18 ديسمبر، 2024 8:01 م

إضاءة على نصّ الشاعرة : نيسان سليم رافت … نص غير مكتمل

إضاءة على نصّ الشاعرة : نيسان سليم رافت … نص غير مكتمل

حينما يكون الشعر قريباً منّا فحتماً سيكون الأفضل بعدما يتغشانا بسحابة من النشوة الماطرة والعذوبة المترقرقة , وربما المواضيع العادية ستكون أحبّ الأشياء الينا اذا استطاع الشاعر ان يسخّر اللغة ويفجّر طاقاتها ويستخدم أدواته بصورة صحيحة . يبقى الشاعر المخلوق العجيب والمثير والغريب والمشاكس مادام يتمتع بخيال وحرّية تمنحة فرصة الخلق والأكتشاف . فالشاعر بمقدوره أن يبثّ السحر في نسيجه الشعري ويمسك بالمتلقي ويجعله ماخوذا بما يحسّ ويستشعر بسلسلة الأنغام والتوترات التي تبعث من المفردات البسيطة , ويضفي عليها مسحة سحرية تجعل النصّ متوهّجاً كما في هذا النصّ للشاعرة : نيسان سليم رافت .

اننا نقف مأخوذين بعالم زاخر بالعذابات والقلق والتهكم المرير والألم الفظيع والأكتئاب والأنتظار اللامجدي والغربة الطويلة والخراب والأمل المنتظر ../ أشعر بأنقباضة متكررة فأنا إمرأة مملة هكذا ../ .. لقد عشت الوحدة والعزلة والحب ../ .. لا أحد يفهم لماذا أنا أعيش، لأجل ماذا أحلم، لا أحد يستمع لأنين الوحدة في صدري، ولا لعواء الذئب المجروح، ولا أحد يرى دخان سيجارة العجوز المتعب في داخلي../ .. ويغلقون أذانهم عن نبرة الحزن في حديثي ../ جميع من أخبرتهم عن خوفي من الموت ../ .. أشعر بآلام الحيض لكن في قلبي ../ .. جلّ ما اريده هو التخلص من وباء الغربة ../ . وكأنّ الشاعرة في هذا النصّ الذي لم يكتمل تعيش في صحراء مترمية الأطراف , أو تسكن حلف قضبان الزمن لاخلاص وفكاك من جبروته . استطاعت الشاعرة بلغتها هذه ان ترسم لنا صورة جليّة عن واقع تافه وأن تضفي عليه رفيف الشعر بعدما استطاعت تسخير مفرداتها وشحنها بطاقات شعورية .. / حتى تعلمت أن أكتب نصي هذا بكلمات أبعد ما تكون عن الكلمات ../ .. سألتقي بكَ يومًا، بصدفة مدبرة، لتخبرني عن علاقتك الزوجية المملة، عن المرأة التي تزوجتها بعد أن قلت لي بأنك لا تستطيع الإلتزام، ستخبرني بأنك شاهدت معها الأفلام التي كنا قد اتفقنا على مشاهدتها سويًا، بأنك سافرت معها للعديد من البلدان، لكنك لم تشعر باللذة والحماس الذي كنت تحلم به ../ .. لقد استطاعت الشاعرة هنا أن تشدّنا الى عالمها المستقبلي بهذه الانتقالات الممزوجة بالألم المرّ والأمل الالمفقود , هي حالة يمارسها الأنسان / الشاعر / كتعويض لما فقده في حياتها الواقعية , فيهرب الى أحلامه التي يفصّلها كيفما يريد , ويحاول ان يتحرر من الواقع المؤلم والبائس ../ .. عندما تكون الخسارة فادحة يكون وقعها أمرّ وأوجع في النفس الانسانية النقيّة المحبة للخير والسلام والحبّ , لقد حاولت الشاعرة ببوحها الممضّ ان تبرز لنا العالم الداخلي للأنثى بتصويرها الخلجات الداخلية والهموم اليومية الذاتية وقراءة الواقع بعين الحقيقة وإبراز الملامح القبيحة له عسى أن يخفف من شدّة الغربة ووحشة الوحدة , لقد بدأ النصّ من الهرم ثم بدأ يتلاشي شيئا فشيئا ليتركنا في حيرة من أمرنا ../ سنلتقي حتمًا وسأذكرك بنصي هذا لأراك حزينًا فأجد بذلك حجة لعناقك وبعدها سأعاود الرحيل، لربما ستحب أطلاق لحيتك لمرة واحدة ../ .. يبقى النصّ مفتحا على جميع الاحتمالات والتأويلات لانه لم ينتهي بعد فمازال هناك متسع من الوقت ../ وحتى يكتمل النص ../ سأنتظر حتى يزهر النارنج في عودتك ../ .. ويبقى الحبّ الصادق هو من يثير في النفس المشاعر القوية ويمنح الشاعر فضاء شاسعا من خلاله ان يبوح لنا ما يثير ويقلق ويجعلنا نتفاعل بصدق معه ونقف الى جانبه في محنته .

النصّ :

نص غير مكتمل
أشعر بأنقباضة متكررة فأنا إمرأة مملة هكذا قال لي أحدهم ذات مرة..
لا أحد يفهم تعلقي الشديد بفيروز وبغابرييل ماركيز وغسان كنفاني..
لقد عشت الوحدة والعزلة والحب مع غابرييل وأحببت حتى نسيت النوم مع فيروز وما زلت أسأل ذلك الأحمق عن حاله بكلمات باردة ..
ما زلت أرى أن قضايا الوطن تحملني المسؤولية
وما زلت أكره غادة السمّان وبهتان أعترافاتها برسائل الغرام ،
ربما أنت ستفهم ذلك مع الوقت.
لا أحد يفهم لماذا أنا أعيش، لأجل ماذا أحلم، لا أحد يستمع لأنين الوحدة في صدري، ولا لعواء الذئب المجروح، ولا أحد يرى دخان سيجارة العجوز المتعب في داخلي..
كلهم يرونني كاتبة وليس إمرأة لها عالم مكتظ بأسماء الجنود الذين لم يعرف عنهم إلا سجل دونت فيه تواريخ التحاقهم للقتال
ونساء بألوان كثيرة
يرون ما تكتبه يدي ويغضون أبصارهم عن إرتجافها، يسمعون ما يقوله لساني ويغلقون أذانهم عن نبرة الحزن في حديثي، لكن ربما ستسمعها أنت..
جميع من أخبرتهم أن الورق يتحدث معي لم يصدقوني لولا مشاعرهم القليلة لقالوا عني “مجنونة”، جميع من أخبرتهم عن خوفي من الموت لم يردوا بشيء
من الذي سيرى الحزن في ضحكة الوجه
لم ينتبه أحدًا
لا أحد يفهم لماذا يأتي على بالي أن أدخن سيجارة، إنها الوحيدة التي تقتل الدمع المالح في خواصر أوطاننا المسلوبة

في سياق الحديث عن السيجارة تذكرت أن وجودها أنساني أشياء كثيرة
ثلاث أغنيات، ومشوار واحدٍ لكنه طويل ورسالة لم أكمل ختامها رغم أنني أغلقتها ووضعت عليها طابعاً قديماً
وذكراه عندما أمسك بيدي لأول مرة وكيف بدء العالم يختفي، والضجيج يختفي وأنا أختنق، أجل بدأت أختنق لأني لم أكمل النص الأخير: .

وقتها شعرت بشيء يتحرك داخل أحشائي، ابتعدت عن نفسي للوهلة الأولى، لم أكن أعرف ماهو شعرت بحرارة تتولد تحت جلدي، وكأن جيوش من النمل تمشي على أطرافي، لم أكن أعرف
حتى تعلمت أن أكتب نصي هذا بكلمات أبعد ما تكون عن الكلمات، لم أعد أقوى على كتابة جملة كاملة، أشعر بآلام الحيض لكن في قلبي، كل الأشياء تخرج مدوية مني، تخرج عن سيطرتي، جلّ ما اريده هو التخلص من وباء الغربة مع انتهاء هذا النص.

ورغبة عارمة بتمزيق كل الأوراق، بمسح الكتابات وتمزيق هذا الخراب..
بدأ السواد يغطي المكان، ويغطيني، فقد أتى الليل ليعزيني، سأرتدي الخمار منذ اليوم، كي لا يرى أحدٌ بهتان ضحكتي، ولا حتى تجاعيد عيناي، وكي لا أراك بصورة واضحة ذات ألوان..

سألتقي بكَ يومًا، بصدفة مدبرة، لتخبرني عن علاقتك الزوجية المملة، عن المرأة التي تزوجتها بعد أن قلت لي بأنك لا تستطيع الإلتزام، ستخبرني بأنك شاهدت معها الأفلام التي كنا قد اتفقنا على مشاهدتها سويًا، بأنك سافرت معها للعديد من البلدان، لكنك لم تشعر باللذة والحماس الذي كنت تحلم به..
ستخبرني بأنها مثقفة لكنها من النوع الممل وأنها لا تجيد الرقص رغم أنك علمتها بعضه، فهي لا تملك روحًا راقصة، وهي طباخة ماهرة لكن لا طعم للحب في طعامها..
ستخبرني بأنك تقضي الليل بجانب امرأة لا تعرف المغازلة، فلا تقول لك بأن لحيتك جميلة، وشامتك هذه بنية وتلك سوداء، لا تقبلك في عينيك المتعبتين، ستخبرني بأنها تنزعج من يدك التي تتعرق عند الإمساك بيدها ولم تحبها كما أحببتها أنا، ولا تبدي إعجابها بكنزاتك الصوفية، وغبية لا تعرف معنى النقاط ولا الضباب بصورتك الشخصية في الهوية، بأنفك الذي تراه كبيرًا ..
سنلتقي حتمًا وسأذكرك بنصي هذا لأراك حزينًا فأجد بذلك حجة لعناقك وبعدها سأعاود الرحيل، لربما ستحب أطلاق لحيتك لمرة واحدة
وحتى يكتمل النص

سأنتظر حتى يزهر النارنج في عودتك