23 ديسمبر، 2024 6:14 ص

إصلاحات على صفيح ساخن

إصلاحات على صفيح ساخن

يبدوا اننا على موعد مع سلة جديدة من الاصلاحات التي نسمع بها كثيرا ولم نلمسها على أرض الواقع مطلقاً ، السيد العبادي ربما يبدوا جاداً في خطاباته وتصريحاته الاخيرة وهذا الاستنتاج له علاقة بما صدر من شركاء العبادي الرئيسين في التحالف الوطني الذين أفزعتهم صحوة رئيس الحكومة الاخيرة وكانت باعثاً لإثارة قلقهم وصدور ردود أفعال متشنجة جداً منهم وصلت الى حد الاعلان بصورة مباشرة عن رفضها اي تغيير وزاري محتمل قد يطال وزرائها ، ولم تستطيع أحدى الكتل الرئيسية في التحالف الوطني كبح جماح غضبها سوى بربط أي مشروع للتغيير في الحكومة بتغيير رأسها ( العبادي) .
هذا هو حال العبادي ومشروعه التغييري مع أقرب شركائه في الحكومة والتحالف الوطني ، ومثل ردود الافعال هذه تضع عمليا خطوات التغيير تحت مقصلة الجلاد التي لا مفر منها لتعلن مبكراً عن مهمة شبه مستحيلة لرئيس الوزراء وليبقى مشروعه الاصلاحي رهين الخطابات والتصريحات الاعلامية ، وهذه الحالة من تعاطي حلفاء العبادي مع مشروعه الاصلاحي توضح لنا ان مثل هذا المشروع كان قرارا ارتجالي وغير مدروس وأنه محصلة ونتيجة لضغوط معينة ودواع آنية تحاصر رئيس الحكومة ، والا فأن مثل هذا المشروع أو السلة التي يفكر السيد العبادي في المضي بها يحتاج الى تنسيق وتوافق وتكاتف من قبل الحلفاء والشركاء قبل الفرقاء وهو ما لم يتحصل عليه رئيس الحكومة مطلقاً .
ورغم أن مشروع (السلة) المرتقب هذه المرة يبدوا أكثر ضخامة في عنوانه وسقف ومستوى قراراته التي لخصها السيد العبادي بأنها تتجه الى (التغيير الجوهري) وأنها سوف تستهدف أتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية عنوانها ( اعادة تشكيل الفريق الحكومي) ، الا ان العبادي لم يوضح ما هو الشكل او الصورة الجديدة التي يسعى لإخراج شكل حكومته فيها ، ولا يبدوا مشروع حكومة التكنوقراط مضمون النتائج بلحاظ ان تشكيلة العبادي الوزارية الحالية تكنوقراطية بامتياز الا أنها ( تكنوقراطية حزبية) وهذه الاخيرة لا يبدوا انها سوف تتعرض الى المساس والتغيير لأن العملية السياسية عموما وتشكيل الحكومة خصوصا بني على الاستحقاقات الانتخابية ومبدأ المحاصصة الحزبية التي فرضت على العملية السياسية نتيجة الصراع السلطوي بين المكونات السياسية .
ان الاهداف المعلنة من قبل السيد العبادي لمشروع ( السلة الاصلاح) فأنها وبحسب بيانه تتلخص بتحقيق منهج العدالة ، ومحاربة الفساد والمفسدين ، ووقف هدر المال العام ، وتقليل الهوة بين المسؤول والمواطن ، وهذه الاهداف نبيلة ومشروعة وهي مطلب جماهيري رئيسي لأنها معوقات رئيسية لعملية التنمية والاصلاح ولكنها أيضاً قد تكون مجرد قائمة دعائية وتسويقية يراد منها امتصاص ما يمكن امتصاصه من النقمة والسخط والتبرم الذي يعتري ابناء الشعب والذي عبرت عنه القيادات الدينية والمظاهرات الشعبية وردود الافعال التي تتواصل من العراقيين احتجاجاً على القرارات المتخبطة للحكومة ووزاراتها .
وبغض النظر عن الجدية وعدمها في مشروع السلة الاصلاحي للسيد العبادي فأن ملاحظة ردود الافعال المتشنجة والارتجالية التي صدرت من الحلفاء في التحالف الوطني بصورة خاصة تبعث على الاحباط واليأس لرئيس الوزراء ولكل العراقيين ، فالمفروض بالكتل السياسية الحليفة للعبادي على أقل تقدير والمشاركة بالتشكيلة الوزارية ان لا تقف مقدما حجر عثرة امام اي مشروع اصلاحي او تغييري لمجرد أن قد يضر بمصالحها التي لا تعدوا عن الحفاظ على الوزارة الفلانية او الوزير الفلاني في منصبه ، لأن هذا القدر من التعامل من قبل الكتل السياسية مع مشاريع الاصلاح يؤكد بصورة جلية أنه سبب رئيسي لما يمر به العراق وشعبه من نكبات وويلات ، فالوزراء الفاشلين والوزارات المتخبطة في آليات إدارتها والتي تمتاز بالتقاطع والاستقلالية التي تدار بها كل وزارة هي التي أوصلت الحكومة والبلاد على شفا الانهيار .
ان عملية التغيير والاصلاح يجب ان لا تقتصر على اجراءات ترقيعية تتبعها التزامات استرضائية للحلفاء والفرقاء وانما يجب ان تكون خالصة ومخلصة من القائمين عليها ، وخاضعة لمبادئ ومعايير عملية في الاختيار والتي من المفروض ان تكون قائمة على معايير الكفاءة والنزاهة ووضع العناصر الكفؤة المخلصة المهنية في مكانها المناسب بعيداً عن المحاصصة السلبية القائمة على تبوء قائمة مقدسة من السياسيين لقيادة الوزارات واحتكارها من خلال التنقل المستمر بين أروقة الوزارات فيما بينهم .
ان مكافحة الفساد المستشري في أروقة مؤسسات الدولة يجب ان يكون من أولويات اي مشروع لإصلاح عمل الحكومة او النهوض بالواقع السياسي وهذا الهدف يتطلب موقفا شجاعا من قبل رئيس الحكومة لاتخاذ القرارات الصعبة والفاعلة لاجتثاث أصول الفساد وملاحقة رؤوسه الكبيرة التي عبثت بمقدرات البلاد وتفننت في اختلاق الازمات ، وكل هذه الخطوات تتطلب من رئيس الوزراء أمراً غاية في الاهمية يتمثل في توفر كادر من المستشارين والتنفيذيين المهنيين والاكاديميين ليكون بمعيته لتفعيل وضمان نجاح اهداف المشروع الاصلاحي ويتطلب كذلك الشروع فورا بإجراء تغييرات واسعة في المؤسسات الحكومية المستقلة والهيئات الرقابية المهمة كهيئة النزاهة والتفتيش والانتخابات ومجلس القضاء الاعلى .
هذه الخطوات الفاعلة سوف معياراً حقيقيا لأي مشروع اصلاح وتغيير ناجع ومثمر ، والا فأنها سوف تكون عملية جراحية فاشلة لجسد يتعرض للاحتضار ويحتاج على طبيب بارع يخلصه من عذاباته وانينه المتواصل الذي قد يقوده في الاخير للاضطرار نحو خيارات مرة تتجه به لا إرادياً صوب الهاوية وشبح التقسيم .
[email protected]