23 ديسمبر، 2024 1:03 ص

إضاءات على اللغط المثار بشأن تصوير الإعانات والصدقات في عصر كورونا !

إضاءات على اللغط المثار بشأن تصوير الإعانات والصدقات في عصر كورونا !

لايشكك محلل سياسي ولا مراقب إعلامي بأن التظاهرات الغاضبة التي خرجت في مدينة الناصرية مؤخرا مطالبة بكسر الحظر المفروض على المواطنين من جراء إنتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد – 19 ) وعلى خلفية الظروف المادية الصعبة التي ألمَّت بمعظم الكادحين والكسبة والأجراء اليوميين حتى أن عوائل بأسرها لم تعد تمتلك – ثمن الصمون – سيتكرر ثانية ليس في الناصرية فحسب،وإنما في كل مدن العراق ما لم تتدخل الحكومة فورا لدعم هؤلاء الفقراء ماليا وعينيا ومعنويا وتسارع بإطلاق مفردات الحصة التموينية وبكميات مضاعفة ومن دون مقابل ، ناهيك عن إتخاذ إجراءات أخرى عاجلة من شأنها ضمان إبقاء المحجورين والمحظورين في منازلهم خشية انتشارالوباء،وبخلاف ذلك فإنهم سيخرجون غير مبالين لا بوباء كورونا ولا بـالسياسيين ممن لايفتأون يرددون بحقهم في الساحات والميادين،بأنهم “هم الـذين – باكونا – ونهبونا وظلمونا وفي كل بقاع الأرض بأمر من سادتهم الأجانب وبجنسياتهم وولاءاتهم المزدوجة شتتونا” وبما أن لكل واقع بائس كواقع العراق المقيت جدا بظل هؤلاء الساسة ممن لايرتجى خيرهم قط بما هو مجرب ومعاش طيلة 17 عاما مقدمات ونتائج ،مدخلات ومخرجات ،وبما أن الصدقات على المحتاجين ومعونات الموسرين للمتعففين قد لعبت دورا في تخفيف حدة الأزمة حتى حين،أقول لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة وبعد فقدان الملايين أعمالهم ومصادر رزقهم الوحيدة بسبب الحظر والحجر الصحي ،وصار السؤال يدور حول قطب رحى خلاصته “لماذا يصورون معوناتهم للفقراء والمساكين والأصل في الصدقات هو الإخفاء وليس الاظهار ” حتى تحول هذا السؤال – البايخ – الى أيقونة مواقع التواصل ،بعضهم يسأله مستاءا خشية من الرياء وجرح مشاعر الفقراء وبورك فيه ، وبعضهم يسأله من باب – حشر مع الناس عيد – ، وبعضهم لكونه مغتاظا من الصدقة وأهلها عموما لأنه بخيل – والدينار ما يطلع من جيبه حتى وأن نسيه في جيب البنطلون الخلفي داخل الغسالة – بعضهم مستاء من تكافل المسلمين فيما بينهم لأن هذا التكافل من شأنه أن يعري الكثير من المسؤولين وقادة الكتل وزعماء الأحزاب وينشر غسيلهم على الملأ ويظهرهم بمظهر العاجز عن المساعدة المكتفي بـ “الخمط ” والمناصب فحسب ، بعضهم ممتعض لأن إحياء التكافل لدى العراقيين يعني إتحادهم وتعاضدهم وتكافلهم وحبهم لبعضهم على إختلاف مكوناتهم وإبراز قوتهم أمام العالم المادي كله موثقا بالصور بخلاف – الخطة – المرسومة دوليا لهم ،وعلى النقيض من ما يتمناه وما يروجه لنشر العداء والبغضاء والفرقة بينهم،وبعضهم لأنه تاجر محتكر وتوزيع المعونات مجانا بالنسبة اليه = كساد لبضاعته المُحتكرة لغرض رفع الأسعار طمعا وجشعا ، وبعضهم لأنه فقير لايمتلك ثمن الصدقة التي هو بأمس الحاجة لها فيشعر بنوع من الحسد والغيرة التي قد تدفعه أحيانا وبدلا من الثناء على المتصدقين والدعاء لهم للنيل منهم والحط من طريقة إخراجهم للصدقة متذرعا بكراهة التصوير وحرمته وما شاكل ، بعضهم لأن المتصدقين على غير ملته ، قوميته ، طائفته ،دينه ،عشيرته ،وبناء عليه فهو ينتقص منهم عصبية وطائفية لا أكثر وفي قلبه حسرات، بعضهم إنزعج وشعر بضيق شديد لأن الكثير من دور العبادة هي من توزع الصدقات بين المحتاجين وبالتالي فإن عبارته التي ساقها وسَّوقها طويلا وإتكأ عليها أطول ” لقمة في فم جائع خير من بناء 1000 جامع ” وقاس عليها قياسا باطلا أموال وتكاليف الحج والعمرة ،قد أصبحت هشيما تذروه الرياح وهذا الميدان ياحميدان ( وفات الملعون أن الناس تقف في الشدائد والكوارث على أبواب المساجد التي لم يرتدها يوما، لا على ابواب الملاهي والخمارات وصالات القمار وبيوت الدعارة التي يعد ضيفا دائما عليها حيث تبدد مليارات ومليارات على الموائد والراقصات والمشروبات!) ، وأسأل الجميع ” كيف عرفتم أن انجيلينا جولي ، كانت تزور مخيمات اللاجئين قبيل الانتخابات الاميركية وكان في نيتها الترشح للرئاسة وقد أفصحت عن ذلك في لقاءات عدة؟ كيف عرفتم انها تجوب مخيمات النازحين في سورية والعراق لتحولونها الى قديسة – وهي اكبر سحاقية وعاهرة ومدمنة مخدرات في هوليوود واكبر داعية لزنا المحارم بإعترافها شخصيا – لولا الصور التي ألتقطت لها هناك وكنتم أول من أشار الى أنها – اشرف – من فلان وعلان بصنيعها هذا وبصورها تلك ،بل وصرتم تقارنون بناء على صورها بينها وبين صنيع غيرها من أهل الخيرالافاضل وتقولون هذه أشرف منهم جميعا ، الان وعندما يأتي الخيرون ليوزعوا الصدقات صرتم تطعنون بهم وبتصويرهم وتجاهلتم صور انجلينا وافتخاركم بها وتبجيلكم لها وتناقلكم لصورها صباح مساء على السوشيال ميديا ، لماذا لم تكرروا هراءكم بأن تصويرها حرام ولايجوز ويطعن في كرامة النازحين السوريين والعراقيين في مخيمات اللاجئين ،علما وليسمع الجميع هذا ، إن تصوير جولي داخل ضمن ما يعرف بسياسة ” محو العار ” بمعنى ان امريكا تقصف وتدمر وتقتل شعوبا بأسرها ثم ترسل كلابها أمثال جولي وغيرها لتظهرأمام الرأي العام على انها – أي اميركا – الأم الحنون التي تساعد الشعوب ولا تقتلها ..تطعمها ولا تجيعها .. تأويها ولا تشردها ؟!
وأضيف وبالمباشر وبصراحة متناهية بأنه ومن خلال متابعتي الطويلة – ولا أقول صدقاتي إإطلاقا – لهذا النوع من المعونات الانسانية منذ أيام الحصار الاميركي الجائر على العراق قبل 2003 الذي قتل مليون وربع المليون عراقي ، ومن خلال متابعة انشطة العديد من المؤسسات الخيرية فضلا عن المبادرات الفردية أو الجماعية خارج اطار المنظمات والجمعيات الانسانية ،أن :
– صدقة السر هي أفضل من صدقة العلن ولاشك حتى أن يمينك لاتعلم ما أنفقت شمالك مصداقا للحديث النبوي الشريف ” سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ” ومنها ” ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه”. .
– الصدقة التي لايرافقها رياء ولايتبعها منٌ ولا أذى هي الأصل ، تماما كما جاء في نص القرآن الكريم : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”.
– ظهور المُتصدق في الصور مرات عدة وهو يسلم المحتاجين مساعداتهم مبتسما للكاميرا أمر مستهجن جدا وكريه جدا !
– ظهور المتصدق كثيرا في الصور ووجهه بعيدا عن الكاميرا في لقطات قد تبدو عفوية من باب ” صورني وآني ما ادري ” وقد تكون عفوية بالفعل أثناء ” التفريغ ، التسليم ،التوزيع ،التعبئة ” فيها ما فيها .

– تصوير الفقراء والمتعففين والايتام والارامل والمساكين وإظهار وجوههم وبثها على مواقع التواصل و وكالات الانباء والفضائيات لها مالها وعليها ما عليها، بمعنى أنك” قد شَهَّرت بهذا الفقير وفضحته على الملأ والمفترض انه متعفف لايسأل الناس الحافا ويحسبه الناس غنيا من التعفف الا أنك وبإظهاره هكذا واقفا في الطابور بإنتظار دوره في المساعدة ومن ثم إلتقاط صورة له وهو يتسلمها مع أولاده وبناته وزوجته قد جرحت مشاعره و- نعلت سلفه سلفاه – وعذرا للعبارة ولكنها الأدق وصفا والأجلى تشبيها لتصوير المشهد ومآلاته برمته عن كثب!
و دعوني أضع النقاط على الحروف وأفك بعض اللبس الذي طال كثيرا وأخذ حيزا أكبر من حجمه على مواقع التواصل وأؤكد لكم بأن من يكثر انتقاد تصوير الصدقات من دون تقديم اقتراح لتنظيمها بشكل افضل ،لعدم ظهور المتصدق فيها من باب دفع الرياء ، لتغطية وجوه المستفيدين قبل بث الصور مثلا وهذا ما افضله ولا انصح بتشويه الصورة وانما بتضبيب الوجه فقط احترافيا بتقنية “سوني فيغاس” واشباهها ، ومن ينتقص من الصدقات الجماعية بذريعة حرمة تصويرها بالعموم ” لا يتصدق ” وإن فعل ذلك فعلى إستحياء وبمبلغ زهيد جدا ،لايستحق لا التصوير ولا التشهير بل على العكس فإنه واذا ما صوره فسوف يتحول الى – مضحكة – بنظر عموم الناس ،أقول عموم الناس لأن الصدقة في أصلها بركة ولو بالتبسم ولو بشق تمرة وهي عظيمة عند الله تعالى مهما صغرت اذا كانت من كسب طيب ، الا ان تصويرها هنا هي المشكلة وموضع الجدل والنقاش المحتدم ، واضيف ان هذا الشخص يفعل ذلك كل سنة مرة ،حرام تنسوني بالمرة وربما كل عقد مرة ” نقطة راس سطر .. واتحداهم جميعا أن يقولوا بخلاف ذلك !
هنالك متصدقون أخفياء أتقياء أنقياء يتبرع أحدهم بالمال الا انه يتمنى في قرارة نفسه وإن لم يفصح عن ذلك ان يشاهد بأم عينيه اين تذهب صدقاته ليطمئن قلبه وبالتالي فان المكلفين بتوزيع الصدقات نيابة عنه يشرعون بتصويرها لإثبات حسن صنيعهم في توزيعها ولكسب ثقة المتبرع ولإراحته وإدخال السرور على قلبه وكلما سُر المتصدق الكريم كلما تبرع اكثر، هكذا يقول علم النفس والاجتماع والعرف والواقع وعلى المنتقد في هذه الحالة ان يتصدق بنفسه من حر ماله أو أن يطلب من الذين وكلهم بأن لايصوروا لأنه يثق بهم كثيرا ولولا ذلك لما وكلهم بذلك وانتهى الموضوع ، يا اخوتي هناك من يطالب بالتصوير بعظمة لسانه بالقليل فما بالك بمن يتصدق بملايين الدنانير او الاف الدولارات ويتبرع بها للمحتاجين حسبة لله ؟ارحموا الناس او تصدقوا انتم بأنفسكم ولا تصوروا بدلا من الثرثرة !
وليعلم الجميع بان التعميم في كراهة تصوير الصدقات واتهام كل من يفعل ذلك بأنه مراء ، تعتيم مقيت وخلط حابل بنابل وثرثرة تعيق العمل الخيري بمجمله لا اكثر ،والله تعالى هو وحده من يحاسب على السرائر ،واكرر ان إخفاء وجوه المستفيدين مهم جدا ،عدم ظهور المتصدقين او من ينوب عنهم في أكثر من صورة مبتسما مهم جدا ،عدم تجيير الصدقات للحملات الانتخابية ، للوجاهة ، للسمعة ، للنفوذ ، للمنصب، للرياء، لإستغلال الفقراء مهم جدا ، فكلها من محبطات العمل ومن مضيعات الأجور !
وانوه الى ان هناك من يصور كي لايساء الظن به كإثارة اللغط من حوله وباللهجة الدارجة على نحو :” هذا وين يودي الفلوس والتبرعات؟ ..أكيد خمطهن ..اكيد لفطهن ..اكيد حولها الى جهات وجماعات كذا وكذا ، اكيد راح يبني بيهن بيت ..أكيد وزعها على معارفه ..يشتري سيارة ..الخ ” بينما التصوير هنا يثبت أن التبرعات ذهبت الى مستحقيها وكان الله يحب المحسنين ، ما يعني أنه قد دفع سوء الظن عنه ورحم الله من جب الغيبة عن نفسه ، علما ان منتقدي التصوير عموما هم أول المتهمين لغير المصورين بسرقة الصدقات وإخفائها ، لقد شاب شعر الرأس من الاعيبكم وانتقاداتكم المستمرة لأهل الخير وسكوتكم الدائم وصمتكم المطبق عن اهل الباطل ، وألفت الى أن بعضهم إن أعطي من الصدقات رضي واذا ما تم تصويره علنا فلا مانع عنده من ذلك ولو تم البث – صوت وصورة – الا انه و ان لم يعط من الصدقات صار مشهرا بالمتصدقين وبصدقاتهم ومشككا بنياتهم بل ومن المشيعين للأكاذيب من حولهم ايضا، بذريعة كراهة التصوير ، مصداقا لقوله تعالى ” وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ” .
ولايفوتني أنه وفي زمن الشح المطاع والهوى المتبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، أرى أن إظهار الصدقات أوجب من إخفائها لكونه يشجع الناس وقد شاع بينهم البخل والحرص واللؤم والانانية والفردانية على أن يحذوا حذوهم والنيات هنا موكولة الى الله تعالى ، لأن تصوير الصدقات ستدفع – النايمين للضحى على فلوسهم وذهبهم وخزائنهم والراضين ببخلهم وشحهم – الى التصدق من باب التقليد أو ما يعرف بـ” عدوى القطيع ” بصرف النظر عن نياتهم ، أعيد ذلك وأكرره مرارا ، لأن ما يهمنا في الصدقة هو أن ينتفع الفقير والمحتاج بها أولا وآخرا علاوة على إشاعة روح المحبة والتكافل ،ولضمان عدم لجوء المحتاج الى وسائل أخرى تضمن له قوته خارج السياقات القانونية لما لاتحمد عقباه ، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم الدين !
الخلاصة : لاتبخل وتصدق من كسب حلال طيب ولكن لا تراء ، لا تمار ، لا تمن ، لا تؤذ ، إن شئت صورت ذلك وإن شئت لا ، شريطة أن لاتظهر وجوه المستفيدين وتعمل على إخفائها تقنيا ، ان لاتظهرنفسك في الصور قدر الامكان ،ولا ان تظهر فيها مبتسما وخلفك أربعة يرفعون شارات النصر وكأنك محرر – جنة قلعه – وأن لاتجيرها للمصالح الشخصية والانتخالبة والعشائرية والطائفية والحزبية الضيقة وسواها ،وأن تؤدي الأمانة كاملة الى مستحقيها ولا تبح لنفسك ما لايباح لك منها، أن لا تشهر بالمتصدقين ان لم تعط منها ، بينما تسكت عنهم ان اعطيتها وان صوروك اكثر من صورة..تصدق فنحن نعيش في ايام المسغبة ولايضرنكم من يعيب عليكم ولايخذلونكم كما خذلوا من كان قبلكم يريدونكم ان تتساووا معهم في البخل والشح والاحتكار واللؤم والانانية والبكاء على الاطلال من خلف الكيبورد فقط لا اكثر !
أيها المتصدقون الخيرون إياكم أن تخجلوا من صدقاتكم ولا من خيراتكم ، مصورة كانت أم غير مصورة ، لأن العالم كله بات ينظر اليكم اليوم بعين الاحترام والتقدير، فأوربا مثلا ” تغفل علاج كبار السن المصابين بكورونا لكونهم من الميئوس من انتاجهم ولكونهم يكلفون الدولة مبالغ طائلة تصرف لرعايتهم وايوائهم وتقاعدهم وعلاجهم ،لتركز على شريحة الشباب المنتجين فقط” وأميركا الرأسمالية الكريهة تطرد من لايمتلكون ائتمانا صحيا من المستشفيات ولاتعالجهم من كورونا ما أسفر عن وفاة العشرات منهم وبعضهم من الشباب ، فيما أمة الحبيب الطبيب صلى الله عليه وسلم ،تتكاتف وتتعاضد ويساعد بعضها بعضا بصرف النظر عن الأعمار والألوان والألقاب والأحساب والأنساب ولو كان بهم خصاصة بما هو مشاهد وموثق بالصور ، إنها مواجهة مصيرية بين ثقافيتن،وصدام حضارات بين حضارتين بالصدقات والخيرات والمعونات والانسانيات هذه المرة موثقة بالصور والإعلام ولكن بشروطها المشروعة .اودعناكم اغاتي.