسية. ويصاب صاحبه بتوتر وتحفز شديد للقيام بالعمل , ويتملكه بحيث يعمي بصيرته ويشل عقله فيقفز إليه , فيشعر براحة وسعادة مؤقتة يدفع ثمنها قاسيا برغم كل قدراته التبريرية والتعسفية , التي تحاول أن تظهر السلوك على أنه مبرمجا ومخططا له بعناية. وتلك مصيبة الاضطراب الاندفاعي الممتزج بالاضطراب النرجسي القاتل.

تاسعا: الإضطراب الانفعالي
أن يكون سلوك الشخصية تبعا للانفعالات والمشاعر القائمة فيها, بعيدا عن كل الاعتبارات والاستنتاجات الأخرى. أي أن الشخصية تولي إهتماما أكبر لرؤاها الانفعالية وحدسيتها الشعورية , وتخضع لمنظارها ودعوتها لفعل شيء ما يعبر عنها. واضطراب الانفعال يؤدي إلى قرارات غير متوقعة ولا مدروسة , بل أن هذه الشخصية لا تسمح بالدراسة ولا تقبل بنتائج لا تتفق ورؤيتها الانفعالية للموضوع أو المشكلة , لنها قد تمترست خلف إنفعالاتها وسخرت كل طاقاتها لتصديق ما توحي به إليها هذه الدوامة الإنفعالية العارمة.

عاشرا: الإضطراب الصندوقي
وهو اضطراب الانغلاق والتقوقع في الذات والرؤية الفكرية أو السياسية والإمعان بها  والتطرف والانحراف بسببها , وقد يصل هذا الانغماس المرضي بالفكر إلى درجة الوهم والتصرف وفقا للأوهام المتولدة عنها , والتي تقود الشخصية بقوة وعنف إلى التعبير عنها وتأكيدها بعيدا عن كل الخسائر وسوء النتائج المتمخضةو لأنها لا يمكنها أن ترى ماوراء ما ترى بسبب حجب رؤيتها الكثيفة برمالها ودخانها.

حادي عشر: إضطراب الاستنقاع
أن تفرض الشخصية حصارا على نفسها ونظامها وتعيش في مستنقع رؤاها المقطوع عن مياه الحياة والبعيد عن حركة الزمن, مما يؤدي إلى سيادة قوانين المستنقع على نهر الحياة الجاري,  وهذا يقضي بعدم التوافق وحتمية الانتهاء. ويؤثر هذا الاضطراب على المجموعة القائمة ضمن النظام أو الحزب , وتصيبهم بالشلل وتستنفر فيهم غرائز وقدرات البقاء والصراع على مصادر صيرورة ثابتة أو متناقصة , مما يحدو بهم إلى قتل بعضهم البعض وتحويل وجودهم السياسي إلى مأساة مروعة تنتهي بهم جميعا إلى وديان السقوط القاسية.

ثاني عشر: إضطراب حب الظهور
حب الظهور فاجعة سياسية على مستوى الفرد والجماعة التي يمثلها, لأنه سيوهم الفرد بما ليس فيه , ويعطيه حق التصرف في موضوعات لا قدرة له على تصريف أمورها بحذاقة وجدارة وقابلية جيدة , كما أنه يحرف الشخصية عن طبيعتها ويدفع بها للتحليق في أجواء سرابية لا تستفيق منها إلا بعد أن تحطم ذاتها وموضوعها. وحب الظهور اضطراب قاتل يصيب الشخصية السياسية وينفخها لدرجة الانفجار الحتمي.

ثالث عشر: إضطراب حب المديح
وهذا الانحراف يترادف مع الانحراف الذي سبقه, لكن المديح أكثر دمارا للشخصية وأشد قدرة على تشويهها وتدمير كيانها وإخراجها من آدميتها , بسبب النوازع المتطفلة التي يعبر بها الآخرون عن حاجاتهم الدونية , والتي يلصقونها بصورة الشخصية السياسية صاحبة القدرة على التأثير بالوسط الذي هي فيه. والاضطراب ينجم عن التفاعل السلبي ما بين المفردات السلبية , بحيث تظهر وكأنها تفاعلات إيجابية ذات نتائج مفيدة للأطراف المتفاعلة في الوسط السياسي.

رابع عشر: إضطراب الهوس التاريخي
هذا إضطراب مرعب وقاسي يحل بالشخصية السياسية , ويدفع بها إلى القيام بأفعال واتخاذ قرارات ذات تفرد أوغير مسبوقة في زمنها المعاصر والسابق , لكي تجد لها مكانا واضحا وباقيا في التأريخ. وهو إضطراب سلوكي ناجم عن نزعة الخوف من الموت والتشبث المطلق بالحياة وعدم الإيمان بمغادرتها , ورفض الموت الذي لا بد لكل حي أن يواجهه.
وهو سلوك منحرف وخطير يعبر عن أنانية فائقة وعدم الإحساس بالآخرين , واستخدامهم من أجل أن يحملوا شمعة تواجد تلك الشخصية في أقبية التأريخ أو متاحفه. وكم أصيب بهذا الإنحراف العديد من الساسة والقادة, وقد واجهه جلجامش في زمنه , لكنه عبّر عنه بطريقة صحية وذات قيمة إنسانية وحضارية , حيث وجد أن الهوس بالتاريخ والبقاء في الأرض يتحقق بالبناء والتفاعل الإنساني الخلاق , الذي علينا أن نتوجه إليه بكل طاقاتنا , لكي نبقى ونفيد الإنسانية ونقدم إضافات حضارية باقية تشير إلينا وتعبر عن أفكارنا وسلوك شخصيتنا. لكن للأسف الشديد يتم إستثمار هذه الرغبة البشرية بطريقة منحرفة تدفع إلى سفك الدماء وإشعال الحروب وتحقيق الويلات.

خامس عشر: إضطراب المغامرة والمقامرة
من الإضطرابات الإندفاعية التي تصيب الشخصية السياسية وتحتم عليها الولوج في تفاعلات غير محسوبة وذات نتائج مرعبة, أساسها حب المغامرة والمقامرة. فيتحول الشعب في نظر السياسي إلى أشياء أو أوراق لعب على طاولة الصراعات السياسية. أو سلعة تجارية يقايضها بما يشاء من تصوراته وخيالاته , التي تأخذه إلى حيث لا يفيد أحدا سوى نبضات الرغبات المتفجرة في كيانه المفلوت والمتحرر من الروادع والضوابط الدستورية والقانونية.

سادس عشر: إضطراب الحرب
وهو سلوك إندفاعي ربما ناجم عن حب إشعال النيران في الأشياء , وقد يكون ركنا مهما من أركان العدوان والفتن والصراعات البشرية. والبعض يميل إليه لشعوره بالحرمان من الأبوة , ويريد أن يحرم جميع الأطفال من آبائهم. والتأريخ يحدثنا عن هوس الحروب والإدمان على خوض غمارها من قبل القادة والحكام , الذين يحسبونها وسيلتهم المثلى في كتابة التأريخ وتربعهم على عرشه.

سابع عشر: إضطراب الأسطورة
النزوع إلى التحول إلى إسطورة يؤدي إلى سلوكيات سياسية متهورة , تتميز بالغرابة والشذوذ والتطرف , الذي يمنحها ملامح غرائبية ومتميزة تغرسها في أذهان الأجيال , وغاية كل ما يقوم به صاحب هذا الإضطراب لا يخدم إلا إشباع هذه الرغبة الهوجاء المتأججة فيه. ولا بد من صناعة الملاحم وفقا للتصورات المكبوتة في الشخص الطامح نحو الأسطورة.

ثامن عشر: إضطراب السوء
ويتحقق ذلك عندما تتحرر النفس الأمارة بالسوء من قيود النفس اللوامة والنفس المطمئنة , فتنطلق مفاسدها ويتعاظم جشعها وتمعن في ملذاتها , وإمتهانها للآخرين ومصادرة حقوقهم , فترى صاحب هذا الإضطراب يكنز المال ولا يتعب , ولا يعنيه ما يراه من حوله من علائم الفقر والحرمان والمقاساة اليومية للناس , فيصاب بشراهة لا محدودة تعمي بصيرته وتصادر آدميته.

تاسع عشر: إضطراب الغطرسة
أو يمكن تسميته بالتأسد , حيث يتجسد فيه التعبير عن طبائع الأسود وعاداتها , وإمعانها بالفتك والتدمير والإفتراس , فتتحول الناس في نظر صاحب هذا الإضطراب إلى فرائس وممتلكات مشاعة , يمكنه أن يختار منها ما يشاء لجزره على موائد تأسده , وولائم غطرسته النكراء , حتى يصاب بالإدمان على القتل فلا يتحسس وجوده وحرارة منصبه إلا بقتل الآخرين كل يوم.

عشرون: إضطراب الإدراك
الحكم يغير المدارك ويصبغها بألوان أخرى , ويضع في ظلمات الجمجمة مناظير تساهم في تحقيق الرؤية التي يغرق فيها السياسي , ويتحول من إنسان إلى حالة أخرى منزوعة الشعور بالآخرين. فما تمليه المناصب السياسية من آليات تفاعل ووعي تصنع شخصا آخر غير الذي عرفناه قبل جلوسه على الكرسي. والشواهد متعددة , وما أكثر الذين نعرفهم قبل تقلد المنصب وكيف وجدناهم بعد أن إنتصبوا!
وتترتب على هذا الإضطراب سلوكيات متفقة ودرجة الإدراك المتحقق وما تم وعيه فيه.

حادي وعشرون: إضطراب الأزموية
وخلاصة هذا الإضطراب , أن الأزمة يتم مواجهتها بأزمة وأزمة , في دائرة مفرغة من التفاعلات المتأزمة الممنوعة من الفتور والوصول لحل مفيد.
ووفقا لذلك , تلد الحرب حربا أو حروبا , والصراع صراعا أو صراعات , وكل موجود قائم يحقق إنجاب قائم آخر يسحقه وينهيه. ويبدو كأنها إضطراب في التفكير وإنحراف في التدبير والتفاعل المطلوب , وفقا لمعطيات ومهارات وخبرات إيجاد الحلول. وتدقع إلى تحقيق دواعي ومسوغات التأزم وإستلطاف تداعياته , وما يتحقق حوله من مولدات للأزمات.

ثاني وعشرون: إضظراب القهرية
أو الشعور الزائف بالمظلومية والمرارة السلوكية العمياء , فيرى السياسي بأنه كان مقهورا ومظلوما من قبل الذي سبقه , ولا بد له أن يطلق العنان لرغباته وغرائزه الإنتقامية والإمحاقية , التي تجتث كل شيئ يمت بصلة للذين سبقوه , وكأن الموضوع لا علاقة له بالوطن , وإنما بالتعبير الأقصى عن الروح الإنتقامية المتأججة إلى ذروتها الفتاكة , وهذا يؤدي إلى تفاعلات وتداعيات مرعبة وذات خسائر متعاظمة ومتوارثة.

ثالث وعشرون: إضطراب المؤامرة
حالة سلوكية مدمرة لأية قدرة على لتفاعل الإيجابي وتحقيق التقدم والرقاء , والتواصل الفكري والإبداعي ما بين أصحاب القرار , ذلك أن الممسك بمقاليد السلطة ينظر بعين الريبة إلى ما حوله ولا يمكنه أن يفسر أي تعليق أو رأي أو ردة فعل إلاعلى أنها مؤامرة , ومعنى ذلك أن الذي لا يتفق وما يريده , لا بد له من الموت أو السجن بذريعة المؤامرة. وعقلية المؤامرة الناجمة عن هذا الإضطراب قد فعلت ما فعلته في القرن العشرين في العديد من أنظمة مجتمعاتنا التي خسرت عشرات الآلاف من أبنائها بسبب ذلك.

رابع وعشرون: إضطراب الخيانة
الخيانة والمؤامرة رديفان لبعضهما , والموسوس بسلوك الخيانة , تراه في حالة من الثوران أو الهياج الإنفعالي وقصور الفهم وغشاوة الرؤية , لدرجة أنه لا يعرف إلا الفتل والإقصاء الفتاك للآخرين من دون مسوغات كافية وموثقة , وإنما يمضي في أسلوب القبض على السلطة وفقا لمعايير الرغبة العمياء الطامحة إلى تأكيد الذات وحسب. وما أكثر الذين ذهبوا ضحايا لهذا الإضطراب الذي أجهز على العقول الكبيرة في المجتمع.

خامس وعشرون: إضطراب النكران
ويتسم بنكران الواقع ورؤيته بعيون أخرى , وعدم التصديق بما يتم وصفه من الحالات القائمة فيه. ذلك أن الشخص المصاب به يعيش نوعا من فنتازيا الإنقطاع والتوحد في الكمال , والإمعان في أنه لا يخطئ , وكل شيئ من حوله يجري طوع إرادته ومبتغاه الفريد المجيد.

هذه محاولة متواضعة ومقتضبة لتحديد بعض الإضطرابات التي تصيب السلوك السياسي وتتسبب في القرارات المؤذية للحياة , وهي بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة.