عقدت في يوم الأحد ( 18/ 10 / 2015 ) ورشة عمل للإصلاحات الاقتصادية المخصصة لتنشيط القطاع الصناعي في هيئة المستشارين بمجلس الوزراء وبرعاية وحضور الدكتور حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء وكبار المسؤولين في مكتبه والأمانة العامة لمجلس الوزراء ، وعلى الرغم من كون الاجتماع كان مكرسا لتطوير آليات الإقراض الصناعي ضمن مبادرة البنك المركزي ، والتي طال أمدها واستغرقت وقتا كثيرا لدرجة إن الشكوك بدأت تراود الكثيرين حول مدى جدية هذه المبادرة ، بسبب التأخير و النية لفرض فوائد مصرفية على القروض واعتماد آليات معقدة وإجراءات بيروقراطية من شانها إن تحرم الصناعي البسيط للاستفادة من هذه المبادرة إن تحققت و بشكل قد يجعل المنفعة محصورة بالمتنفذين ( فقط ) الذين يستطيعون القفز على هذه الإجراءات ، نقول رغم كل ذلك فقد خرج صناعيو العراق وهم مستبشرين خيرا من هذا الاجتماع ، فحضور السيد رئيس مجلس الوزراء شخصيا والجدية الكبيرة التي يبديها السادة الأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس هيئة المستشارين وكبار المسؤولين والاستجابة الأولية للكثير من المقترحات ، أضفت جوا من التفاؤل بجدية المبادرة وقرب إيجاد الحلول لتحققها وجعلها موضع التطبيق .
ولكن البعض أشار إلى ضرورة أن يتنبه السادة المسؤولين عن هذه المبادرة إلى ثلاثة نقاط يمكن الأخذ بها أن يعزز من فاعلية هذه المبادرة ، وأولها إن تحفيز القطاع الصناعي والزراعي لا يمكن ان تعالج مشكلاته بالقروض فقط وإنما من خلال خطة متكاملة للدعم الواسع ، تتضمن على اقل تقدير توفير العملة الأجنبية ( الدولار ) بأسعار مخفضة لاستيراد المعدات والمواد الأولية وتخفيض أسعار الطاقة وخصوصا الوقود ، ومنح حوافز نقدية للصناعيين عند تشغيل العمالة العراقية وفقا لقانون العمل النافذ على غرار ما هو موجود في العديد من الدول التي تعاني من تفاقم مشكلة البطالة ، وغير ذلك من أساليب الدعم التي توفر قدرة تنافسية حقيقية لقطاعات الإنتاج المحلية .
ولكن من أين يتم تمويل كل هذه المفردات ؟
فالتمويل بسيط ويمكن أن لا يكلف خزينة الدولة أية أموال ، ويتم ذلك من خلال تحديد نسبة معينة تضاف إلى سعر صرف الدولار في مزاد البنك المركزي ويخصص إيراد هذه النسبة لدعم الصناعة والزراعة العراقية ، فمثلا لو تم فرض نسبة ١٠٪ فان الدولار سوف يباع في المزاد بسعر ١٣٠٠ دينار تقريبا ، يذهب ١١٦٦ دينار إلى البنك المركزي والفارق يذهب إلى صندوق الدعم ، والموضوع بسيط وضمن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وهو يمثل إحداث توازن في الأعباء ، حيث إن الانفتاح الاستيرادي قد الحق أفدح الضرر بالصناعة العراقية وعلى المستوردين أن يتحملوا جزءا بسيطا من العبء ، وهو سوف لن يؤثر عليهم كثيراً كما انه سيدفع المواطن إلى ترشيد شراء السلع المستوردة ، والمهم انه سيوفر سنويا أكثر من خمسة تريليون دينار يمكن أن توفر دعما كبيرا لقطاعات الإنتاج المحلية .
أما النقطة الثانية المهمة ، فهي تتركز بكون الإجراءات التي تمت مناقشتها في الورشة تركز على استيراد معدات جديدة ، وهذا اتجاه خطير جدا لان المعدات الجديدة غالية الثمن حاليا وتعتمد على التقنيات الحديثة التي تقلل من استخدام العامل البشري ، وهذا غير مقبول في العراق في الوقت الحاضر حيث يبلغ عدد العاطلين عدة ملايين والقطاع الصناعي لديه معدات غير مستخدمة خلال السنوات الماضية وبإمكانها أن تعمل لعدة سنوات قادمة من خلال تطويرها وإضافة التحديثات الممكنة عليها . لذا نقترح على المسؤولين عن المبادرة بمنح القروض للمعامل التي تشغل اكبر عدد من العاطلين ، وليس الإنفاق العالي على المكننة الحديثة ولحين تحسن ظروف العراق إذ لا ضرورة ( حاليا ) لإنفاق مليارات الدولارات على معدات جديدة والمعدات القديمة موجودة وأغلبها غير مستخدم أصلا ، اخذين بنظر الاعتبار أهمية الموارد المالية في الوقت بالذات ، حيث من الضروري توجيهها للاستخدام الاقتصادي ولحين توفر الفوائض المالية من العمليات التشغيلية لغرض توجيهها لشراء المعدات الحديثة ، أما النقطة الأخيرة فهي فرض فوائد وإجراءات معقدة بخصوص منح القروض ، والواقع إن ذلك قد يكون غير مفيد إطلاقا باعتبار إن المبادرة أطلقت أصلا لدعم الصناعة والزراعة والسكن ، ففرض فوائد عالية سوف لن يشجع رجال الأعمال على تشغيل مشاريعهم ، والدول الجاذبة للاستثمار توفر سياسات تمويل جاذبة ، فعلى سبيل المثال فان تركيا تمنح تمويلا يصل إلى ٧٠٪ من كلفة المشروع وبفائدة تصل إلى ٢٪ وبتسهيلات في الطاقة والتأسيس والخدمات علاوة على حوافز التصدير ، وبالتالي فمن الواجب أن تكون المبادرة من دون فوائد وبإجراءات بسيطة وبسياسة دعم واسعة ، ومن دون كل ذلك فلن يكون لهذه المبادرة نصيب من النجاح في حالة عدم الجدية في معالجة تكاليف الإنتاج العراقية وسياسة الإغراق الاستيرادي وأدوات الدعم الحقيقي لقطاعات الإنتاج .