23 نوفمبر، 2024 4:06 ص
Search
Close this search box.

إشكالية مكافحة ألإرهاب

إشكالية مكافحة ألإرهاب

كثيرا ما تتعالى اصوات الحكومات الرأسمالية في دول اوربا الغربية  لتتهم أنظمة العالم الثالث بأنها أنظمة تقمع الحريات الأساسية لشعوبها ,في الوقت الذي تسعى هذه الأنظمة إلى فرض مزيد من القيود على الحريات الديمقراطية والفردية المكتسبة والمنصوص عليها في دساتير هذه الدول. وتبررهذه الحكومات  تلك القيود بالحفاظ على الأمن، وهو المبرر نفسه الذي تتخذه الأنظمة الاستبدادية في بلدان العالم الثالث. والحرب على الإرهاب سوغت للأنظمة الديكتاتورية للتنصل  عن احترامها لحقوق الانسان في بلدانها والتضييق على الحريات العامة متخذة بذلك من الدول الديمقراطية مثالا يحتذي به بان الحفاظ على الأمن والاستقرار يحتم تقييد ومصادرة الحريات . وهناك سجالات تدور بين جميع الاطراف حول تأثير ألإرهاب على الديمقراطية ، حول ما إذا كانت الديمقراطية تؤثر على الإرهاب أو تساهم فى الحد منه. وهو موضوع مثير للجدل بين من يرى أن الديمقراطية ليست دواء ناجعا للإرهاب، بينما آخرون يرون بأن الديمقراطية الحل الامثل  لوقف الإرهاب. تسعى الأجهزة الأمنية لاصدار قوانين تمكنها من القيام باعتقال الأشخاص المشكوك فيهم أو اللذين يعتقد أنهم قد يشكلون خطرا امنيا،والتحفظ عليهم في السجون  احتياطيا لفترات قد تطول أو تقصر، وذلك دون محاكمة أو ثبوت أدانتهم بجرائم أمنية. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد لجأت، عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 إلى تفعيل قانون عرف بقانون “باتريوت” خولت بموجبة أجهزة الأمن سلطات إضافية واستثنائية. وبناء على هذا القانون تم القيام بملاحقات واحتجاز لأشخاص دون محاكمات أو ثبوت تهما محددة. وفي ألمانيا هناك من تبنى مثل هذه الفكرة، فمثلا اقترح وزير داخلية أحدى الولايات الألمانية أن تلجأ السلطات الألمانية إلى السجن الاحتياطي، أو الترحيل للأجانب، الذين قد يمثلون خطرا إرهابيا، حتى دون محاكمة أو ثبوت إدانتهم بجريمة. كما يقترح الوزير، الذي نفذ بكل حماس مثل تلك الإجراءات في ولايته، تشديد الإجراءات على المتشددين الإسلاميين وتجنيد مخبرين يعملون في أوساط الجمعيات والتجمعات الإسلامية لجمع المعلومات عن نشاطاتها. وقد برر هذا الوزير ذلك بالقول: “يجب أن نكون على علم بما يدور في كل مسجد. هنا، في هذه ألاماكن التي يتم فيها تنمية الأفكار المتطرفة، يتوجب أن يكون لنا وسائلنا الاستخباراتية.”   ومن غير المستغرب،  أن يتحول شعار “الحرب ضد الإرهاب” الى أداة قمعية ضاربة بيد الحكومات، طالما وجدت فيه مفهوما ومتنفساّ جديداّ لمعالجة ما تواجهه من أزمات على الصعيد الداخلي أو الإقليمي والدولي.  الإجراءات التى تتخذها الدول والحكومات للتعامل مع الإرهاب تؤدى إلى تقييد الحريات بشكل عام سواء من حيث التنقل، والقيود على حركة المواطنين ، وقد تتخذ أحيانا مسوغا لمزيد من القمع والتنكيل، وقد أظهرت حالات متعددة ذلك، ولعل حالة الولايات المتحدة الامريكية على أثر أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، تعد مثلا حيا، وكذلك ما يمكن وصفه بـ “حزمة القوانين التى تسعى الدول الاوروبية، من خلال إقرارها، إلى قطع الطريق على الفكر الإرهابى”، والتى أدت، فى مجملها، إلى تكبيل الحريات مباشرة ,وأصبح  بإمكان أي نظام شمولي أن ينكل بمعارضيه السياسيين ويزج بهم في السجون تحت مبرر أنهم خطر على امن المجتمع أي اصبحت هذه الانظمة لديها مبرر لكم الافواه . واصبح  بامكان أي نظام ديكتاتوري أن يرد على  الانتقادات الموجهة له بمصادرة حقوق الإنسان وعدم تطبيق الديمقراطية ,بالقول ان اعرق الانظمة الديمقراطية  في العالم عندما تعرضت للخطر كان أول ما قامت  به هو اللجوء إلى الاجراءات البوليسية على حساب حقوق الإنسان. إن علاقة الإرهاب بالديمقراطية مسألة إشكالية إبتداءا، خاصة وأن المفهومين حملا أبعادا إيديولوجية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، وفي نفس الوقت لا يوجد تعريف جامع مانع لكلا المفهومين. ففيما يتعلق بالديمقراطية فقد تعددت الأسباب فى وصف أنماطها مثل الديمقراطية الليبرالية المقيدة، وديمقراطية الحزب الواحد، وديمقراطية اللجان الشعبية، والديمقراطية الاشتراكية… الخ. فلا اتفاق جامعا مانعا حول مفهوم الديمقراطية. فالكل يدعى أنه ديمقراطى، “وقد أصبح   المفهوم مع النظام العالمى الجديد المستند إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية السياسية، وفى ظل إغراق ديمقراطى يمنحه بعدا إيديولوجيا مفهوما “ضخما” لا يجرؤ أحد على مناقشته. إن الارهاب قديم قدم السلوك السياسى الاجتماعى البشرى وقد شهد أوجها متعددة. وفي عام تم 1798ادخال كلمة “الارهاب ” من قبل الأكاديمية الفرنسية للتداول ، الا أن دلالاتها كانت تشير إلى قمع الحكومة للثوار عقب الثورة الفرنسية. ورغم صعوبة تحديد التاريخ للسلوك السياسى الارهابى، إلا أنه فى القرن العشرين اكتسب بنية مميزة، وصارت  تلك البنية مميزة للنشاط العنيف الذى يهدف إلى ايصال رسالة سياسية، أو دينية، وذلك من خلال “إرعاب” الرأى العام باستهداف أهداف ممثلة للشعب المستهدف ، بحيث اكتسب سمات مميزة من أهمها أنها تمثل صفة غير رسمية وان دعمت من قبل الحكومات أو الدول ، ومن السمات الاساسية أن منفذ الفعل الارهابى يستهدف تغيير سياسات الدولة ، وتكون غالبا مضادة لرغبة الناس الرافضة للعنف السياسى .وحتى يومنا هذا لا يوجد تعريف موحد للإرهاب، وسبب  ذلك هو تنوع  أشكال الإرهاب وأنماطه، وأسبابه، واختلاف أساليب الجماعات الإرهابية،وهو ما دفع إلى نزاع دبلوماسى كبير، خاصة وأن بعض الدول تعد مسألة التمييز بين المقاومة المشروعة والارهاب باعتباره  فعلا سياسيا غير مشروع مسألة فى غاية الأهمية. وبغض النظر عن تبريرات السياسيين التى تجد التوظيف السياسى فيها حاضرا، نلاحظ أن تعريف وزارة الخارجية الأمريكية لعام 1998 للإرهاب يشير إلى أنه: إشكالية الإرهاب والديمقراطية تسعى الى البحث فى العلاقة الإشكالية بين الديمقراطية والإرهاب، حيث تنطلق من مقولة أساسية ترى بكلا المفهومين عبارة عن آليات لإدارة الصراع السياسى داخل المجتمعات، وبالتالى تثير تساؤلا حول طبيعة العلاقة بين المفهومين، للوصول إلى نتيجة تبين  ان الديمقراطية هي الحل الامثل للقضاء على الإرهاب. وقد لعب الاحتلال الأمريكى للعراق دورا بارزا فى عمليات التجنيد، وفتح جبهة لـ “مواجهة الأمريكيين”. وقد وجد السلفيون – الجهاديون في العراق فرصة لمواجهة الأمريكيين، وهو ما أعطى للامركزية القاعدة بعدا تنظيميا فبرزت “القاعدة فى بلاد الرافدين”، و”القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى”، و”القاعدة فى أوروبا”.. وغيرها من تلك التسميات. ومؤخرا، برز التوجه نحو خلق ملاذات آمنة، حتى ولو كانت صغيرة بالحجم، على غرار “دولة العراق الإسلامية”، والصومال. ….الخ . إن المشهد العربي السياسي يقوم علي عدد من المتغيرات التي ترسم الصورة العامة لخارطة الطريق للمستقبل في العالم العربي، فهناك مجموعة من المؤشرات التي تؤثر مباشرة في حياة المواطن، وفي شكل الدولة، وهي بالتالي تحدد ردود الفعل إزاءها، كالفقر، والبطالة، والفساد. …..الخ. وبذلك كونت  حركة سياسية ـ اجتماعية بامتياز. تمثل السلفية الجهادية الفضاء المرجعي الأوسع، لشبكة القاعدة وفروعها في مختلف أنحاء العالم، والمرجعية أوسع مجالا من التنظيمات المستندة إليها، فتضم تنظيمات عديدة أخرى قد تكون متحالفة أو متعارضة مع أبرز ، وهو ما ينتج دائما مرجعيات فرعية متفرعة لكل تنظيم على حدة، تحاول أن تُمثل الأيديولوجيا التأسيسية الأوسع له. والقاعدة تستمد تنظيراتها من النصوصية السلفية الجهادية، وكذلك من بعض تأويلاتها الفكرية والإستراتيجية التي يكتبها قادتها المباشرون والميدانيون في كثير من الأحيان، وهي الأكثر التصاقا بالتنظيم وحالته. يمكن تعريف المراجعات بأنها عملية نقد ذاتي يقوم بها تنظيم أو فرد معين، على تصوراته ومنطلقاته الأيديولوجية السابقة، وكذلك الممارسات العملية التي صاحبت تلك التصورات والمنطلقات، ووضع أسس فكرية، وأولويات جديدة أو مختلفة عن الأولويات والحتميات السابقة، تكشف خللا في تلك التوجهات، وتنزلها من مرتبة المسلمات إلى مرتبة الاجتهادات التي تقبل الخطأ، وهو ما ينتج نظاما فكريا وأيديولوجيا وممارسة تنظيمية تختلف كليا أو جزئيا عن الممارسة السابقة. فيما يتعلق بالعلاقة مع التيار السلفي – الجهادي، وتنظيم القاعدة، فإن الحركات الشعبية الاحتجاجية في العالم العربي، أفرزت أن التيار لم يكن قادراً علي تحقيق النتائج التي حققتها الجماهير عبر التظاهر السلمي، وبالتالي كان السلفيون – الجهاديون غائبين عن المشهد. فإن الجماهير المليونية التي شاركت في المظاهرات السلمية ,أظهرت أن إحباطهم لم يدفعهم إلي العمل العنيف، وتبني أجندة القاعدة، مثلاً، بل وجدوا في الفعالية السياسية السلمية، وعبر التظاهر نتائج أكثر نجاعة مما حققه العنف المسلح. ومع ذلك فإن المعطيات الموضوعية، تؤشر أيضاً إلي أن التيار السلفي-الجهادي لم يعد “البديل الأخير” لدى الجماهير  في العالم العربي، لمواجهة إحباطاتهم السياسية، فهذا التيار يقدم خطاباً متناغماً مع ذاته ويجيب علي أسئلة هؤلاء المحبطين، سواء الداخلية أو الخارجية. أما مايسمى بالحركات الجهادية في الشيشان فقد نشأت مع اندلاع الحرب ضدّ الروس في كانون الأوّل/ديسمبر العام 1994. وشكّلت هذه الحرب مصدر رزقٍ للعديد من المقاتلين العرب في أفغانستان، الذين كانوا قد فقدوا عملهم وذهبوا  يفتّشون عن ساحة معركة جديدة بعد الانسحاب السوفياتي من كابول. وكان بعضهم، مثل القائد الخطّاب ، قد مدّ قبل فترة يد المساعدة إلى الإسلاميين في الحرب الأهلية التي عصفت في طاجيكستان ما بين العامين 1992 و 1994.  إلاّ أنّه خلال حرب الشيشان الأولى، لم يشكّل الجهاديون حركة مستقلّة بحدّ ذاتها. فقد فضّلوا أن ينضووا تحت الراية القومية بقيادة جوهر دوداييف، أوّل قائدٍ استقلاليّ منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي. وفي العام 1997، وبعد تفرّق القوات الروسيّة تمّ توقيع معاهدة سلام. ووفق هذا المفهوم، لم يخل تنظيم أو اتجاه إسلامي -شأن أي اتجاه فكري آخر- من مراجعات تمت على أسسه المرجعية أو على ممارساته، لعل مِن أشهرها خروج حركة التوحيد والإصلاح المغربية من عباءة حركة الشبيبة الإسلامية شبه العنفية، أو خروج السلفية الجهادية من رحم التيار الصحوي  في الخليج أو من رحم بعض الاتجاهات السلفية الأخرى، وكذلك خروج بعض التنظيمات التكفيرية والجهادية بعد تجربة السجون والتعذيب للإخوان المسلمين في مصر من عباءتها أو معاناتها في ستينيات القرن الماضي. كان الموقف النظري لتنظيم القاعدة -في الغالب- استباقيا في الرفض والهجوم على معارضي أفكار التنظيم ومخالفيه ومنتقدي ممارساته، سواء من الاتجاهات الإسلامية الأخرى، أو من المؤسسات الدينية البديلة، بل كانت القاعدة سباقة دائما لنقدها وانتقادها ومحاولة نزع الشرعية والمشروعية عن طرحها، فكتبت ضد الإخوان وتاريخهم الذي رأت غلبة البراجماتية والضعف المبدئي عليه,ورأت في مسيرتهم الطويلة الحصاد المر، كما وجه كتاب القاعدة ومنظروها النقد الشديد لرموز التيار الصحوي في الخليج ، وكذلك حزب التحرير الذي تراه القاعدة يدور في منطقة جدل الكلام دون فعل جهادي حقيقي وفعلي. فحيثما يوجه “الشعار” ضد تلك الجهات أو الجماعات، التي قد تلجأ مضطرة الى العنف كسبيل  للرد على ما تواجهه هي نفسها،  من عوامل الضغط والتعسف والإضطهاد وعنف الدولة، سواء من قبل حكوماتها أو من قبل أطراف أخرى، كما هو الحال مع ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أعمال القمع ودهم الدور السكنية وقتل المدنيين والإضطهاد وخرق حقوق الإنسان الذي تمارسه قوات سلطة الإحتلال الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني يومياّ، أو ما تمارسه السلطات الحكومية في بلدان أخرى من أعمال القمع وخرق الحقوق المدنية لمواطنيها،  حيث أصبح شعار “محاربة الإرهاب” هو الشعار المفضل لديها في الوقت الحاضر، أقول حيثما يوجه “الشعار” ، توصم تلك الجماعات والمنظمات المستهدفة، بأنها منظمات “إرهابية” تقع تحت طائلة الحساب والعقاب. ولا يجري التعامل معها إلا وفق هذا الأساس، حتى وإن كانت أهدافها مشروعة، ويسندها القانون الدولي. ومنذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر، التى استهدفت مبنى التجارة العالمية فى نيويورك، ومبنى البنتاجون فى واشنطن، ومع بدء الولايات المتحدة ما يعرف بـ “الحرب على الإرهاب”، واستهداف بنى “القاعدة” التحتية فى أفغانستان، وتشتت عناصرها، وقطع قنوات التمويل عنها – برز التحول لدى التنظيم إلى أسلوب لا مركزى، عبر خلايا ذات توجه أيديولوجى سلفى – جهادى، ولكنهم ينشطون وفقا لظروف البقعة التى يتواجدون بها، وتوجيهات القيادات المحلية، وبالتالى برزت المواجهات مع السلطات السعودية، ما بين عامى 2003 و2006، وتفجيرات جربا، وبالى، والدار البيضاء، وتفجيرات مدريد، وتفجيرات لندن، وغيرها. وعادة ما ارتبطت مثل هذه الخلايا بعناصر وجدت فى معسكرات التدريب، وهى تولت التجنيد وجذب العناصر الجديدة، وبقيت هى المرتبطة بـ  “القاعدة – الأم” المصطلح الذى بدأ يبرز فى تلك الحقبة. هنالك تحولات مجتمعية تفرض نفسها كشروط موضوعية، كالنسب العمرية ، ونسبة التعليم وتوفير فرص العمل وغيرها، هي التي تحدد حجم المطالبات وأشكالها من قبل أفراد المجتمع. وإذا ما تم تطبيق ذلك على العالم العربي، فمن الملاحظ أن المجتمعات العربية، هي بين تحول ديمقراطي، يؤسس للدولة بمفهومها الحديث، وما يترافق معها من قيم المواطنة، وسيادة القانون، وتداول السلطة، وغيره، وذلك عبر وسائل سلمية للفعالية السياسية، أو ما بين اللجوء  للعنف، كوسيلة أساسية للتغيير، تثبت أنها الأسلوب الأنجع للتغيير. أما “القاعدة” فتحاول إستقطاب الشارع الى جانبها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات